أظهر تقرير نشرته صحيفة "ديلي تلغراف" البريطانية تراجع المستوى الاقتصادي والتعليمي للمسلمين في
بريطانيا مقارنة بالفئات الأخرى في المجتمع، ليخلص إلى أن مشكلة "الاندماج" ليست مرتبطة بقيمهم أو مبادئهم الدينية، وإنما تتعلق أساسا بتحسين وضعهم الاقتصادي.
وينطلق التقرير من الإشارة إلى استطلاعات الرأي التي تشير إلى تصاعد "القلق" بين البريطانيين تجاه تزايد أعداد
المسلمين، وخصوصا بسبب ارتفاع نسبة الولادات بينهم. وتقول إحصائيات المجلس الإسلامي في بريطانيا إن عدد المسلمين يبلغ 2.7 مليون نسمة، ثلثهم من الأطفال دون الخامسة عشرة.
وتعكس المخاوف تجاه أعداد المسلمين انتشارا لظاهرة "الإسلاموفوبيا"، مع انتشار الحركات المناهضة للهجرة بشكل عام وللمسلمين بشكل خاص. ففي عام 2003 قال 48 في المئة من البريطانيين إنهم يشعرون بالقلق من تزايد أعداد المسلمين على "هوية" بريطانيا، لكن هذه النسبة ارتفعت إلى 62 في المئة عام 2013.
وبالرغم من أن أعدادا من المسلمين بدأت تغادر المناطق التي نشأت فيها لأسباب اقتصادية وتحسين فرص العمل، إلا أنه لا يزال هناك تركز للمسلمين في بعض المناطق، حيث تبلغ نسبتهم 20 في المئة في ثماني بلديات في إنجلترا، فيما ترتفع نسبتهم في إحدى مناطق شرق لندن لتصل إلى 35 في المئة. ومع ارتفاع نسبة الأطفال بينهم، فإن نسبة التلاميذ في مدارس هذه المناطق تتجاوز الـ60 في المئة. وبشكل عام، تتجاوز نسبة الطلاب المسلمين في المدارس البريطانية 8 في المئة.
وغالبية المسلمين في بريطانيا هم من أصول آسيوية، لا سيما من الباكستان وبنغلادش، ممن هاجروا في أواسط القرن الماضي للعمل في المصانع البريطانية، إضافة إلى مجموعات من الصوماليين الذين هاجروا بسبب الحرب في بلادهم، مع مجموعات أقل عددا من العرب. ويتركز قسم كبير منهم في مناطق مثل لندن وبيرمنغهام ووسط بريطانيا.
ويقول التقرير إنه بالرغم من التحسن الذي طرأ على وضع المسلمين بين عامي 2001 و2011، بناء على عدد من المعايير
التعليمية والاقتصادية، إلا أنهم ما زالوا دون المعدل العام في بريطانيا، حيث إن نسبة التطور العامة كانت أسرع وتيرة بين فئات المجتمع البريطاني الأخرى.
فعلى سبيل المثال، ارتفعت نسبة المسلمين الذين يحملون شهادات علمية من 20.6 في المئة (عام 2001) إلى 24 في المئة (عام 2011)، في الوقت الذي ارتفعت فيه هذه النسبة العامة في بريطانيا من 19.8 في المئة إلى 27.2 في المئة. وبالمقارنة مع مجموعات أخرى من الأقليات، بلغت هذه النسبة بين الهندوس 44.6 في المئة عام 2011، وبين السيخ 30.1 في المئة.
وانخفضت نسبة الأشخاص المسلمين الذين لا يتمتعون بأي مؤهلات، من 39 في المئة إلى 26 في المئة، في حين يبلغ المعدل العام في بريطانيا 23 في المئة.
وبحسب الإحصائيات التي أشار إليها التقرير، فإن الأداء الأكاديمي للتلاميذ المسلمين هو أضعف من نظرائهم الآخرين، معددا مجموعة من الأسباب، بينها ما هو متعلق ببيئتهم وأسباب أخرى تتعلق بالمجتمع البريطاني. ومن هذه الأسباب مثلا "الازدحام" داخل المنزل، وضعف مستوى اللغة الإنجليزية لدى قسم كبير من تجمعات المسلمين، ونظرة المعلمين إلى التلاميذ المسلمين وتواضع التوقعات تجاههم، والنظرة المسبقة تجاه المسلمين المعادية لهم في المجتمع، وعدم الاهتمام بمبادئ المسلمين في البيئة التعليمية العامة.
وفي موازاة ذلك، تشهد فرص التعليم العالي بحسب الجنس اختلالا بين المسلمين. ففي حين ترتفع حظوظ الإناث في المجتمع البريطاني بشكل عام، تنخفض النسبة بين المسلمين لتبلغ ثلاثة ذكور مقابل اثنتين من الإناث.
وترتفع نسبة المسلمين الذين لم يسبق لهم أن عملوا مطلقا إلى 21.3 في المئة، بينما تبلغ هذه النسبة في بريطانيا بشكل عام 4.3 في المئة فقط.
ويرى التقرير أن أحد المؤشرات على تراجع الحالة الاقتصادية للمسلمين في بريطانيا هو انخفاض نسبتهم في الوظائف الإدارية العليا والمتوسطة، حيث تبلغ هذه النسبة 10 في المئة فقط مقارنة بـ20 في المئة على المستوى العام في بريطانيا، رغم أن النسبة العامة للمسلمين الذين يعملون في وظائف عالية مثل الطب والمحاماة لا تقل كثيرا عن غيرهم.
وبشكل عام، ترتفع نسبة
الفقر بين المسلمين، ويسكن نحو ثلثهم في مناطق أكثر فقرا وأقل تطورا، كما أن فرصهم لامتلاك منزل خاص بهم تقل، فيما يسكن نحو 46 في المئة منهم في منازل تابعة للبلديات ضمن مناطق تعتبر "الأكثر حرمانا"، وهو ما يشكل 10 في المئة من مجمل السكان الذين يقطنون في مثل هذه المنازل المنخفضة المستوى.
ولكن ما هو السبب في تراجع المستوى الاقتصادي لقسم كبير من المسلمين في بريطانيا؟ وهل السبب هو مبادئهم "المحافظة" اجتماعيا، في قضايا مثل دور المرأة في المنزل والجنس والطلاق والإجهاض وقضايا أخلاقية أخرى؟
ويتابع التقرير مجيبا، بناء على بعض الدراسات، بأن هذه المبادئ لا تقتصر على مجتمعات المسلمين بل تشمل فئات محافظة أخرى من غير المسلمين في بريطانيا.
ويشير التقرير إلى الجدل الدائر بين السياسيين في بريطانيا حول ربط "اندماج" المسلمين بتبني "القيم البريطانية" باعتبار المسألة قضية "ثقافية"، لكنه يرى ضرورة التركيز بدلا من ذلك على العامل الاقتصادي.
"هل أنت قلق من تزايد أعداد التلاميذ المسلمين في المدارس؟ إذن عليك أن تتمنى لهم أن يجتازوا الامتحانات ويلتحقوا بجامعات جيدة ليحصلوا على وظائف برواتب مجزية (..) وعندها قيمهم ستهتم بهم".. هذه هي خلاصة التقرير.