كتبت جويس كرم: حتى في رأي الأميركيين الذين غضوا النظر لسنوات عن التمدد الإيراني في العراق وسورية، فإن طهران وحلفاءها الحوثيين وعناصر النظام السابق في اليمن "أخطأوا في حساباتهم" وتمادوا في التوسع إلى عدن، وتهديد أمن دول "مجلس التعاون الخليجي". غلطة عدن هي المنعطف الذي أطلق عمليات "عاصفة الحزم" في تحول استراتيجي للعمل العربي قد يمهد لتحولات أخرى إقليميا.
واشنطن لم تتفاجأ بالتحرك العسكري في اليمن والذي لم يكن من باب المصادفة أن يعلن بدأه السفير السعودي في الولايات المتحدة عادل الجبير، وعلى بعد كيلومترات من البيت الأبيض. فـ "عاصفة الحزم" هي المرة الأولى منذ الحروب العربية - الإسرائيلية التي تتحرك فيها دول المنطقة عسكريا من دون مشاركة أميركية، على رغم أنه تم "إبلاغ" واشنطن واستعرضت معها الخيارات المتاحة منذ بدء الأزمة في اليمن الصيف الفائت.
الموقف الأميركي يدعم العمليات وفق ما أكد الرئيس باراك أوباما لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز. وهو، على غرار الرياض، ملتزم حلا سياسيا للأزمة. التلاقي الأميركي - السعودي ينعكس أيضا في قراءة البعد الجيو-استراتيجي في صنعاء، والخيوط الإيرانية الداعمة للحوثيين وجماعة النظام السابق. ففي حين أكد الجبير لمحطة "أن.بي.سي" أن عاصفة الحزم "تهدف إلى حماية الشعب اليمني والدفاع عن حكومته الشرعية من مجموعة مدعومة من إيران وحزب الله"، تحدث مسؤولون أميركيون عن "تلقي الحوثيين تدريبات من الحرس الثوري الإيراني".
مصادر في العاصمة الأميركية تذهب أبعد من ذلك، وتلفت إلى تواجد عناصر من "حزب الله" اللبناني في صعدة، وإلى أن مقاتلين حوثيين توجهوا إلى لبنان بغرض التدريب. حتى القناة "المسيرة" الحوثية، تتشابه في الشكل والمضمون مع قناة "المنار" التابعة للحزب. وعلى رغم ذلك، فالوضع اليمني لم يكن ليؤدي إلى ضربات جوية، لولا انقلاب الحوثيين على الشرعية في صنعاء وشل الحكومة وتقويض السلطات الأمنية، وصولا إلى تهميش وحرق المرحلة الانتقالية ومعها مسودة دستور جديد للبلاد.
رهان الحوثيين عندما توجهوا إلى عدن، كان على رضوخ المنطقة والمجتمع الدولي للأمر الواقع والاستسلام لمكاسبهم العسكرية. فحسابات الحوثيين وعلي عبد الله صالح وايران كانت تقوم على أن واشنطن المنشغلة بمفاوضات الملف النووي في لوزان، والدول العربية المشاركة في غارات التحالف ضد "داعش" لن تجازف في التحرك في اليمن وستتخلى عن الرئيس هادي. هذه الحسابات أغفلت الجغرافيا والتاريخ والأهمية الاستراتيجية لليمن بالنسبة إلى دول الخليج ومصر، وقللت من اعتبارات الأمن الإقليمي ومكافحة الإرهاب بالنسبة إلى الأميركيين.
هدف "عاصفة الحزم" استراتيجي بالدرجة الأولى، ما يعني أن العمليات ستستمر لفترة غير معروفة.
فعدن وصنعاء وصعدة ليست تكريت وبغداد ودرعا بالنسبة لأمن السعودية، وسيناريو الفوضى والتمزق في اليمن غير مقبول أميركيا لأنه سيحول هذا البلد "مغنطيسا" للمجموعات الإرهابية أيا كان ممولها.
وهنا كان خطأ حسابات إيران التي جرت حلفائها اليمنيين إلى مواجهة كانوا بغنى عنها.