مقالات مختارة

في القدس.. قبل 828 عامًا

يوسف زيا جومرت
1300x600
1300x600
كتب يوسف زيا جومرت: كانت هناك علاقة صداقة ومحبة بين السلطان الأعظم الفاتح صلاح الدين الأيوبي ورجل الحكمة عربي النسب المحارب أسامة بن منقذ.

كان أسامة رجلًا كأنه عاش في عصورنا الحالية ثم عاد بالزمن إلى القرن الثاني عشر! لكن هذا لم يكن عبر تقمص أو معجزة، بل كان عبر حكمته البالغة.

ما دفعني لأفكر هكذا هو نظرة أسامة للأحداث وتحليلاته وتساؤلاته. بإمكانكم الخوض في التفاصيل والتعمق أكثر بما أقصده من خلال "كتاب الاعتبار"، الذي وجدت فيه ما يشد الانتباه، لكن الوقت الآن لا يسعفنا لذكر كل شيء.

وقد ترجمت كتاب "الاعتبار" عام 1992، أما ما أريد مناقشته في هذا الكتاب فهو أمر آخر.

عاش أسامة في الحقبة التي احتل فيها الصليبيون منطقة شرق المتوسط بالكامل. 

ويتطرق الكتاب في معظمه إلى حروب أسامة وذكرياته فيها؛ أي الحقبة التي بدأت فيها الدولة السلجوقية بالانهيار، أو بالأحرى عندما بدأ صلاح الدين الأيوبي يشتد ويقوى، هذه الدول التي حوت على عساكر تركمان وأكراد وعرب في آن واحد.

يصف أسامة الجنود الأشداء الأتقياء الذين كانوا يصرعون أعداءهم في كل واقعة، ويصف بعض الجنود الذين كانوا يقاتلون عن عقيدة وولاء، وآخرين كان لهم من اسمهم نصيب. كما يذكر قصة أحد المقاتلين الأكراد الذي كان فارساً شجاعاً واسمه "فارس" أيضاً.

يتطرق في كتابه إلى شخصيات مختلفة من أعراق وجنسيات وبلدان متنوعة، ويصف أزماناً شبيهة بما يحدث اليوم في زمن السيسي والأسد.

ثم يصل في نهاية الأمر إلى خاتمة رائعة ينهي بها هذه الحقبة الشديدة والدموية.

لقد عمل صلاح الدين الأيوبي على توحيد المسلمين في مصر وسورية والعراق، ثم تقدم إلى القدس الشريف؛ ليفتحها ويحررها من أيدي الصليبيين عام 1187.

كان صلاح الدين كردياً، وكان جنوده وقادة جيشه من العرب والأتراك والأفارقة؛ هذا يعني أن الفتح تم عندما كانت هذه الأعراق يداً واحدة في وجه عدوها.

والقدس اليوم أيضاً تحت الاحتلال، وها نحن نتكلم عن الموضوع ذاته، لكن بعبارات مختلفة.

"الإسلاموفوبيا" واحدة من هذه العبارات المختلفة، لم تكن في ذلك العهد، أو بالأحرى كانت موجودة، لكن ليس بهذا الشكل.

والصليبيون كانوا قديماً... واليوم أيضاً أعاد بعض السياسيين الحمقى مثل "بوش" هذه الصبغة إلى الغرب، ورأينا ماذا يفعلون في بلادهم.

"إسرائيل" لم تكن أيضاً. أما اليوم فهي آلة قتل تعمل دون توقف، وعلى الطراز الرفيع.

لنعترف أن الصليبيين اليوم أكثر فائدة، مقارنة بما كانوا عليه سابقاً. وضع بلادنا المضطربة يسهل عليهم عملهم، وهم بالأساس يعبثون ببلادنا من أجل تسهيل أعمالهم، وهكذا هي دورة الحياة كقصة البيضة والدجاجة.

لقد عملوا كثيراً على تخريب الأوضاع في تركيا، ومع الأسف لم تعد نظرية المؤامرة على حالها، بل أصبحت حقيقة... انظروا إلى التنظيمات الموازية في كل مناطق العالم، كم هي "متوازية" حقاً!
وفي وسط كل هذه الضجة نتكلم اليوم عن "عملية السلام"...

إنها قصة كالخيال! لم تكن تخطر على بال أحد منا قبل سنوات قليلة.

وكأن تغييراً وراثياً قد طرأ على الأتراك والأكراد، بعد أن كنا محكومين بالاقتتال مدى الحياة.
كان إقناع الشعب عملاً مرهقاً وشبه مستحيل، كمن يسبح عكس التيار.

هل كان لهذا العمل أن ينجح؟ لا طبعاً... هكذا كان يقول القوميون والدولة العميقة والأمريكان والأوروبيين و"إسرائيل."

كان هناك شخص واحد يستطيع تجربة ذلك، وبالفعل جرب ونجح، وبالرغم من نجاحه إلا أن جميع من ذكرت غير راضين عنه. لماذا يا ترى؟

باختصار... لم يعحبهم "أردوغان"، ولا الوحدة الوطنية.

هل كانوا سيوكلون الأكراد مهمة جديدة من سورية لتركيا، ومن العراق لإيران؟ ماذا كانوا يقولون؟ دولة كردستان على غرار "إسرائيل". دولة تتحكم بها "إسرائيل" في الشرق الأوسط، ويحميها الغرب ويرعاها.

هكذا كانت النظرية، لكنها لم تنجح. وفسد معها الكثير من الليبراليين و"الموازين".

نملك اليوم إشارات قوية تدل على أن عملية السلام وصلت إلى مرحلة جديدة. ربما نشاهد في عيد الـ"نيروز" خطوات أكثر جدية في السلام.

إن الطريق ليس سهلاً بالطبع، فهناك الكثير من المزورين وكتاب السيناريوهات الذين يدبرون المكائد في كل مرحلة.

يعد التحالف بين الأتراك والأكراد مصلحة كبيرة لكل منطقة الشرق الأوسط، وليس فقط لتركيا أو لأحد منهم.

وأتمنى لو يعرفوا كم سيُفشل هذا التحالف من المخططات والمؤامرات.

قبل 828 عاماً كيف أفشل صلاح الدين الأيوبي مخططات الصليبيين؟... وهذا ما سيحدث.

(عن صحيفة "يني شفق" التركية، مترجم خصيصا لـ"عربي21" 17 شباط/ فبراير 2015)
التعليقات (0)