على نغمات الكمان الحزين واهتزازات صوت "مايا" الرقيقة وهي تغني التراث السوري، تحلقت كوكبة من الناشطين السوريين يملؤهم الحماس في مكان صغير، يفترشون الأرض في جو ودي لطيف، ليحتفلوا بافتتاح مكتبة "اقرأ"، أول مكتبة عامة عربية للسوريين في غازي عنتاب التركية ضمن مباردة "عَلّوا الصوت".
شاركت مايا، ابنة السلمية بشعرها الكستنائي الذي يحيط وجهها الطفولي المتورد خجلاً، من خلال غنائها ضمن مبادرة "علوا الصوت"، لتثبت أن السوريين ما زالوا شعباً واحداً بكل أطيافهم وطوائفهم واتجاهاتهم، "شعباً واحداً يحلم بالحرية وبسوريا موحدة وحرة وقوية"، وهي تحلم أن تكون طبيبة شرعية لتسهم بتحقيق العدل في وطنها في المستقبل.
الشاعرة الشابة راحيل عاصي، من جذور حلبية ولاذقانية، وبحجابها الأنيق الذي يلف وجهها الذي ينبض بالتحدي والأمل، شاركت شباب "علوا الصوت" أيضاً في افتتاح المكتبة، وألهبت مشاعر الحاضرين بقصيدتها الرائعة التي ألقتها بعنوان "زائلون"، وهي القصيدة ذاتها التي ألقتها بحضور رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو في زيارته لإحدى المدراس السورية في غازي عنتاب.
تقول راحيل في قصيدتها: "سنعلمكم أن الحجر يؤكل، وأن البرد الذي لم تشعروا به أجمل، ستكتبون عن صمودنا حكايات، باق أنت يا وطني وسيرحل كل الطغاة".
وحول تجربة إنشاء مكتبة "اقرأ"، يقول عامر، الشاب الدمشقي وأحد مؤسسي المكتبة: "نحن سبعة شباب سوريين احتضنتنا "منظمة درب"، وقامت بتدريبنا وتنمية مواهبنا، ومن ثم طلبت منا أن نقدم مشروعاً نثبت فيه فاعلية ما (تلقيناه) من تدريب، فكانت هذه المبادرة التي تهدف لنشر
الثقافة بين السوريين، الذين يعانون من عدم توفر الكتاب الورقي، ولجوئهم للقراءة على النت بسبب وجودهم خارج البلاد".
وتابع: "فكرنا بأن نحقق هذا الحلم من خلال تأسيس مكتبة عامة للسوريين الموجودين في مدينة غازي عنتاب التركية، ويصل عددهم لمئات الآلاف، ممن يجدون صعوبة في التواصل مع الثقافة والكتاب باللغة العربية".
وبحسب عامر، فكرة المكتبة تقوم على الإعارة مجاناً، خصوصاً وأن الظرف الاقتصادي لأغلب السوريين في حال اللجوء لا يسمح بشراء
الكتب النادرة أساساً، التي غالباً ما تكون أسعارها باهظة، مضيفاً: "وضعنا في المكتبة حوالي 300 كتاب من مختلف العناوين، ونسعى للتوسع في المستقبل".
وأعرب عن أمله في أن تكون هناك جهات تتبنى رفد المكتبة بالمزيد من الكتب، لتوسيع المكتبة ويصبح لها مقر أوسع يحتوي على عدد أكبر من الكتب، بهدف تحويل المكتبة إلى مركز ثقافي يحتضن جميع السوريين على اختلاف انتماءاتهم الفكرية والعرقية والدينية والسياسية، لنثبت للعالم كله أننا ما زلنا شعباً واحداً".
وفي زاوية أخرى من غازي عنتاب، أطلقت مجموعة من السوريين مشروعاً جديداً، باسم منظمة "فيكتور" للمصممين، حيث يقول مهند الحلبي إنه بدأ العمل هو وزميلته نورهان بصنع لوغاهات لحملات وأعمال ثورية مثل حملة "حاضرين بغيابكم" للمطالبة بالإفراج عن رزان زيتونة ورفاقها، ومع تطور العمل أصبح هناك مشاريع كبيرة عمل عليها بشكل مجاني.
يضيف مهند: "جلسنا حينها وفكرنا بتشكيل مؤسسة تجمع فريقاً من المصممين المبدعين ذوي الخبرة العالية، تتخطى المشكلات التي واجهناها في أثناء العمل، وهي عقبات تتباين ما بين فقدان الاتصال بالإنترنت وضياع حقوق المصمم وعدم تمركز المصممين في مكان واحد".
وبيّن أن المصممين موزعون جغرافياً ما بين الداخل السوري وتركيا وإيطاليا وألمانيا ومصر، وهم عينة من الشعب السوري الذي ما زال مؤمناً بفكر الثورة، ومنهم العربي والكردي والمسلم والمسيحي. "ولذلك اقترحنا تشكيل فريق يضم نسيجاً متكاملاً من الشعب السوري باختلافاته الفكرية، ليكون لوحة فنية تحيك واقعنا السوري الثوري، فنشأت "فيكتور"، وهي منظمة ثورية غير ربحية انطلقت في بداية عام 2015، بعد مرور أربع سنوات على انطلاق ثورة الكرامة".
وقال مهند: إنه "في الوقت الحالي يقدم المصممون خدماتهم بشكل تطوعي، لكن من الممكن في الأيام القادمة أن نحصل على دعم يضمن استمرار الفريق".
وحول الغاية الرئيسية لمنظمة "فيكتور"، أشار مهند إلى "تقديم أفضل التصاميم بالجودة العالية بشكل غير ربحي، ودعم مؤسسات المجتمع المدني وخدمة الثورة السورية والإنسانية بشكل عام".
وأضاف: "قمنا بإنجاز العديد من اللوغوهات (الشعارات) لمؤسسات مجتمع مدني ولحملات انطلقت أو ستنطلق في الأيام القادمة، منها حملة "نموت نحن كي يحيا أطفالنا"، والهدف منها تسليط الضوء على أوضاع المخيمات السورية القاسية وجمع التبرعات. نطمح إلى تغطية المناطق السورية بشكل كامل، وإنشاء قسم خاص للفيديو قريباً".