مقالات مختارة

شوارع القاهرة.. أطفال وفراعين

كمال أوزتورك
1300x600
1300x600
كتب كمال أوزتوك: إذا ذهبتم إلى القاهرة، فلن تحبوها في البداية! 

سيزعجكم الطقس الحار، وازدحام المرور، وقذارة الشوارع... ستنظرون إلى المنازل المتحجرة، والتمدن المتوقف، والشوارع غير المنظمة، وتقولون: "ما الذي يحبونه في هذه المدينة؟".

النيل هو روح مصر، وزينة القاهرة

ثم ستلتقون بنهر النيل... سترون عظمة مروره من منتصف المدينة، ومشهده وهو يفتح ذارعيه ويحتضنكم، فستلين قلوبكم فجأة، ستفكرون بولادة هذا النهر العظيم من أرض أفريقيا، ونشره البركة على كل أطرافه، من منبعه إلى مصبه البحر الأبيض المتوسط لآلاف السنين، وبالحضارات العظيمة التي نشأت على ضفتيه، فترغبون بلمس مياهه بكل احترام.

فالنيل هو روح مصر، وزينة القاهرة، وحبيب البشر.

في طريقكم للذهاب إلى القاهرة القديمة سترون الفن المعماري المختلف، ومآذن الجوامع العظيمة. وستكون كل أنواع الفن المعماري للحضارة الإسلامية تنتظركم في جوامع وكليات وبيوت ومقابر المدينة.

الأمويون، العباسيون، الأيوبيون، العثمانيون... القاهرة هي مرآة جميع الحضارات الإسلامية. وأغلب الزينة التي لبستها الحضارات الإسلامية لبستها هناك.

الأهرام هي أقدم آلة سفر عبر الزمن، تعيش في هذه الأهرام محنة العبيد في "أسيوط"، وظلم الفراعنة، وذروة الحضارة في آن واحد.

سترون الحياة في هذه التضادات!

روح وقلب ومشاعر القاهرة 

ستظنون أن كل ذلك سيسحركم، ولكن السحر الحقيقي هو ليس ذلك! فلدى القاهرة روح وقلب ومشاعر، وهذا هو الأمر الساحر حقاً!

 هذه المدينة تبدي لكم زينتها فور قدومكم، ولكنها لا تبدي روحها وقلبها ومشاعرها فورا.. يلزم القليل من الوقت والتعود والفهم، ثم تفتح لكم القاهرة قلبها فجأة، ويهب عليكم نسيم مشاعر رقيق من هناك، ويصبح لليل جمال آخر، ويلطف منظر تلك الشوارع القذرة، وتشعرون كأن هواءها المتسخ ترك مكانه لرائحة الورد... مصر هي أم الدنيا!

"أنت عمري"

حين تقفون وتشاهدون حركة النيل وهو مسرع لاحتضان البحر الأبيض تسمعون صوت أم كل الأغاني وكل الأصوات، أم كلثوم، وهي تقول في أغنيتها "أنت عمري": 

صالحت بيك أيامي 
سامحت بيك الزمن 
نستني بيك آلامي 
ونسيت معاك الشجن 
رجعوني عنيك لأيامي اللي راحوا 
أنت عمري 

وفي الوقت ذاته، فالقاهرة هي مدينة الأحزان الكبرى... في شوارعها يسكن القهر والألم والحزن والدموع.

وفي هذه الأيام يسكن شوارعها العصيان.

في كل عصر هناك فرعون وموسى، وهارون الذي يساند موسى.

في الشوارع تحكى حكايات الذل والتهجير والعصيان، واسم الموت يكاد يكون الاسم الأكثر ذكراً.

 في هذه الأيام اشتعلت شوارع القاهرة من جديد، وعاد الموت والعصيان يجول في شوارعها. عاد ظلم فرعون والأعين هناك تبحث عن موسى. 

وحين يذكر الشباب أصدقاءهم وإخوتهم الذين قتلوا في التحرير قبل أربع سنوات يتساءلون: "ولكن لماذا قتلوا طالما أن شيئاً لم يتغير في هذه الشوارع؟".

يصرخ أبناء "الإخوان" الذين قتلوا في "رابعة"، رغم تصديهم للرصاص بالدعاء والقرآن فقط: "لماذا قتل آباؤنا إن كانت العدالة لم تنزل بعد إلى شوارعنا؟".

هناك عصيان في شوارع القاهرة لم ينته منذ آلاف السنين. في هذه الأرض فُقدت الكثير من الأرواح وعاد الأطفال يطالبون بحقهم.

أعلم أن استعادة الحق من الفراعنة ليس أمراً سهلاً، ولكن أطفال مصر لا يخشون الموت كخشيتنا! 

أعلم أن القاهرة هي وردتنا الحزينة، وأن دموعنا جاهزة لأجل هؤلاء الأطفال.

(عن صحيفة "يني شفق" التركية – ترجمة وتحرير "عربي21") 
1
التعليقات (1)
فهد الكويتي
الأحد، 01-02-2015 02:16 ص
ررروووعه ??