يعد الجامع العمري الكبير أحد أقدم وأبرز المعالم الإسلامية والأثرية في قطاع غزة، وهو صرح معماري فريد يمتاز بروعة تصميمه وأقواسه الدائرة الجميلة، بالإضافة إلى كونه حاضنة دينية وثقافية وتاريخية على مر القرون.
يقع الجامع العمري في وسط مدينة غزة القديمة، ويتربع على مساحة قدرها 4100 متر مربع، وهو أكبر مساجد غزة وأقدمها، حيث أنشئ في القرن الخامس الهجري. بحسب رئيس قسم التاريخ في الجامعة الإسلامية بغزة، د. غسان وشاح.
وأضاف وشاح لـ"عربي21" أن الجامع الكبير يُعد أهم الأماكن الإسلامية والأثرية في غزة، لاحتوائه على عناصر الموروث الثقافي والمعماري بالمدينة، مشيراً إلى أن عدد الأبنية الأثرية في القطاع يصل إلى 400 بيت أثري، إضافة إلى 32 مبنى تاريخياً ودينياً يعود إلى الفترة المملوكية والعثمانية.
وقال إن الحملات الصليبية المتلاحقة على قطاع غزة عملت على تدمير الجامع العمري وبناء كنيسة القديس يوحنا على أنقاضه عام 1149م، وبقيت الكنيسة قائمة حتى جاء صلاح الدين الأيوبي وأعاد بناء المسجد، مشيراً إلى أن الجامع العمري بني في الأساس عقب الفتوحات الإسلامية في القرن السابع الميلادي.
وتابع أن الجامع العمري الكبير تعرّض لتدمير القسم الأعظم منه، وسقطت مئذنته أثناء الحرب العالمية الأولى، وأعيد إعماره بشكل كامل مع تجديد تصميمه من قبل المجلس الإسلامي الأعلى عام 1926م، مبيناً أن الدولة العثمانية هي "أكثر الدول التي اهتمت بالمسجد، وما زالت نقوش حكام غزة العثمانيين وقائد لوائها منقوشة على جدرانه".
وناشد وشاح الجهات المعنية بـ"الحفاظ على هذا التراث العريق، وضرورة وجود معمل أثري، ومتحف وطني يضم آثار مدينة غزة المهددة بالضياع"، مشيراً إلى أهمية مقاومة المخطط الاحتلالي الذي يهدف إلى تهويد كافة الآثار الإسلامية في فلسطين التاريخية.
عمارة وتراث
ويعد الجامع العمري من أعظم الأبنية وأمتنها وأتقنها، ويعكس إبداع الفن المعماري القديم في غزة، بحسب المهندسة نشوة الرملاوي، منسقة المشاريع في مركز إيوان لعمارة التراث.
وأوضحت الرملاوي لـ"عربي21" أن المسجد "يقوم على 38 عاموداً من الرخام، واسطوانات متينة البناء، وفي وسطه قبب مرتفعة على عامود فوق عامود من الجانبين"، مضيفة أنه "قلما يوجد لهذا الشكل من البناء نظير في بلاد الشام".
وبينت أن الجامع مبني من "الحجر الرملي الكركي؛ الذي يتم استيراده من منطقة تل المنطار"، مشيرة إلى أنه "يتناسب مع مناخ غزة، وبإمكانه أن يصمد طويلاً أمام تقلبات المناخ في القطاع، ليبقى الجامع شاهداً على عظمة وحضارة غزة".
وقالت إن "الزخارف التي زين بها الفناء الخارجي؛ أضفى السمة الإسلامية على البناء، بالإضافة إلى المئذنة الشاهقة بكتلها المختلفة وعناصرها الزخرفية الرائعة".
وحذرت الرملاوي من خطورة "بعض الميول والتشققات التي بدأت تتكشف بشكل أكبر في الجزء الأسفل من المئذنة بعد الحرب الأخيرة على قطاع غزة"، مؤكدة أنها "بحاجة إلى ترميم سريع تجنباً لسقوط المئذنة".
وتقوم وزارة السياحة والآثار بالتعاون مع وزارة الأوقاف حالياً، بعملية ترميم أجزاء من الجامع، التي تمر بالعديد من المراحل، منها: التوثيق المعماري والتسجيل الهندسي باستخدام محطة الرفع المتكامل، والتصوير المقوم، وعمل الدراسات الإنشائية والبيئية، وخرائط التدهور البصري، وتحديد نماذج وحدات الإضاءة التي تتوافق مع الوضع الأثري للبناء.
كتب ومخطوطات
من جانبه؛ قال مدير دائرة التوثيق والمخطوطات والمكتبات في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بغزة، عبداللطيف أبو هاشم، إن الجامع العمري "يمتاز باحتوائه على مكتبة مهمة تضم بين جنباتها أكثر من 20 ألف كتاب في مختلف العلوم والفنون"، مشيراً إلى أن نشأة المكتبة ترجع إلى عصر الظاهر بيبرس البندقداري الذي سُميت سابقاً باسمه.
وأضاف أبو هاشم لـ"عربي21" أن المكتبة "تحتوي على 132 مخطوطة ما بين مصنف كبير ورسالة صغيرة"، مشيراً أن أقدم مخطوطة بالمكتبة "تعود لسنة 920هـ".
وتابع: "في المكتبة قسط وافر من كتب العلماء الغزيين ووقفياتهم، وتضم بعض النوادر مثل ديوان الغزي ابن قزاعة، وغيره من العلماء الأجلاء الذين كانوا منارات يهتدى بهم".