صحافة دولية

الثقافة أداة الصين الجديدة في حربها "الناعمة" مع الغرب

يستخدم الحزب الحاكم في الصين الثقافة والسينما للمحافظة على سلطته - أرشيفية
يستخدم الحزب الحاكم في الصين الثقافة والسينما للمحافظة على سلطته - أرشيفية

نشرت مجلة "سلايت" الفرنسية تقريراً حول مساعي الحكومة الصينية لحماية الثقافة الصينية، من خلال التدخل في مجالات التعليم والفنون والسينما وإنشاء شبكة إنترنت محلية خاصة بالصين، وتكثيف الحملات الدعائية، لا سيما عبر المراكز الثقافية الصينية حول العالم.

ويقول التقرير إن "البروباغندا" الشيوعية التي تنشرها السلطات الصينية أخذت في الأشهر الأخيرة أشكالاً جديدة، حيث كثّفت الحكومة من ضغطها عى الفنانين والمثقفين، وأصبح هناك جمود ثقافي منذ أن وضع الرئيس الصيني "شي يبنغ"؛ الثقافة والقوة الناعمة ضمن أولوياته المطلقة، وهو أمر وصفته المجلة بـ"الطريف"، لأن هذه العبارات التي اتخذها الرئيس الشيوعي شعاراً، هي في الحقيقة مقتبسة عن الإدارة الأمريكية، الخصم اللدود.

ويورد التقرير أن أجهزة الحزب الحاكم في الصين تشن حرباً بلا هوادة على الثقافة القادمة من الخارج، وتصفها بـ"الثقافة الضارة". وقد عبر وزير التعليم الصيني "يوان غويرن" عن ذلك من خلال اتهامه لأطراف أجنبية بالعمل على زعزعة الوحدة الوطنية. وبناء على هذه الاتهامات، قرر الوزير مراجعة الكتب المدرسية، وحذف الأفكار التي تروج للقيم الغربية، مثل تلك المتعلقة بحقوق الإنسان ودولة القانون والمجتمع المدني وعلوية الدستور، كما قرر منع توجيه الانتقاد للحزب الشيوعي داخل المدارس.

أما فيما يخص الجامعات، فتوضح المجلة الفرنسية أن السلطات في الصين أعدت ملفاً كاملاً خاصاً بأفكار الطلاب، تهدف من خلاله لصد الأفكار الغربية "الهدامة" وفرض تعليم ماركسي صارم.

وانتقدت المجلة هذه التوجهات المعادية للغرب، ووصفتها بـ"النفاق"، باعتبار أن ماركس نفسه هو رجل غربي، كما أن ابنة الرئيس "شي جين بينغ" درست في جامعة هارفارد الأمريكية. ورأت "سلايت" أن هذه المخاوف والسياسات تدل على الهشاشة الإيديولوجية للحزب الشيوعي، وعدم قدرته على التأثير على الحياة الفكرية في الصين.

وقال التقرير إن المدرسين والجامعيين ليسوا هم فقط من يخضعون للرقابة، فالفنانون أيضاً يتعرضون للضغوط. فقد خاطب الرئيس الصيني الفنانين في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، مطالباً إياهم بأن يتواضعوا قليلاً، ويكونوا في خدمة مصالح الشعب الصيني، ويتجنبوا الأساليب الفنية غير المرغوبة، كما شن بينغ" في الوقت نفسه هجوماً لاذعاً على قطاع الثقافة في الولايات المتحدة الأمريكية.

وأضاف تقرير المجلة الفرنسية أن الحكومة الصينية نقلت هذه الحرب الثقافية لمستويات جديدة، من خلال بعث أداة جديدة للترويج للثقافة الصينية، وهي معاهد كونفوشيوس الثقافية، حيث افتتح أول معهد في سيول سنة 2004، ثم تكاثرت هذه المعاهد على طريقة المراكز الثقافية البريطانية، وأصبحت تعد الآن أكثر من 500 مركز منتشرة في أكثر من 100 بلد، منها 100 معهد في الولايات المتحدة فقط. وترصد الصين لهذه المراكز ميزانية ضخمة، تصل لحدود 278 مليون دولار في السنة، هذا بالإضافة لحوالي ألف برنامج مدرسي مشابه للبرامج الصينية في معاهد ومدارس عقدت شراكة مع نظيراتها الصينية.

