بينما العالم مشغول في تهدئة روع الشعب الفرنسي ، بعد أن ارتعدت فرائصه إثر حادثة شارلي إيبدو ، تنكشف صورة تسلل إيران إلى سوريا، عبر معبر جديد هذه المرة.
التقطتها العيون الألمانية ، وتتبعتها لتكشف عن تحركات سورية- إيرانية، لتصنيع مفاعل نووي، في منشأة تحت الأرض في مدينة القصير،-حسب ما جاء في صحيفة، شبيغل الألمانية- وعلى الرغم من تكذيب هذا التسريب واستنكار كل من الحكومتين، إلا أننا لا نجد الأمر مستبعداً، خصوصاً، بعد ترصدنا ما يدور في كواليس النظامين ومسارحهم.
منذ قرابة الثلاثة أشهر، أعلنت الحكومة السورية، عن عملية اغتيال تمت بحق خمسة مهندسين يعملون في مجال الطاقة النووية في "مركز البحوث العلمية" في حي برزة في شمال دمشق. وعندها حررت الصحف المؤيدة والمعارضة الخبر حسب اتجاهاتها وأهوائها وانتهوا إلى أن جبهات إسلامية متشددة كانت وراء الحادث، ولكن للخبر الذي لم يثر الكثير من القلاقل والضجة، تفاصيل وخلفيات نعتقد بأنها مكملة للصورة التي حاولت صحيفة شبيغل إظهارها، ووضعها أمام المجتمع الدولي هامسة، "إننا نعرف السر".
بعد حوالي شهر من الحادث، خرجت إحدى الصحف المعارضة، لتتهم الحرس الثوري الإيراني بالوقوف وراء عملية الاغتيال، وقالت إن الهدف من ورائه سرقة الوقود النووي لمفاعل دير الحجر، إضافة للزئبق الأحمر، وبودرة أوكسيد اليورانيوم أو ما يعرف بالكعكعة الصفراء، وذكرت أيضاً أن الضحايا كانوا من السوريين، وكذبت وجود عالم إيراني بينهم مبررة أن الهدف من إشاعة وجوده، إبعاد الشبهات عن تورط إيراني في الحادثة.
لكن ما تكشّف لنا من علاقات حميمية بين الأسد و إيران، والدفاع غير المفهوم من قوات الأسد وحزب الله، من أجل استعادة القصير- الواقعة على الحدود مع حزب الله - بعد تحرريها، وتأكيدات مسؤولين أوروبيين -ممن حضروا فيينا- أن التوصل إلى اتفاق بشأن النووي الإيراني مستحيل !
إضافة إلى الخلافات الكبيرة التي لا تزال تعيق أي بوادر حل بين الدول الخمس زائد واحد و إيران، كل هذا وأكثر يقودنا إلى القول إن ما جاءت به شبيغل منطقي وغير مستبعد.
دعونا نتساءل ما الذي تستفيده إيران من إنشاء مفاعل نووي في سوريا ؟ و ما هي مصلحة الأسد في قبول مثل هذه المجازفة ؟ وخصوصاً لأن ما يواجهه اليوم من صراعات يجبره على أن يكمل صراعه على أرضية زلقة، ومن الممكن أن يتهشم نظامه وينتهي وجوده في حال سقوطه.
حقيقة، لا خيار أمام الأسد اليوم إلا الانصياع الكامل للقرارات الإيرانية والروسية، إيران اليوم مستاءة جداً من فشل محادثتها بشأن النووي ، وهي تدرك تماماً أنه من الصعب جداً وربما من المستحيل أن يقبل المجتمع الدولي الوصول إلى اتفاق بشأن ملفها النووي.
مراقبون وجدوا أن إيران لم تكذب عندما نفت أن برنامجها النووي يهدف إلى إنتاج أسلحة نووية، و أن أغراضها سلمية، ولكن ما أن تحصل على موافقة بشأن السير في برنامجها، حتى تغدو لديها القدرة الكافية لتجميع قنبلة نووية بسهولة شديدة..
هذا بالضبط ما يثير حفيظة الولايات المتحدة و بريطانيا و فرنسا و روسيا و الصين و ألمانيا .
مع الأخذ بعين الاعتبار العلاقات الودية بين إيران وروسيا والصين، التي مهما بلغت من التقارب سيبقى الخوف من تغيير موازين القوى، وتبادل أدوار القوة ليس محموداً على المستقبل البعيد.
أما بالنسبة لإسرائيل، فعلى الرغم من المصالح التي تجمع البلدين ،إلا أنها إلى اليوم ، لم تتهاون في قصف أي منشأة إيرانية -سورية، يحتمل أن تطور عملها خارجاً عن نطاق البحث العلمي . و قد شهدت الأراضي السوري ، عدة غارات إسرائيلية ، على مراكز للبحوث العلمية .
اعترفت القيادات السورية بإحدى المنشآت في منطقة جمرايا بريف دمشق ، وصرحت عندها بأن المركز مسؤول عن رفع مستوى المقاومة و الدفاع عن النفس ، و لكن هل يمكن لإسرائيل النأي بالنفس عن أي مشاريع تهدد سلطتها في المنطقة ؟ بكل تأكيد لن تسمح .
أما بالنسبة للأسد ، فهو اليوم يتربع على عرش بأربعة أرجل، رجل إيرانية، ورجل روسية، ورجل صينية، و أما الرجل الرابعة و المتمثلة في مواليه، فقد أصابها كسر يصعب إصلاحه، ولهذا يرى نفسه اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما :
إما الانصياع للطموحات الإيرانية - والروسية في المنطقة، و إما أن يُرمى للمعارضة، ليواجه مصير القذافي، وهذا ما قد يدفع بشار لمزيد من الإصرار على رفع قدراته الدفاعية، وخصوصاً وهو يدرك أن أي خطوة متقدمة، قد يفاجئ بها المجتمع الدولي، ستحدث تغييراً في كفة الموازيين الدولية.