ذكر تقرير يمني صادر عن مركز أبعاد للدراسات والبحوث أن "عام
2014 كان عام الحصاد المر لفشل الانتقال السياسي للسلطة، وسقوط الخيارات السلمية تحت أقدام الميليشيات والجماعات المسلحة، ووصفه "بالعام الأكثر سوءا في تاريخ
اليمنيين وصراعاتهم وعام نزيف الدم اليمني، وعام سقوط الدولة وسيطرة العنف والسلاح".
وبحسب التقرير، فقد لقي أكثر من سبعة آلاف يمني مصرعهم العام الماضي، الذي تجاوز ثلاثة أضعاف قتلى عام 2011، حينما خرج الشباب في ثورة سلمية ضد نظام علي عبد الله صالح".
وأكد أبعاد أن "المؤسسة العسكرية خسرت وحدها، عام 2014، أكثر من ألف جندي من منتسبيها، 600 منهم قتلوا على أيدي
الحوثيين أثناء مهاجمتهم للمعسكرات وإسقاط المحافظات، فيما قتل حوالي 400 على يد القاعدة وجماعات مسلحة، غالبيتهم في عمليات اغتيال وتفجيرات وهجمات مباغتة للمعسكرات والنقاط العسكرية".
وأوضح التقرير أن "نحو ألف ومئتي مدني، قتلوا في 2014، غالبيتهم في أعمال جماعات العنف المسلحة، منذ اختتام مؤتمر الحوار الوطني في 25 من كانون الثاني/ يناير من العام ذاته، بينما بلغت خسائر تنظيم القاعدة بحسب التقرير ما بين (400 - 500) قتيل من أفراده، قتل منهم حوالي 106 في 26 غارة جوية لطائرات أمريكية من دون طيار (الدورونز)، في حين راح قتل ستة مدنيين، بينهم ثلاثة أطفال في تلك الغارات.
وأوضح تقرير أبعاد اليمني أنه: "لا توجد معلومات دقيقة عن عدد قتلى جماعات الحوثي، إلا أنه قدر عدد القتلى بخمسة آلاف مسلح، ألفان قتلوا في المعارك التي جرت في محافظات مأرب والجوف وعمران، ومثلهم في العاصمة صنعاء ومدن أخرى مثل الحديدة وإب، ونحو ألف سقطوا في حروب رداع بالبيضاء وسط اليمن.
وتوقع التقرير أن تكرر جماعة الحوثي هجماتها هذه على المناطق الشرقية النفطية، للسيطرة على مأرب والجوف تحت لافتة حماية منشآت الدولة ومعسكراتها وملاحقة المخربين والإرهابيين، كما توقع أيضاً مشاركة جيش الدولة وطائراتها هذه المرة، لمهاجمة هذه المناطق التي انكسروا في ثلاثة حروب مع قبائلها منذ 2011.
سقوط الدولة
وقال التقرير اليمني إن "العسكريين يشعرون بإهانة نتيجة سيطرة الحوثيين، لاسيما بعدما تحصلوا على أسلحة نوعية من اقتحامهم لقيادة المنطقة السادسة ( الفرقة أولى مدرع سابقا ) والمعسكرات التابعة لها مثل اللواء 310 في عمران شمال صنعاء، ومن القيادة المركزية لوزارة الدفاع وهيئة الأركان وسط العاصمة اليمنية.
وأضاف " لقد أصبح بحوزة الحوثيين، منذ بدء إسقاطهم لمعسكرات الدولة العام المنصرم، أكثر من 120 دبابة من نوع ( T55-T62)، وحوالي 70 مدرعة من نوع ( BTR – BMB) و20 مدفعا ( شيلكا وهاوزر ذاتي الحركة) وحوالي 10 عربات ( كاتيوشا)، وما يقارب من 100 صاروخ ( بين حراري مضاد للطيران، وغراد بر- بر)، وأكثر من 100 مدرعة تحمل رشاشات ثقيلة ومتوسطة، إلى جانب مئات الأطقم العسكرية وعشرات المخازن للذخيرة الحية".
كما لفت التقرير إلى احتمالية حصول جماعة (أنصار الله ) الحوثي على شحنات صواريخ إيرانية نوعية، إلى جانب شحنات سفينة جيهان التي كانت محتجزة، ما يقدر امتلاكهم، بحسب التقرير، حوالي 70% من قدرات
الجيش اليمني، بالتوازي مع الحصار الذي يفرضه مسلحو الجماعة على معسكرات أخرى فيها أسلحة نوعية واستراتيجية مثل الصواريخ بعيدة المدى، بالإضافة إلى التحكم بالمطارات العسكرية بالطيارات الموجودة فيها.
