قضايا وآراء

الفشل في مجلس الأمن والنجاح في الجنائية: دروسٌ وآمال

جمال أحمد
1300x600
1300x600
في السياسة  ليس هناك ضررٌ مطلقٌ ومنفعةٌ مطلقة، لكن هناك خطوط وتقاطعات قد تجعل خطوةً أو إجراءاً ما إيجابياً مهما بدا في ظاهره سلبياً لأحد الأطراف. وهذا ما قد ينطبق على رفض مجلس الأمن لمشروع القرار العربي الفلسطيني لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي التي احتلت عام1967، وإقامة دولة فلسطينية خلال عامين، وذلك بعد رفع المندوبين الأمريكي والأسترالي أيديهما عالية بالرفض والاعتراض.

ظاهر المشروع سلبي على الشعب الفلسطيني وقضيته، وهذا ما جاء في صيغته النهائية والمعدلة التي "حُلبت" منها معظم الحقوق الفلسطينية، ونُزع مما تبقى فيها من دسم يبقي لمقدميها ما يحفظ ماء وجوههم.وقد بدا هذا التنازل واضحاً في ديباجة المشروع الذي اقترح "التوصل إلى حل عادل لوضع القدس كعاصمة للدولتين، تلبي التطلعات المشروعة للطرفين وتحمي حرية العبادة "على الرغم من تأكيد المشروع في ديباجة مقدمته على "حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والاستقلال في دولته وعاصمتها القدس الشرقية".هذا التغيير الجذري في الموقف من القدس المحتلة يعني تنازلاً عن الحق الفسطيني العربي الإسلامي في القدس عاصمةً لفلسطين، وأن  وحدانية القدس كعاصمة للفلسطينيين قد انتهت .ولطالما كانت قضية القدس أحد أهم  مفاصل القضية الفلسطينية العربية برمتها، ومثل هذا التنازل هو ما أدى إلى فشل مفاوضات كامب ديفيد عام ألفين، التي نصت على تقسيم مدينة القدس وضم أغلبها إلى السيادة الإسرائيلية .الأمر الذي ساهم في حينه باندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية.فإن كان الدرس البعيد للقدس في كامب ديفيد قد غاب فهل سيغيب الدرس القريب لها في بوادر الانتفاضة المقدسية الثالثة في العام المنصرم.

إلا أن التنازل الأبرز كان في التنازل عن حق العودة فالمشروع هبط كثيراً عن الحد الأدنى لحقوق السواد الأعظم من الشعب الفلسطيني، الذي طالت غربته واشتدت عذاباته في بلدان اللجوء. فعلى الرغم من التأكيد في مقدمته على حل عادل لقضية اللاجئين، عاد المقترح ليتحدث عن حل متفق عليه.الأمر الذي جبّ ما قبله من تأكيد على قرار الجمعية العامة رقم 194 الذي نص على وجوب السماح بالعودة للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم، وتعويض كل فقدان أو خسارة أو ضرر للممتلكات وفقاً لمبادئ القانون الدولي والعدالة.فالمشروع المرفوض رهن إرجاع كل تلك الحقوق بالاتفاق مع المحتل الذي لا يعترف بهوية الفلسطينيين، ويطالب بفرض يهودية الدولة وكان أقصى ما قدمه عام ألفين الموافقة على إعادة مائة ألف ضمن إطار لم شمل العائلات.

مشروع القرار وعلى الرغم من عدم مروره عبر بوابة مجلس الأمن يخشى أن يكون مدخلاً لبوابة مفاوضات جديدة، تكون التنازلات السابقة سقفها التفاوضي الجديد مع الاحتلال الإسرائيلي وداعمه الأمريكي، وأن تسحب واشنطن حبل هذه التنازلات إلى قاع بئر سحيق من التفريط. فالتصريحات الرسمية الفلسطينية حتى الآن لا تشير إلى قرب إعلان فشل مسار المفاوضات أو إلى اتخاذ إجراءات حقيقية تعزز المسارات الأخرى ومنها المقاومة الشعبية في الضفة والقطاع.

إلا أن الاستحقاق الأبرز لذلك الفشل في مجلس الأمن هو التزام الرئيس عباس بما وعد به سابقاً من الذهاب إلى المحكمة الجنائية الدولية بعد التوقيع على ميثاق روما. في خطوةٍ طال انتظارها للبدء بمحاسبة قادة الاحتلال على ما ارتكبوه من جرائم بحق الفلسطينيين، مما سيفتح مواجهةً حقيقيةً مع الاحتلال منبرها "الشرعية والقانون الدوليين".ولا شك أن هذه الخطوة قد عرّت الموقف الأمريكي الذي سارع بإدانتها وأظهرته أمام العالم مدافعاً عن ظلم دولة الاحتلال، ومطالباً أن تبقى فوق القانون والمحاسبة مما سيزيد في الحرج الأمريكي إذا ما أمعنت دولة الاحتلال في إجراءاتها التصعيدية ضد الفلسطينيين، في ظل موجة التعاطف الدولي عموماً والأوروبي خصوصاً مع الحق الفلسطينيي، الذي تمثل بسلسلة اعترافات عدد من البرلمانات الأوروبية بحق الفلسطينيين في دولتهم المستقلة، دون إغفال الدول التي صوتت لصالح مشروع إنهاء الاحتلال وهي الأرجنتين، وتشاد، وشيلي، والصين، وفرنسا ولوكسمبورغ، والاتحاد الروسي.

فلسطينياً يبدو المشهد الداخلي مرشحاً لتقارب فرقاء الصف حول مظلة عنوانها التوظيف السياسي النضالي الأمثل للقانون الدولي في المعركة ضد الاحتلال وإجراءاته. معركة لا ينقص الجانب الفلسطيني فيها لا الوقائع الجرمية ولا الأدلة الجنائية، التي تثبت تورط المحتل. ولكن ذلك يقتضي ألا يقتصر دور الجنائية على ملفات دون غيرها كما جاء في تصريحات عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صائب عريقات، عند تسليمه للمعاهدات الموقعة بأن ملف الاستيطان هو الملف الأساسي التي ستفعّله القيادة الفلسطينية في المحكمة الجنائية، وأن يكون تجريم قادة الاحتلال هو الهدف الأسمى فلا قيمة للدفاع عن الأرض إن تم التفريط بدماء أصحاب من سقطوا دفاعاً عن تلك الأرض.

لا شك أن الموقف الفلسطيني الجديد بالذهاب إلى محكمة الجنايات الدولية دونه عقباتٌ كؤود، وقد يفشل عند أول استحقاق لارتباطه بتعقيدات قانوينة وسياسية كثيرة من جهة ولعمق الخلافات الفلسطينية الفلسطينية من جهة أخرى. تلك الخلافات التي أفرزت هوة سحيقة من عدم الثقة يرجى أن تساهم خطوة الجنائية الدولية بردم جزء منها وأن تكون أساساً لمواجهة جديدة يريد كثيرٌ من الفلسطينين أن تتراكم تدريجياً لتصل إلى المواجهة الشاملة التي تعيد الحقوق الفلسطينية الكاملة، وتنسف ما بقي من آثار لمعاهدات التفريط التي تتربع أوسلو على هرمها.

* إعلامي فلسطيني يقيم في لندن.
1
التعليقات (1)
فاطمة وعزية
الثلاثاء، 15-09-2015 12:58 م
و هل يعقل أن يتوجه أبو مازن للجنائية الدولية لمتابعة صانعيه؟ و هل الذهاب للأمم المتحدة و الجنائية سيخدم القضية الفلسطينية ؟