كان من المعروف منذ البداية أن مواجهة "الكيان الموازي" الذي خطط لانقلاب السابع عشر من كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي، ستحتاج فترة طويلة، ومن ثمَّ ستواجهها بعض الصعوبات.
كما أنه معلوم للجميع أن مواجهة هذا الكيان من شأنها أن تخلق ساحتين من المشكلات:
أولاهما: هو ضرورة تنفيذ محاكمته وفق قواعد الدولة القانونية والديمقراطية، بعد أن أصبحت له جذور داخل مؤسسات الدولة. ومع ذلك فإن اتساع وقت مرحلة الصراع، ستؤدي إلى مزيد من الاضطرابات داخل البلاد.
وينبغي ألا يكرر القضاء الذي شوه منتسبو "الكيان الموازي" صورته نفس الأخطاء التي وقع فيها في قضيتي "الآرجنكون" و"المطرقة"، ومحاولة منع جميع صور ما يقوم به "الكيان الموازي"، الذي يكون لديه العلم بكل حملات الاعتقال الموجهة ضده قبل أي أحد.
وثانيتهما: مواجهة منتسبي "الكيان الموازي" حملات تصفية لهم في الداخل والخارج، مع أنهم يستمرون في كسب نغمات جديدة؛ لخلق صورة دولية ضد حزب "العدالة والتنمية"، ووضع أسسها بعناية فائقة.
وفي واقع الأمر.. بغض النظر عن محتوى الملفات الخاصة بعملية الـرابع عشر من ممثلي الاتحاد الأوروبي، يبدو أن موضوع ردود الأفعال الحالية تتجه إلى منحنى خطير ضد تركيا.
وكيف تفرط تركيا في ديمقراطيتها في سبيل تصفية أعضاء "الكيان الموازي"؟.. لا تسمح أي دولة لها ديمقراطية بذلك!.. ويمكننا الاعتقاد بأن ممثلي الاتحاد الأوروبي ليس لديهم أي تصور عن هذا الكيان، لذا لا يمكنهم فهم ما يقوم به "الكيان الموازي". أو يمكننا توقع ما هو أسوأ، والوصول لنتيجة استخدامهم هذا الأمر لممارسة الضغط على تركيا!
وبسبب أن تركيا وقعت في نفق قدرة الاتحاد الأوروبي في التأثير على سياستها، ما أدى إلى انتظار تركيا منذ عشر سنوات على طاولة المفاوضات.
وكان رئيس الجمهورية "رجب طيب أردوغان" قد سارع بالرد بلغة واضحة على انتقادات ممثلي الاتحاد الأوروبي لتركيا -حول أن حملة الاعتقالات التي طالت العديد من الصحفيين المقربين لجماعة "فتح الله كولن"، الذي اعتبروه مخالفاً "للمبادئ الديموقراطية وحرية الصحافة"- قائلاً: "نأسف.. نحن لسنا رعية من رعايا الاتحاد الأوروبي؛ أرادونا أم لم يريدونا في صفوفهم.. ولتتوقفوا عن إلقاء الدروس كما تفعل المربية، ولتدركوا أن زمن تركيا القديمة قد ولى!"
واعتبر المراقبون أن موقف "أردوغان" الصارم تجاه هذه الانتقادات قد يؤدي إلى قطع العلاقات مع الاتحاد الأوروبي. حتى أن هناك من يربطون ذلك الأمر بالخطاب "السلطوي" -على حد زعمهم- قائلين: "إذا تخلت تركيا عن الديمقراطية، فهي مجبرة على التخلي عن الاتحاد الأوروبي". ومن ثمَّ ينبغى علينا الاعتقاد أن هذا النهج يتخذه "الكيان الموازي" في حملاته العدائية ضد حزب "العدالة والتنمية".
"هناك محاولات للنيل من حزب "العدالة والتنمية" -الذي حمل مشعلة تحول تركيا- من خلال تشويه صورته على الساحة الدولية، وتقويض عزيمة انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، قائلين: "ستكون نهايتكم مثل نهاية روسيا، التي انفصلت عن الاتحاد الأوروبي"!
ومن المؤكد أن علاقة تركيا بالاتحاد الأوروبي وصورتها الدولية مهمة للغاية. ويأتي في مقدمتها الجانب الاقتصادي.. والشيء الذي ينبغي ملاحظته يتمثل في الآتي: إذا لم تواجه تركيا "الكيان الموازي" بشكل أكثر فعالية، فإنها لا تستطيع حماية استقرارها ونظامها الديمقراطي. والأهم من ذلك تشهد السياسة الخارجية الجديدة في تركيا قوة انتقاد الاتحاد الأوروبي، وحتى أي نظام في العالم كلما اقتضت الضرورة؛ بمعنى أن علاقة تركيا بالاتحاد الأوروبي قائمة على التكامل النقدي."
ماذا أقصد من "التكامل النقدي"؟.. رفض هذه الانتقادات، لا يعني قطع العلاقات وأواصر الصداقة..ليس انسجاماً غير مشروط ولا استسلاما.. ولعل اندماج تركيا مع الغرب والاتحاد الأوروبي واحدة من الخيارات الاستراتيجية الأساسية لها، مع أن هذا الخيار غير مشروط وغير قابل للتفاوض.
ينبغي أن تكون مسألة الاندماج مع الاتحاد الأوروبي مستقلة.. تستطيع تركيا من خلالها أن تحدد مصالحها الوطنية وأولوياتها منذ البداية. ثانياً ينبغي ألا يكون عائقاً لكشفها عن الظلم الذي يتبناه النظام العالمي، وما يجرى في الشرق الأوسط. وثالثاً ينبغي أن تستند العلاقات بين الجهات الفاعلة في العالم على الاحترام والتفاعل المتبادل.
وقد جعلت تركيا الجميع مستعداً لمجابهة ما يعوق تقدمها، لتحقيق هذا الاستقرار المنشود.