قالت صحيفة "بيلد" الألمانية إن مساعد
الطائرة الألمانية "إيرباص إيه - 320" التي سقطت فوق جبال الألب، جنوب
فرنسا، عانى من حالة اكتئاب حادة منذ ست سنوات، وكان يتم متابعته طبياً، غير أنه أخفى ذلك.
وأوضحت الصحيفة الألمانية أن معلوماتها "تستند إلى وثائق رسمية للسلطة الألمانية المشرفة على النقل الجوي".
وبحسب الصحيفة، فقد "كان
مساعد الطيار، إندرياس لوبيتس، الألماني الجنسية، يعاني في عام 2009 من حالة اكتئاب حادة، مما أدى إلى خضوعه لعلاج نفسي، ومعالجة طبية خاصة ومنتظمة".
وقال مدعي مرسيليا بريس روبان، إن إندرياس لوبيتز انفرد بالسيطرة على الطائرة، بعد أن غادر قائدها قمرة القيادة ورفض أن يفتح الباب له، وتولى السيطرة على أجهزة التحكم ليسقط بالطائرة.
وأضاف أن "حقيقة وجود ملاحظات تتعلق بمرض، وتقول ضمن أشياء أخرى إنه غير قادر على العمل وعثر عليها ممزقة، وكانت حديثة، بل إن بعضها يعود ليوم الحادثة.. تؤيد الافتراض المبني على الفحص المبدئي بأن المتوفى أخفى مرضه عن رؤسائه وزملائه في العمل".
وقال الادعاء في بيان إن الوثائق عثر عليها خلال تفتيش منزل لوبيتز في دوسلدورف ومنزل أسرته في مدينة مونتابور بولاية راينلاند بالاتينيت.
يذكر أن الطائرة التابعة لشركة "جيرمان وينجز" الألمانية، تحطمت في منطقة برشلونيت، في إقليم ألب دي هوت، فوق جبال الألب، جنوبي البلاد، وعلى متنها 144 راكباً بالإضافة إلى طاقم مكون من ستة أفراد، لقوا حتفهم جميعاً.
وكانت الطائرة المنكوبة، في طريقها من مدينة برشلونة الإسبانية، إلى دوسلدروف الألمانية، بحسب المديرية العامة للطيران المدني الفرنسي.
تقصي الوضع النفسي عملية شاقة
تجهد شركات الطيران لرصد أي خلل جسدي أو نفسي أو سلوكي لدى طواقمها، دون أن يضعها ذلك بمأمن من أعمال غير متوقعة، مثل ما أقدم عليه مساعد الطيار الذي تعمد إسقاط طائرة الإيرباص إيه - 320 التابعة لشركة "جيرمان وينغز" الألمانية.
وأثارت المعلومات من
الصندوق الأسود صدمة وذهولاً لدى الرأي العام.
وقال محقق سابق في مكتب التحقيقات والتحاليل ملخصاً الرأي السائد: "انتقلنا من عالم كنا نثق فيه بالطيارين باعتبارهم حاجز السلامة الأول، إلى عالم قد يترتب فيه لزوم الحذر حيالهم".
والمدهش في الأمر أن الطواقم الجوية في شركات الطيران من طيارين ومضيفات جويات ومضيفين، ينتمون إلى أحد الفروع المهنية التي تخضع لأكبر قدر من المتابعة على الصعيدين الطبي والنفسي، منذ لحظة توظيفهم.
وقال الطيار لدى شركة "إير فرانس"، إريك بريفو إن "جميع طالبي العمل من الطيارين يخضعون لاختبارات نفسية - تقنية، ونفسية - حركية وسلوكية في مجموعة. وبالتالي فإن العوامل البشرية تحتل حيزا مهماً في عملية توظيف الطيارين أساساً".
وتابع بأنه في أثناء اختيار الطيارين "يتم استعراض كل التفاصيل بشكل صارم، والتدقيق في الطريقة التي سيتصرفون بها ضمن المجموعة"، موضحاً: "هل لديهم ثقة زائدة في النفس أو قصور في الثقة بالنفس؟ مهارة قيادية زائدة أم ناقصة؟ هل لديهم القدرة على التحليل؟ هل هم صارمون في عملهم؟ هل لديهم قصور في الاستماع إلى الآخرين أو التواصل معهم؟".
وأشار الاتحاد الوطني للطيران التجاري إلى أن شهادة الأهلية الجسدية والنفسية، التي تعدّ بمنزلة إذن للطيران ينبغي تجديد صلاحيتها كل سنة.