انهيار الجيش الوطني
وذكر تقرير مركز أبعاد أنه "لم يعد هناك جيش وطني بعد 21 سبتمبر من العام 2014، وكل ألويته في المناطق الشمالية والغربية، التي كانت مرهقة في صراعاتها السابقة مع الحوثيين فيما عرف بـ(الحروب الست)، قد سقطت بأيدي مسلحي الحوثي، بعد اجتياحهم لقيادة الدفاع المركزية في العاصمة صنعاء مؤخراً، وإن كانت هناك وحدات في الشمال لم يتم السيطرة عليها، لكنها محاصرة وممنوعة من التحرك".
وأضاف التقرير أن "هناك وحدات في بعض المناطق الوسطى وصل الحوثيون إليها، وهي ضعيفة تسيطر على تحركاتها وحدات ما يعرف بالحرس الجمهوري سابقاً، كما أفاد أيضاً بوجود وحدات من الجيش اليمني في المناطق الشرقية والجنوبية بعيدة عن تحكم الحوثيين، لكنها تتعرض للاستنزاف، وقد تنهار جراء الهجمات المستمرة عليها من تنظيم القاعدة وبعض المحسوبين على الحراك الجنوبي المسلح، بالإضافة إلى المسلحين القبليين".
الجيش الموازي وتعدد الولاءات
وعن قوات الحرس الجمهوري التي أنشاها الرئيس السابق علي عبد الله صالح منتصف التسعينيات، كجيش موازي للجيش الوطني، قال التقرير إن "هناك عشرات الألوية التابعة لهذه القوات منتشرة في مختلف محافظات اليمن، أهمها المعسكرات المحيطة بصنعاء، وقد تم هيكلة هذه الوحدات وتدريبها وتسليحها وفق خطط أشرف عليها ضباط عرب وغربيون محترفون، ولم تدخل هذه الوحدات في استنزاف وحروب، وشاركت فقط بشكل بسيط في الحرب السادسة أثناء تقدم الحوثيين إلى منطقة بني حشيش القريبة من العاصمة من الجهة الشمالية".
وجاء في التقرير: "لكن الحرب التي خاضتها ضد القبائل الداعمة للثورة الشبابية في 2011، في مناطق متعددة أهمها أرحب والحصبة، ولدت لدى قادة هذه الوحدات حالة من الانتقام والعداء، ولذا ظلت معارضة للانتقال السياسي، وعرقل بعض قادتها مشروع الهيكلة، لكن ذلك لم يكن السبب الرئيسي لدعم الحوثيين للانتقام من ثورة الشباب".
وتطرق تقرير أبعاد إلى أن "طريقة تعامل الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي مع هذه القوات باعتبارها ملكاً للرئيس السابق، أضرت كثيراً بقدرات هذه الوحدات، حيث عمد على تفكيك بعض وحداتها، وتهميش بعض قادتها، وسحب امتيازات مالية كثيرة، كان قائدها نجل الرئيس السابق العميد احمد علي عبد الله صالح يغدق بها عليهم".
وقال التقرير:" تظل وحدات ما كان يعرف بالحرس الجمهوري هي الوحدات العسكرية التي لم تتعرض للانهيار، لكن الاستقطابات فيها أثرت على عقيدتها، فأصبحت متعددة الولاءات بعد اختراق واضح لها من قبل الحوثيين"، مؤكدا بأنه "ترك قيادات موالية لصالح في الجيش لجنود من هذه الوحدات تدعم الحوثيين لإسقاط نظام هادي أملاً بعودة صالح ونجله، إلا أن بعض المحسوبين على هذه الوحدات أصبحوا أكثر ولاء للحوثي من صالح".
وأشار التقرير إلى أن "الرئيس هادي خلق ولاءات شخصية له داخل بعض هذه الوحدات، فأصبحت أكثر تشتتا وبعدا عن العقيدة الوطنية للجيش اليمني وتتنازعها استقطابات الحوثي وهادي وصالح".
الرئيس هادي وفشل الانتقال
وأكد التقرير فشل الرئيس هادي في قيادة الانتقال السلمي، رغم التضامن والدعم غير المحدود الذي قدمه له الشعب اليمني والمجتمع الإقليمي والدولي.
وأرجع التقرير ذلك إلى ضعف شخصية الرئيس اليمني الحالي، وتردده في اتخاذ القرارات، وعدم امتلاكه لرؤية وطنية أو خبرة اجتماعية، خصوصاً فيما يتعلق بالمجتمع القبلي الذي تعمد تهميشه مع بدايات حكمه وعدم تمثيله في مؤتمر الحوار الوطني، وانشغاله بصراعات واستقطابات مع الرئيس السابق علي صالح داخل منظومة الحزب والدولة، خلقت بيئة حاضنة لتحالفات سياسية واجتماعية وضعت يدها مع يد الجماعات المسلحة لإسقاط ما تبقى من رمزية الدولة.