ولاحظ التقرير أن هذه المعاهد الصينية لاقت فشلاً كبيراً في الدول الغربية، فيما تلاقي نجاحاً نسبياً في آسيا وإفريقيا.

ورأت المجلة أن هذه المراكز الهادفة لنشر اللغة والثقافة الصينية والدعاية للحزب الشيوعي، تستفيد في الواقع من قيم الحرية والتعددية التي تكفلها الدساتير الغربية لنشر تعليم يتجاهل - على سبيل المثال - أحداث ساحة "تيانانمن" التي ارتكب فيها الحزب الشيوعي مجزرة ضد الطلاب المطالبين بالحرية، وأن هذه المراكز أيضاً تزيّف الحقائق المتعلقة بقضايا التيبت وتايوان، وهو أمر مخيب لآمال الطلاب الفرنسيين، حتى لو كانوا راغبين في تعلم لغة الماندرين، وفق ما تورده المجلة الفرنسية.

في المقابل، أشار التقرير إلى نجاح نسبي حققته الصين في تشجيع السينما المحلية، حيث تفوقت مداخيل الأفلام الصينية في شهر شباط/ فبراير المنصرم على مداخيل الأفلام الأمريكية، كما تشهد الصين تركيب حوالي خمس عشرة شاشة سينما جديدة كل يوم. لكن أيضا لاحظ التقرير أن هذا الانتعاش سببه نظام الرقابة المشددة على هذا القطاع، حيث فرضت السلطات على قاعات السينما في احتفالات رأس العام الصيني عرض الأفلام المحلية فقط، ومنعت الأفلام الأمريكية.

كما أشار التقرير إلى نوع آخر من الدعاية الثقافية أشد خطورة، وهو تقديس الشخص، حيث صدر مؤخراً كتاب للرئيس الصيني ضمّنه أفكاره الشخصية. وتم نشر الكتاب على نطاق واسع، وطُبعت منه 17 مليون نسخة بثماني لغات مختلفة، تم بيعها أو إهداؤها.

وقال كاتب التقرير إنه اطلع على الكتاب الذي وصفته الصحافة الحزبية بأعذب الأوصاف، واكتشف أنه كتاب بسيط جداً، يحتوي حوارات واستجوابات وتعليمات ومراسلات للرئيس الصيني، في عملية دعائية مفضوحة تهدف لإظهار الرئيس الصيني في صورة الزوج الوفي، والمفكر الملهم الحكيم البعيد عن الفساد، وفق تعبير كاتب التقرير.

أما في الشبكة العنكبوتية، فتعد الصين البلد الوحيد في العالم الذي صنع شبكة إنترنت داخلية (Intranet) معزولة عن الخارج، وتخضع لمراقبة صارمة لمواجهة التفوق الأمريكي في هذا المجال.

ولهذا الغرض، تم استنساخ أهم المواقع الأمريكية، حيث يستعمل الصينيون عبر موقع "إيدو" عوضاً عن محرك البحث "غوغل"، ويحصلون على تسجيلات الفيديو من موقع "يوكو" بدل "يوتيوب"، وموقع "ويكشين" بدل "واتساب". ولا يشتري الصينيون البضائع من موقع "أمازون" الشهير، بل من موقع "علي بابا" الصيني، ويتواصلون عبر موقع "رنرن" عوضاً عن "فيسبوك"، وموقع "ويبوس" عوضاً عن "تويتر".

وخلصت المجلة إلى أنه لا يمكن محاربة الفساد في الصين في ظل اختلاط مفهوم الدولة بمفهوم الحزب، وسطوة الفكر الشيوعي، وغياب عُلوية القوانين وحرية التعبير والصحافة وحرية الإنترنت.

(مجلة سلايت الفرنسية)

رابط التقرير الأصلي
https://www.slate.fr/story/99009/chine-softpower
التعليقات (0)