وبهذه المناسبة، يتم استجواب الطيار أو عنصر الطاقم الجوي حول أي صعوبات قد يكون واجهها في بيئته المهنية والشخصية: "حداد، طلاق، انفصال، مرض ولد، صعوبة في التعامل مع تغيير التوقيت بين البلدان... بهدف رصد أي ثغرات يمكن أن تؤثر على سلامة الرحلات".
وقال إريك بريفو إنه "فضلاً عن ذلك تسمح أربع جلسات على جهاز لمحاكاة الطيران موزعة على طول السنة، بالتبثت من أن مؤهلاتهم النفسية مطابقة تحت عامل الضغط الشديد للمسؤوليات التي يمارسونها".
ورأى أنه "تحت الضغط، وحين يتم دفعهم إلى أقصى طاقتهم، لا تستمر الأوهام طويلاً" حول قدرات العاملين الجويين.
نظام إدارة سلامة الرحلات
وقال المندوب العام للاتحاد الوطني للطيران التجاري، غي تارديو، إن الشركات في أوروبا تطبق منذ نهاية 2008 "نظام إدارة سلامة الرحلات"، مشيراً إلى أن هذا النظام "يفرض على الشركات إنما كذلك على الهيئات الداخلية استباق أي مخاطر من أي نوع كان، بما في ذلك تلك المتعلقة بالسلوك".
غير أن بعض أنواع الخلل السلوكي يمكن أن تقود رحلة إلى الكارثة. ويسمح هذا النظام لرصد المخاطر وتقييمها بجمع ملف يقود عند الاقتضاء إلى إبعاد الموظف المعني.
ويتعلق "نظام إدارة سلامة الرحلات" بالطيارين، إنما كذلك بالمضيفات الجويات والمضيفين والميكانيكيين، فضلاً عن جميع الطواقم المرتبطة بالعمليات الجوية.
وقال تارديو بهذا الصدد إن "هذا النظام مطبق منذ أكثر من عشرين عاماً في الولايات المتحدة".
لكن بالرغم من التنظيمات والمتابعة الطبية الدقيقة، يبقى الخلل السلوكي أمر يصعب التكهن به واستباقه، ويشبهه العديد من المراقبين في هذا القطاع بالتطرف الديني الذي يمكن أن يطاول موظفين.
وقال المحقق السابق في مكتب التحقيقات والتحاليل، إن الأمر "أقرب إلى تأمل فلسفي في احترام الحياة البشرية"، مضيفاً أنه "إذا لم يعد البعض يحترمون الحياة البشرية، عندها لا يعود هناك حدود".
وأقر مسؤول في شركة جوية فرنسية بأنه "حصلت حالات معزولة جداً في فرنسا تم فيها استبعاد طيارين أو مراقبين جويين، أبدوا سلوكاً من شأنه أن يعرض سلامة الرحلات للخطر".
محتوى الصندوق الأسود
وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" نقلت عن محقق لم تنشر اسمه، قوله إن تسجيلات الصندوق الأسود تظهر أن قائد الطائرة منع من العودة إلى قمرة القيادة.
ونقلت عن المحقق الذي وصفته بأنه مسؤول عسكري فرنسي كبير "الرجل في الخارج طرق طرقات خفيفة على الباب، ثم لا يجد إجابة، ثم يضرب الباب بقوة أكبر ولا إجابة. لا تصدر إجابة على الإطلاق."
وأضاف "ما يمكنك سماعه هو محاولته تحطيم الباب".
ويعكف المحققون على فحص التسجيلات الصوتية لأحد الصندوقين الأسودين الخميس، بينما يستمر البحث عن الصندوق الأسود الآخر.
من جانبه، قال روبان في مؤتمر صحفي في مرسيليا أذيع على الهواء مباشرة، إن لوبيتز ليس معروفاً عنه أنه إرهابي ولا يوجد ما يدعو إلى اعتبار الحادث إرهابياً.
وأضاف أن مساعد الطيار قام بهذا "لسبب لا نستطيع تحديده في الوقت الحالي".
ووصف روبان الدقائق العشر الأخيرة التي عاشها ركاب الطائرة بينما سقطت الطائرة بسرعة نحو الجبل، وقال إن التسجيلات التي تم الحصول عليها من أحد الصندوقين الأسودين، تشير إلى أن معظمهم لم يدركوا المصير الذي كانوا يتجهون إليه حتى النهاية.
وأوضح: "لا تسمع الصرخات إلا قبل النهاية.. ضعوا في اعتباركم أن الموت لا بد وأنه حدث فوراً.. الطائرة تحطمت فعلياً إلى قطع صغيرة."