سياسة عربية

النكتة السياسية.. سلاح اليمنيين الأخير لمقارعة الحوثي

 النكتة السياسية التي يتعرض لها الحوثيون حاليا غير مسبوقة من ناحية السرعة والكم والكيف - أرشيفية
النكتة السياسية التي يتعرض لها الحوثيون حاليا غير مسبوقة من ناحية السرعة والكم والكيف - أرشيفية
أنعشت سيطرة جماعة "أنصار الله" (الحوثي) شبه الكاملة على الدولة اليمنية، بشكل غير مسبوق، سوق النكتة الراكد. فبعد استنفاد الخصوم السياسيين لأسلحتهم أمام قوة الحوثيين، واصل "سلاح النكتة" مقارعته الجماعة دون هوادة.

وطيلة الأشهر الفائتة التي تلت اجتياح جماعة الحوثي للعاصمة صنعاء في أيلول/ سبتمبر الماضي، تحولت خُطب زعيمها، عبد الملك الحوثي، وتصريحات قادتها إلى "مادة للتندر" في أوساط اليمنيين.

وشكلت وسائل التواصل الاجتماعي (فيسبوك، تويتر، واتس أب) ميادين لمجابهة خطاب الحوثيين بعد أن هدأت جبهات القتال الحقيقية على الأرض.

وتحولت الكلمة الأخيرة لزعيم الحوثيين، عبدالملك الحوثي، في 26 شباط/ فبراير الماضي، التي أعلن فيها عن "بدائل" لانهيار الاقتصاد تتمثل بـ"المخزون الكبير لأحجار الزينة"، إلى مادة واسعة للتندر عند اليمنيين لم تتوقف حتى اليوم.

وأطلق الحوثي عبارته الشهيرة عقب تحويل دول الخليج سفاراتها إلى محافظة عدن الجنوبية، حيث يحكم الرئيس عبدربه منصور هادي منذ إفلاته من إقامته الجبرية بصنعاء، مطمئنًا القلقين من العزلة الاقتصادية بـ"ثروة أحجار" تنعم بها جبال اليمن.

ونشر ناشطون يمنيون صورًا، على مواقع التواصل الاجتماعي، تجمعهم بـ"أحجار وكتل صخرية ضخمة" في مواقع التواصل الاجتماعي، مقرونة بتعليقات لاذعة تعرّف الحجارة بأنها "تحويشة العمر"، إضافة إلى أشكال ساخرة لـ"سيارات حجرية"، وأجهزة كمبيوتر وهواتف مصنوعة من الأحجار.

وتداول يمنيون عشرات النكات اللاذعة تناولت ما ورد في خطاب الحوثي، منها أن "مواطنا يمنيًا ذهب إلى طبيب مسالك بولية، وبعد الكشف عليه أخبره الطبيب بأن لديه حصوتين في الكلى، ففرح المريض قائلا: الحمدلله، رزق الأولاد".

وانتشرت عبارات بديلة عن العبارات المتداولة، مثل: "التبادل الأحجاري"، بديلاً عن التبادل التجاري، وبعضهم استخدم عبارة "تصبحون على أحجار".

وفي إشارة إلى المخاوف من "تنظيم القاعدة" الموجودة لدى الحوثيين، نشر ناشط يمني إحدى النكات تحكي أن "أحد قياديي الجماعة ذهب إلى صالون الحلاقة، وأثناء قص شعره ظل الحلاق يتحدث باستمرار عن تنظيم القاعدة، فانزعج الحوثي وسأله عن السبب في تكرار حديثه، فرد عليه الحلاق: عندما أتحدث عن القاعدة يقف شعر رأسك وأستطيع الحلاقة بسهولة".

وعن الحروب الستة (2004- 2010) التي خاضتها الجماعة ضد نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح، تداول ناشطون نكتة تدور حول أن "الرئيس السابق صالح سأل أحد معاونيه عند اجتياح جماعة الحوثي الشيعية للعاصمة صنعاء قبل أشهر: ترى هل سيسامحنا الحوثيون على حروبنا الستة ضدهم..؟ فرد عليه: الجماعة ما زالت تلعن معاوية (ابن أبي سفيان) ويزيد بن معاوية إلى ما قبل 1400 سنة.. فكيف سيسامحونك أنت؟".

يقول الصحفي منصور الجرادي، مؤلف كتاب "النكتة السياسية في اليمن"، إن اليمنيين "يتبارون في تبادل النكات وحبكها مع كل حدث يومي يمر في اليمن نتيجة اللامعقول في ما يجري في حياتهم، من تقلبات سياسية وأزمات".

ويضيف الجرادي: "النكتة وسيلة فاعلة، يعبّر فيها الناس عن السخط الشديد مما يجري حولهم ومن أداء الفاعلين السياسيين، وهي تعبير حقيقي عن موقف الشعب حيال الأحداث التي تدور، وإن لم تكن النكتة سلاحًا ناريًا فإنها تعبير عن إرادة جمعية للشعوب".