وقال تقرير أبعاد إن من أهم الأسباب التي مكنّت ميليشيات الحوثي من السيطرة على الدولة بهذه السرعة "الفشل الاقتصادي في تحقيق أدنى متطلبات الحياة للمواطنين اليمنيين، وتراجع خدمات الكهرباء والماء والصحة والتعليم، وضعف المنظومة الأمنية والعسكرية أمام توسع الصراعات وانتشار الفوضى".
أما عن فقدان الشارع الثقة في الرئيس هادي نوه التقرير إلى أن "بعض قرارات الرئيس اليمني كانت متناقضة، وعدها بمثابة تبريرات لإسقاط المسلحين للدولة، فبينما كان يطلب دعما شعبيا ويخرج مئات الآلاف في مظاهرات مؤيدة له، يصدر قرارات تزيد من المتحالفين ضد الدولة، وحين كان اليمنيون يعانون من ظروف اقتصادية سيئة، تنعدم المشتقات النفطية من الأسواق لأشهر، دون اتخاذ إجراءات، ولكن يتبعها بقرارات رفع الدعم عنها نهائياً، ما ساعد مسلحي الحوثي وفقا للتقرير، الذين كانوا يحاصرون صنعاء، على عقد تحالفات قبلية لإسقاط الدولة، وهي تحالفات شبيهة لتلك التي أدت إلى إسقاط محافظة عمران ومعسكراتها في آب/ أغسطس منتصف العام الماضي".
وقال التقرير إن "الرئيس هادي استغل توجهات الجوار الخليجي في إضعاف تيار الثورة والإسلام السياسي للحصول على الدعم السياسي والمالي"، مشير إلى أن هادي لعب مع المجتمع الدولي بهذه الطريقة، وبورقة خطيرة، وهي "ضرورة تصفية الفاسدين للتمهيد لدولة مدنية، وأيضا قصقصة أذرع النافذين القريبين من المملكة العربية السعودية بحجة أنها لا تقبل بمشاركة الحوثيين في الدولة، ولا ترغب في استقرار سياسي في اليمن، وعلى رأسهم قيادات عسكرية مثل اللواء علي محسن الذي وضعه مستشارا عسكريا وأمنيا، ورفض إقالته، لضمان استمرار كل تلك المبررات".
خارطة جماعات العنف
وتطرق التقرير لخارطة العنف المسلح، وقال: "تتبلور أحداث العنف في إطار أربع مجموعات مسلحة، أهمها جماعة (أنصار الله) الحوثيين، وقد أصبحت تسيطر على مفاصل الدولة، وتمتلك اعتي وأقوى أنواع الأسلحة، متفوقة على الدولة، وبيدها القدرة على السيطرة أكثر بعد تغلغلها في الدولة ومؤسساتها المخابراتية والأمنية والعسكرية والمدنية، وابتلاعها تدريجيا من الداخل".
وأشار التقرير إلى أن " الجماعة تحصل على دعم لوجستي وعسكري من إيران وحزب الله اللبناني، وتتحرك بالتناغم مع القرار السياسي الإيراني، وأن نفوذها يمتد مع تحركها العسكري، كلما تعرضت إيران وأذرعها في العراق وسوريا لضغوطات إقليمية أو دولية".
وتوقع التقرير أن "يدخل الحوثيون في دائرة صراع عنيف واستنزاف مفتوح مع المجتمع القبلي الذي بدأ يشعر بخطورة تهديد مصالحه جراء استهداف الحوثيين للقبيلة، ومع خلق كيانات وقيادات مجتمعية جديدة"، مضيفا بأن "التطورات الإقليمية ستكون لصالح إيران أو ضدها عاملا مهما، لا يمكن إغفاله في بقاء سيطرة الحوثيين خلال العام
2015، أو دعم مواجهتهم وسقوطهم".
وأشار التقرير إلى أن تنظيم القاعدة وجناحيها في اليمن "أنصار الشريعة وقاعدة الجزيرة العربية"، تعتمد على أعمال فردية غير منظمة، واستراتيجية من خلال تفجيرات واغتيالات وهجمات، واستهدافها للمدنيين والعسكريين، ما أوجد للحوثي مبررا لتمدد مسلحيه وحصولهم على تحالفات سياسية ومجتمعية معهم، كون مثل هذه العمليات تخلف ضحايا مدنيين وأبرياء".
واعتبر التقرير الحراك المسلح في جنوب اليمن امتدادا لتداخل الصراع الإقليمي بين إيران والسعودية، وقد رعت طهران، عبر حزب الله اللبناني، هذا الحراك دون أن تدعم الحراك السلمي، وقامت بتدريب قادة فيه داخل معسكرات محلية وإقليمية بإشراف مقاتلين من حزب الله والحرس الثوري الإيراني".
