وما الدولة إلا مسرح صغير، هنا القاهرة، العساكر لا يعرفون التنوع والاختلاف، إنما الخدم، لديك ما تقدمه؟، تحاول؟، فلتمت تهميشا، واضطهادا، وإذا علا صوتك، سجنا، وتلطيشا، وربما قتلا، تعالى نصنع منك صاحب دور، ليبرالي؟، إذن ستشتغل لدينا "ليبرالي"، قرأت ماركس، ورفاقه؟ صاحب مواقف، وتاريخ؟!، إذن ستشتغل لدينا "مناضل"، بتاريخك، وبلقمتك!
أما الإسلامي، فحسب تصنيفه النوعي، بلحية أم بدون، أزهري، أم إخواني، أم منشق، سلفي، علمي، أم جهادي، صوفي، شعائري، أم فتة؟ في المعتقلات، إن تك حقيقيا، وأمام الشاشات حين تتعقل، وتأتي إلى هنا، سنعلمك، ستسبنا، وتصرخ بمعارضتنا وترفع يديك وتدعو علينا، وتصف ما نفعله بالمؤامرة على الإسلام، ستزايد على ديننا، لكن إياك وسياساتنا، سيرضى عنك أصدقائك، وبعض الناس، من فريقك، وتصبح من الثائرين، سنحتاجك يوما.
الكل على خشبة الدولة، أما الجمهور، فمهما بدا متابعا ذكيا، لن يدرك أبعاد اللعبة، رغم بساطتها، وتكرارها، إلا أن خيال المؤلف، عميق إلى درجة تجاوزت دود الأرض، بل إن جثث الأموات، لم تر في عالم آخر، ما تحمله لنا دراما التاريخ في مصر.
يسألني الأصدقاء، من مثقفي لبنان، كيف سقطت النخبة المصرية بهذا الشكل المروع؟، يكررون أسماء كانوا، مثلنا، يظنون أصحابها على شيء، وظلوا كذلك حتى رأوهم وهم لا شيء، أن تكون على شيء، في مصر، فذلك ليس معناه بالضرورة أنك على شيء، ربما لم تواتيك الفرصة بعد أن تستثمر مواهبك، وتقدم نفسك، لتثبت أنك لا شيء، فتنل كل شيء!
كان أستاذنا عبد الوهاب المسيري، رحمه الله، يخبرنا عن تجربته الماركسية، أن أغلب الشيوعيين الذين عرفهم، كانوا كذلك لأنهم فشلوا في أن يكونوا رأسماليين، جشعين، ويؤكد ذلك أن أحدا منهم لم يكف يوما عن المحاولات الدؤوبة في اللحاق بركب الإمبريالية، حاملا تاريخه النضالي، لا على ظهره، بل في عروة الجاكيت!
في مصر الآن، عرائس، مختلف ألوانها، انتهينا من مرتضى منصور، توفيق عكاشة بدوره سيستريح قليلا، بالأمس هدد المشاهدين جميعا، بأنه لن يظهر على الشاشة قبل حل الأحزاب، وإقالة محلب، وحكومته، وأنه مستمر في معركته، ولكن من بيته، وبنيته، صونا لكرامته التي يجرحها وزراء محلب لأنهم لا يردون على مكالماته التليفونية!!
سنلعب مع آخرين، يخبروننا بدورهم أنهم يخوضون معاركهم، من أجل الوطن، معركة الأصوليين، والتنويرين، من يفز يقابل الوحش في المستوى الأخير، أزهر السيسي، يناظر تنوير السيسي، الذراع الديني للدولة العسكرية، يحاول البطش بالذراع التنويري للدولة العسكرية، كل شيء هنا بإذن الجنرالات، ننفرد من دون العالمين بنسخ من الليبرالية الكاكي، والدولة المدنية العلمانية التي يقيمها العساكر، والثورات التي تحقق أهدافها الثورات المضادة عبر انقلابات عسكرية بإرادة حرة شعبية ووطنية!
في المناظرة الأخيرة بين الأزهر وقناة القاهرة والناس، أرسل كل منهما من يمثله، بناء على توجيهات السيد الرئيس، عبد الله رشدي ممثل الأزهر، شاب، أزهري، أشعري، من مؤيدي السلفي الوهابي حازم أبو إسماعيل، ثم من مؤيدي رجل مبارك الفريق أحمد شفيق، لما لمس في وجهه من أمارات الوطنية، والإخلاص، بوصفه، ثم من مؤيدي الإخوان بعد وصولهم للحكم، ثم من مؤيدي الانقلاب عليهم، ثم من مؤيدي السيسي، طرف المناظرة الآخر، كاتب في جريدة يملكها رجال أعمال مبارك، ثم مذيع في قناة يملكها واحد من أهم رجال مبارك، وداعمي شفيق، ومن بعده السيسي، وبالمرة نجم ليالي وأمسيات أندية الروتاري، والليونز، أول باحث يمشي بـ "البودي جاردز"، خوفا على أفكاره، انتظرته البشرية لا ليصحح مسارها المعوج فحسب، ولكن ليعيد لله جل شأنه إرادته المسلوبه، حيث أن "الله" سبحانه، لم يتخيل ما حدث في الإسلام على يد السلف الإرهابيين، وكل ما جرى كان على غير إرادته، هكذا يخبرنا المتنور بأمر العسكر!
في الطريق، سوف تجد آخرين، لا فرق بينهم وبين خصومهم، الجميع في تقديم خدماتهم سواء، كلب أبيض، وكلب أسود، بوصف المثل المصري، تختلف الألوان، لكن كلهم كلاب، من شاركهم النباح كفاهم شر شرفه، ومن استعصم بآدميته رموه جميعا بالتكلب، تظل تسمع من الكلاب أن فلان من بني آدم ليس من بني آدم بل هو كلب، يزيدون، يعيدون، يكررون، يصرخون، حتى تصدق أن كلاب الحي هم رجاله، الشرفاء الوطنيين، وأن رجاله وحدهم هم الكلاب، ترى العجب، وما هو بالعجب، بل هو حكم العسكر، حيث الجميع أراجوزات، ماريونت، في يد الجنرال، يتحركون بأمره، يغضبون بأمره، يرقصون بأمره، يتنفسون بأمره، وحين لا يأمر، فالأمر في صمته بعض من تخيلهم، إن لم يجده الكلاب، لاخترعوه!
2
شارك
التعليقات (2)
Bazhar
الأربعاء، 08-04-201504:11 م
رائع ... كان لازم تذكر الأسماء ... أسماء الكلاب و لو بعضهم ..