وبينما تبدو جماعة الحوثي غير مبالية بالأمر، فإن المنتمين لها يدافعون بحماسة عن زعيمهم ضد حملة التهكم المستمرة من خطابه الذي عد فيه "الأحجار" رافدًا رئيسًا للاقتصاد اليمني في المرحلة المقبلة.

في السياق، كتب عبد الكريم الخيواني، وهو صحفي موالٍ للحوثيين، منشورًا على صفحته بموقع "فيسبوك" طالب فيه بعدم الاستخفاف بالبلاد وما تملك من ثروات، قائلا: "استلاب الإرادة يصيب بعض المحسوبين من النخب، وهذا ما فسرت به حالة البعض وهو يستخف بذكر أهمية ما تحوي اليمن من أحجار، وأود تذكيرهم بأن اليمن كانت قبل سنوات تحتل المرتبة العاشرة في تصدير الذهب"، ولم يبين مصدر معلومته.

ويؤكد مراقبون أن النكتة السياسية "مؤشر قوي" لصعود وهبوط القوى وانعزالها عن المجتمع، وأن من يصل إلى السلطة يجب أن يتعامل مع النكتة بمنتهى الجدية، وخاصة في اليمن.

وبحسب الكاتب والباحث اليمني، حسين الوادعي، فإن النكتة السياسية التي يتعرض لها الحوثيون حاليا "غير مسبوقة من ناحية السرعة والكم والكيف" .

ويضيف الوادعي: "الحديث الأخير لزعيم الحوثيين حول أحجار الزينة أثار موجة سخرية سياسية متعددة الأشكال من النكتة إلى الكاريكاتير إلى المشهد الدرامي والقصيدة والأغنية، بل إنه ساهم فيها مختلف شرائح المجتمع من الناشطين والمثقفين إلى عمال البناء والبائعين والسائقين والمغتربين".

ويعتبر باحثون ومختصون أن النكتة السياسية تعد أسلوبًا هامًا من أساليب التنفيس عن الهموم والمشاكل التي يفرضها الواقع الاجتماعي والسياسي المرير في أي بلد ومنها اليمن.

ويرى عدنان القاضي، وهو أستاذ علم النفس بجامعة تعز الحكومية، أن النكتة السياسية "باتت حاليا تعبّر عن الاستغراب وصعوبة فهم الواقع السياسي والفجوة بينه وبين طموح الشباب الثوري الذي خرج من أجله في 2011 (عندما أطاح بنظام الرئيس السابق صالح). كل هذا ساعد في التعامل المعرفي مع الواقع السياسي أكثر عن طريق النكتة، وقلل من التعامل بأساليب المواجهة الفعلية نتيجة شعور الثائر اليمني بالإحباط مما يدور حوله".

ويضيف القاضي: "يتم استخدام النكتة السياسية أيضاً لزيادة الوعي المجتمعي ببعض القضايا السياسية والاجتماعية، حيث إنه يتم بواسطتها تمرير بعض الأفكار والرؤى التي من الصعوبة أحيانا تمريرها بواسطة الكتابة والصحف والمحاضرات، وساعد في ذلك تطور تقنيات وسائل التواصل الاجتماعي الذي عزز من انتشار هذه النكتة بيسر وسهولة".

وفي 21 شباط/ فبراير الماضي، وصل الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي إلى عدن، بعد تمكنه من مغادرة منزله في العاصمة صنعاء وكسر حالة الحصار التي فرضت عليه من قبل الحوثيين منذ استقالته يوم 22 كانون الثاني/ يناير الماضي.

وبعد ساعات من وصوله، أعلن هادي تمسكه بشرعيته رئيسًا للبلاد، وقال إن "كل القرارات الصادرة منذ 21 سبتمبر (أيلول، تاريخ سيطرة الحوثيين على صنعاء) باطلة ولا شرعية لها".
التعليقات (1)
خلف النكتة مأساة: هزلت
السبت، 07-03-2015 12:34 م
عندما تلجأ الشعوب للنكتة السياسية للتنفيس عن وضعها البائس، فذلك يدل على أنها في مأساة. ولكن مأساتنا الحقيقية اليوم ليست في عجز الشعوب أمام القوى الحاكمة، ولكن في تفاهة تلك القوى ومستواها الرديء من كل النواحي: سياسيا وفكريا واستراتيجيا وإقتصاديا. بلد كبير مثل مصر يقترح رئيسه حلا لأزمة الكهرباء "اللمب الموفرة"! وبلد الحكمة اليمن لا يجد له قائد ثورة الجهل والخرافة إلا "أحجار الزينة"! هزلت وكنت أظنها لا تهزل!