قالت صحيفة "
كريستيان ساينس مونيتور" الأمريكية إن النظام الأردني "يغتنم انشقاقاً أيديولوجياً داخل الفرع المحلي لجماعة الإخوان المسلمين كفرصة للدفع باتجاه حركة أكثر ولاء للنظام".
وقال كاتب التقرير تيلور لايك إن نقل الأردن للاعتراف الرسمي بجماعة الإخوان المسلمين التي عملت منذ ما يقارب السبعين عاماً، هو "حرمان للحركة التقليدية من آخر موطئ قدم قانوني لها في العالم العربي"، مشيراً إلى أن ذلك يفاقم الانتكاسات التي منيت بها في مصر والخليج.
واستدرك التقرير أن التحرك الأردني، الذي يأتي بعد سنوات من عدم الثقة بالمنظمة، يحمل في طياته أخطاراً كبيرة، إذ إن "جماعة الإخوان المسلمين كانت أكبر حركة معارضة للنظام في المملكة، ولكنها عملت باستمرار كمعارضة موالية"، مشيراً إلى دور الحركة في تخفيف حدة بعض النبضات السياسية الأكثر تطرفاً في مناهضة النظام، مما قد يؤدي إلى "الدفع بالآلاف من أتباع الجماعة إلى أحضان المنظمات الجهادية المتطرفة بما في ذلك التنظيم الذي يسمي نفسه الدولة الإسلامية، والذي مايزال يجذب حشوداً من المقاتلين لصالح قضيته"، بحسب التقرير.
وأضاف الكاتب أن ما أسماه "النسخة الجديدة المخففة من الإخوان المسلمين" التي تتشكل من عدد من مسؤولي الإخوان الليبراليين الذين يرتبطون بالحكومة، تمنح الأردن "ما كان يتمناه سراً الكثير من المسؤولين – أي جماعة إخوان تابعة للنظام الذي لا يرغب في إحداث إصلاحات كبيرة"، إذ إن "هؤلاء الليبراليين داخل جماعة الإخوان المسلمين في نزاع مع قيادتها المحافظة حول عدد من القضايا، بما في ذلك العلاقات الوثيقة بين الجماعة وفرعها الفلسطيني – حماس، وإجراءات اختيار من يشغلون المواقع القيادية في الجماعة، ومقاطعة الجماعة لانتخابات الأردن البرلمانية في عامي 2010 و 2013"، بحسب المقال.
وقال التقرير إن "بعض المراقبين يقولون إن السلطات الأردنية شجعت الانشقاقات، وحرضت الأعضاء الليبراليين على التمرد ضد المحافظين، وأخيراً منحتهم مخرجاً قانونياً في آذار/ مارس لقطع علاقاتهم نهائياً بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين"، مع كون جماعة الإخوان المسلمين - بالرغم من اختلافاتها أحياناً مع النظام - باستمرار حركة موالية للنظام الملكي منذ أن تأسست في عام 1945، ولم تطالب ولو مرة واحدة بتغيير النظام، بل وقفت مدافعة عن التاج ضد محاولة الانقلاب القومي في عام 1957.
وأشار لاك في تقريره إلى أن "العلاقات بين جماعة الإخوان والقصر ما لبثت أن تدهورت بعد بدء أحداث الربيع العربي في عام 2011، حينما ضغط زعماء الإخوان، الذين بدوا متحمسين لتكرار النجاح الذي حققته الجماعة في الانتخابات في مصر وفي غيرها، على الملك ليتخلى عن سلطاته الدستورية في تعيين الحكومات وحل البرلمان".
ضياع الثقة
ومنذ ذلك الحين والأمور في ترد، إذ رفضت جماعة الإخوان دعوة من الملك عبد الله للمشاركة في لجنة إصلاح سياسي يدعمها القصر في عام 2011، وقاطعت الانتخابات التشريعية في عام 2013، ورفضت المشاركة في الحكومة احتجاجاً على الصلاحيات التنفيذية للملك، مما أدى بحسب المراقبين إلى اعتبار اعتبر القصر الملكي جماعة الإخوان المسلمين لاعباً سياسياً ليس أهلاً للثقة، وبدأ منذ ذلك الحين يعمل بجد لإضعافها.
وقال عريب الرنتاوي، المحلل السياسي ومدير مركز القدس للدراسات السياسية الذي يتخذ من عمان مقراً له، "فقدت الدولة كل الثقة بجماعة الإخوان المسلمين وباتت تراها عدواً. ولذلك فقد كانت الأزمة الداخلية فرصة ذهبية اغتنمها الأردن ليمسح الإخوان من المشهد السياسي".
وأشار لاك إلى أن الدافع الرئيسي من وراء هذا الإجراء كان الضغط الوارد من خارج الأردن، إذ إن حليفي الأردن الأساسيين المملكة العربية
السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، واللذين يقدمان معاً للأردن ما يزيد عن 2 مليار دولار من المساعدة سنوياً، يمارسان عليه الضغوط لاحتواء وتفكيك جماعة الإخوان المسلمين، وهي المنظمة التي صدر بحقها حظر من البلدين بعد تصنيفهما لها على أنها منظمة إرهابية، التي ما انفكا يحاولان منعها من ممارسة أي نشاط في المنطقة بأسرها.
تفكيك "معارضة ناعمة"
وأضاف التقرير، نقلاً عن مراقبين وأعضاء من داخل جماعة الإخوان المسلمين، أن "الضغط المتزايد من دول الخليج أدى إلى أن تقدم عمان في شباط/ فبراير على سجن نائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين زكي بني ارشيد لثمانية عشر شهراً؛ بسبب نقدٍ وجهه لدولة الإمارات العربية المتحدة عبر موقعه في الفيسبوك".
من جهته، قال سالم الفلاحات، المراقب العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن وعضو مجلس شورى الجماعة، إن "الضغط القادم من الخليج حول النظام إلى معاد لنا. ها هم اليوم يفككون جماعة الإخوان من الناحية القانونية، وربما أصدروا غداً قرار حظر بحقنا".
واختتم لاك تقريره في المجلة الأمريكية بقوله إن "ثمة مخاطر في تفكيك جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، وهي الجماعة التي طالما مارست دور المعارضة الناعمة".