لم يتوقع أحد أن يغير الانقلاب العسكري في مصر من أخلاقيات وثقافة الشعب المصري المعروف بشهامته وطيبة قلبه، فيتحول فئة ليست هينة منه إلى تبني ثقافة النذالة، وتحول عدد من الناس إلى معدومي الضمير، فاسدي الأخلاق، متنكرين لكل صاحب فضل معهم.
يصلني كثير من الفتاوى والأسئلة، كلها ينطلق من نقطة سوء الخلق والانحطاط الذي وصل له حال الناس في مصر، وقد رأيت بعضا من هذه الأخلاق الفاسدة قبل خروجي من مصر بعد فض رابعة.
فهذا سؤال من فتاة كان سؤالها كالتالي: لي أخوان من معارضي الانقلاب العسكري في مصر، وقد اتصل خالي بأمي يستغيث أن بلطجية يقفون أمام بيته، يريدون قتله والفتك به، فسرعان ما أرسلت الأم بولديها لينقذا خالهما، ولم يفكر الولدان ولم يترددا في التعجيل بالخروج، بكل شهامة وخلق في الإسراع لنجدة خالهم، ولما اقتربوا من بيت خالهم، فوجئوا بكمين من رجال الشرطة أمام بيت خالهم، وكانت الصدمة لهما: أن خالهما اتفق مع رجال الداخلية على كمين ينصب لأولاد أخته، ولأنه يعلم أن لديهما مروءة وخلقا، فقد عمد إلى حيلة أنه مهدد من بلطجية، ونصب الكمين ليلقي القبض عليهما، ولكنهما تنبها لذلك، فلاذا بالفرار، وقرر الشابان مقاطعة خالهما، ولكن الأم تضغط عليهما للصلح مع خالهما، وسؤال الفتاة لي: هل نحن مجبرون من باب صلة الرحم، أن ننسى نذالة خالي معنا؟ علما بأنه لا يزال يتربص بنا للوقيعة بهما؟!
بعد فض رابعة، كنت أسير في جنازة أحد الشهداء ممن قضوا نحبهم في ميدان مصطفى محمود بالجيزة، وكانت الجنازة مهيبة، وخطبت الجمعة وصليت الجنازة على الشهداء في هذا اليوم، وبينما نسير بالجنازة وكانت في بلدة من ريف مصر، ومعروف تقاليد الريف المصري عند مرور الجنازة ولو كانت لعدو لك، ولو كانت لقاتل أبيك، لها تقاليد وأعراف في الاحترام والصمت، إذ بي أفاجأ برجل سيئ الذكر في البلدة، والجنازة عدد مشيعيها ضخم جدا لم تشهده البلدة من قبل، إذ بي أرى هرجا ومرجا، فذهبت إلى مكان العراك، فسألت وإذ بالشباب يصدموني بما فعله الرجل السيئ، أنه بصق على الجنازة، لم أصدق في بادئ الأمر، حتى رأيته يعترف، ولو تركته للمشيعين لفتكوا به ولزادت النعوش نعشا، وشتان بينهم!!
وثالثة متصدقة تتصدق بمالها على فقراء من أقربائها، ولكنهم نكاية فيها، كلما ذهبت إليهم بالصدقة، يشغلون لها أغنية (تسلم الأيادي) ويواجهونها بصورة السيسي، وهي زوجة أحد الشهداء الذين قضوا على يد رجال السفاح السيسي، والسؤال يأتيني دائما: ماذا نفعل، هل نمنع الصدقة عن هؤلاء المتنكرين للجميل، الأنذال في سلوكهم، الذين لم يروا منا إلا كل خير، ولم يروا منا إلا ما يرضي ربنا، وليس وراء استمرار عمل الخير معهم إلا رضا الله، فهل نأثم إذا منعنا عنهم الصدقة؟
هذا قليل من كثير، وغيض من فيض، مئات الفتاوى والرسائل، تأتيني دائما، وعشرات الاتصالات في برامجي الفضائية، سؤال دائم: ما سبب هذه النذالة الغريبة التي نراها من فئة من الشعب؟ وما علاج ذلك؟ وهي أسئلة تحتاج إلى إسهاب وشرح للوقوف على الأسباب والعلاج النفسي قبل الديني.
إن ادعاء البعض أن هذه السلوكيات الفاسدة سببها فشل الإخوان في مشروعهم السياسي، وإن صح هذا الادعاء، وسلمنا به جدلا، فهل عرفت البشرية والأمم عقابا أو جزاءا لمن يفشل سياسيا بالتجاوز في حقه من حيث دمه، وعرضه، وماله؟! بل والرضا بذلك، والتحريض عليه؟
لقد أصبحت موقنا بأن الوقت الذي سيمضيه الثائرون في إنهاء الانقلاب، وآثاره السياسية، سيمضون أضعافه في إنهاء آثاره الأخلاقية والدينية، وهذا ما يتطلب جهدا وإعدادا كبيرا، ونفسا طويلا في الاستعداد لهذا الأمر.