وكان هذا الدعم الإيراني، وفقا للتقرير، يأتي عبر نائب الرئيس السابق علي سالم البيض الذي أعلن الانفصال في صيف 1994م، وهزم أمام قوات الرئيس صالح قبل أن يغادر إلى منفاه".
وجاء في التقرير: "تحاول إيران من خلال مفاوضات مباشرة مع الدولة اليمنية في عمان أن تفرض حكما انتقاليا يكون للرئيس الجنوبي السابق علي ناصر محمد دور فيه، بهدف التمهيد للسيطرة على الجنوب والشمال من خلال قيادات سياسية وقوة عسكرية على الأرض، لضمان التحكم الكامل في مضيق باب المندب".
كما أكد التقرير أن "القبائل المسلحة أصبحت الحلقة الأضعف بين الجماعات المسلحة، بعد أن أدى تمزقها وتشرذمها ودعم بعض مكوناتها للحركة الحوثية إلى تراجع تأثيرها وانهيار بنيتها المسلحة لصالح جماعات القاعدة والحوثيين".
وقال: "تحافظ القبيلة على بعض التوازنات داخل البلاد، ولكنها تأثرت بالصراعات السياسية سابقا حتى أصبحت أقرب للحالة الحزبية من حالة السلاح، ودعمت التغيير السلمي دون الانجرار للحرب إلا في حالات محدودة، ولكن شعورها بالتهميش السياسي نقل المعارك بين هذه التيارات إلى داخلها، فتركت فراغا كبيرا في بنية المجتمع ملأته جماعات السلاح".
التداخل الإقليمي والدولي
قال تقرير مركز أبعاد للدراسات والبحوث، ومقره اليمن، إن "اليمن تشهد تدخلا سافرا وغير إيجابي من قبل الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تعُدّ وبشكل علني سيطرة الحوثيين على الدولة اليمنية امتدادا لانتصارات الثورة الإسلامية".
وأضاف أن "دعم بعض دول الخليج للثورات المضادة كحالة خوف من الإسلاميين الذين يعتقد أنهم المحرك الرئيسي لها، ساهم في إضعاف المقاومة السياسية والشعبية ضد الحركة الحوثية في اليمن". محذرا من أن يؤدي توسع الحوثيين في اليمن إلى اعتبارها نفوذا إيرانيا مهددا للأمن القومي الخليجي، ما قد يُنتج تدخلا مضادا بشكل سلبي يؤدي إلى دعم جماعات مسلحة جديدة، مع استمرار حالة انهيار الدولة، وهو ما قد يجر اليمن لحرب مناطقية ومذهبية، قد تكون مقدمات لاشتعال المنطقة كلها".
ولفت إلى أن "الدول الكبرى تراقب المشاركة في الإشراف على عملية الانتقال السياسي، وعلى رأسهم واشنطن، الوضع في اليمن بشكل مقلق، خاصة بعد شكوى جماعية لحوالي 16 دبلوماسية، تعرضها لمضايقات من قبل الحوثيين".
مستقبل مجهول
وتوقع أن يكون عام 2015م عام دفع ثمن تغييب وإسقاط الدولة في 2014م، لاسيما بعدما كشفت عشرات الوثائق عن تقويض واضح للدولة اليمنية، وانحناء غير مسبوق لصانعي القرار السياسي للميلشيات المسلحة، ففي توقيت سيئ يعيشه الاقتصاد اليمني يقدم الرئيس اليمني ما يقارب من نصف مليون دولار للحوثيين لرعاية احتفال ديني، فيما تتكفل أمانة العاصمة بتقديم دعم مالي كبير لإنجاح الحملة الدعائية للمناسبة ذاتها، إلى جانب فرض الحوثيين جبايات وإتاوات على المواطنين والمزارعين والتجار، في وقت تتوقف كل مشاريع التنمية الخدمية في البلد حتى تلك المدعومة خارجيا".
وبدا العام 2014 أشد الأعوام عنفا وتوترا في اليمن، إذ شهد تطورا دراماتيكياً في الأحداث، انتهت بسقوط الدولة بمختلف مؤسساتها بأيدي مسلحي جماعة (أنصار الله) الحوثي، ما يعني أن السيناريوهات تبقى مفتوحة على كل الاحتمالات في العام الجاري، لكنها تأتي هذه المرة محاطة بمزيد من الترقب والحذر الشديدين، لاكتمال حلقات الصراع التي دشنت في العام.
وكان زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي، السبت، قد هدد باجتياح مأرب النفطية التي تشكل غالبية سنية، ما جعل بعض المحللين يفقد الأمل في خروج اليمن من دوامة العنف عام 2015.