لم تعد قدرة وكفاءة وفعالية
المجلس العسكري التابع لتنظيم الدولة الإسلامية موضع شك وجدل، فقد برهن للجميع أنه يمتلك خبرة نظرية وعملية واسعة ويتوافر على رؤية استراتيجية صلبة. ولم تكن نجاحات التنظيم العسكرية وليدة المصادفات البحتة، كما لم تكن نتيجة المؤامرات المحضة، فقد عمد المجلس العسكري منذ تأسيسه على وضع جملة من الخطط والاستراتيجيات المحكمة، كما أن عملية السيطرة على الموصل وعدد من المحافظات السنية في العراق جاءت تتويجا لجهوده المتواصلة.
فقد أعلن المجلس في يوليو/ تموز 2012 عن بدء خطة باسم "هدم الأسوار"، تتضمن عددا محددا من "العمليات العسكرية / الغزوات"، وبعد مرور عام على الإعلان عن الخطة، تمكن المجلس العسكري في 21 تموز/ يوليو 2013 من تحرير قرابة ستمائة معتقل من قادة التنظيم من خلال شن هجوم مزدوج على سجني "أبو غريب"، الذي يقع غرب بغداد، وسجن التاجي في شمالها.
مع الإعلان عن انتهاء خطة "هدم الأسوار"، وضع المجلس العسكري للتنظيم خطة جديدة تهدف إلى السيطرة المكانية على المحافظات السنيّة في العراق، والتمدد والسيطرة على المحافظات السورية، وقد أطلق على الخطة الجديدة اسم "حصاد الأجناد"، في 29 تموز/ يوليو 2013، نفذ خلالها جملة من العمليات انتهت بعملية مركبة ومعقدة أسفرت عن سيطرته على مدينة الموصل في حزيران/ يونيو 2014، وانهارت أمام مقاتليه أربع فرق عسكرية عراقية بسهولة فائقة في عدة مدن ومحافظات عراقية، وقد تكرر ذات السيناريو في سوريا عندما انهارت قوات النظام السوري في محافظة الرقة كما حدث مع الفرقة 17، ومطار الطبقة العسكري، والأمر نفسه حدث مع انهيار قوات البيشمركة الكردية أمام تقدم جنود
تنظيم الدولة، قبل أن تتدخل القوات الجوية الأمريكية لصد واحتواء تقدم التنظيم في العراق في الثامن من آب/ أغسطس، ثم بناء تحالف دولي واسع لمنع تقدم التنظيم في سوريا بدءا من 22 أيلول/ سبتمبر الماضي.
تدرك الولايات المتحدة قوة وصلابة التنظيم ونواته الصلبة في المجلس العسكري وصعوبة تفكيكه وهزيمته، ولذلك لم تعد تحتفي كثيرا بمقتل زعمائه وقادته كما كانت تفعل مع اصطياد رؤوس قادة تنظيم القاعدة، فعندما أعلنت وزارة الدفاع الأميركية في 18 كانون أول/ ديسمبر الماضي مقتل عدد من قادة تنظيم الدولة الإسلامية في شمال العراق في ضربات جوية نفذها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة منذ منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر، لم تحتفل كعادتها وجاء بيانها متواضعا، حيث قال الأميرال جون كيربي المتحدث باسم وزارة الدفاع: "أستطيع أن أؤكد أنه منذ منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر، نجحت ضربات هادفة نفذها التحالف في قتل عدد من كبار قادة ومسؤولين من مستوى أدنى في جماعة الدولة الإسلامية"، ولم يحدد البيان هويات القتلى أو مواقع الضربات، وفي وقت سابق، قال مسؤول أميركي إن القتلى سقطوا نتيجة "سلسلة من الضربات الجوية التي نفذت خلال هذا الشهر على عدة أيام"، وقال: "أستطيع أن أؤكد أنه منذ منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر أتاحت الضربات الهادفة للتحالف قتل حاجي معتز وعبد الباسط وهما من كبار قادة الدولة الإسلامية".
حاجي معتز المعروف باسم أبو مسلم التركماني، هو قائد المجلس العسكري ومنسق الهجوم على الموصل، وهو الرجل الثاني في التنظيم بعد أبو بكر البغدادي، ومع ذلك لم تصدر عن الولايات المتحدة أي نظرة متفائلة بتأثير مقتله على التنظيم، الأمر الذي تعاملت معه جماعة الدولة الإسلامية ببساطة شديدة، والتزمت بسياستها القائمة على التكتم منذ بدء ضربات التحالف.
يعتبر المجلس العسكري المكوّن الأهم داخل تنظيم الدولة الإسلامية، نظرا لطبيعة التنظيم العسكرية، ولا يوجد عدد محدد لأعضائه بحسب قوته وتوسعه وقوته وضعفه ومساحة نفوذه وسيطرته، ويتكون تاريخيا من 9 أعضاء إلى 13 عضوا، وقد بدأ استخدام تسمية الجهاز بالمجلس العسكري عقب مقتل نعمان منصور الزيدي، المعروف بأبي سليمان الناصر لدين الله، الذي شغل منصب وزير الحرب في مايو/ آيار 2011.
يشغل قائد المجلس العسكري منصب نائب البغدادي، وكان الزرقاوي يحتفظ بالمنصبين، ثم تولى منصب القائد العسكري أبو حمزة المهاجر كوزير للحرب في حقبة دولة العراق الإسلامية وإمارة أبي عمر البغدادي، وفي ولاية الأمير الحالي أبو بكر البغدادي تولى منصب القائد العسكري حجي بكر، وهو سمير عبد محمد الخليفاوي، ثم شغل المنصب بعد مقتله في سوريا في كانون ثاني/ يناير 2014 أبوعبدالرحمن البيلاوي، وهو عدنان إسماعيل البيلاوي، الذي قتل في 4 حزيران/ يونيو 2014، حيث تولى رئاسة المجلس العسكري أبومسلم التركماني، وهو فاضل أحمد عبد الله الحيالي، المعروف باسم "أبو معتز"، و"أبو مسلم التركماني العفري"، الذي كان في ولاية نينوى. ويتكون المجلس العسكري من قادة القواطع، وكل قاطع يتكون من ثلاث كتائب، وكل كتيبة تضم 300 -350 مقاتل، وتنقسم الكتيبة إلى عدد من السرايا تضم كل سرية 50 - 60 مقاتل.
ينقسم المجلس العسكري إلى هيئة الأركان وقوات الاقتحام، والاستشهاديين، وقوات الدعم اللوجستي، وقوات القنص، وقوات التفخيخ، ومن قيادات المجلس العسكري أبو أحمد العلواني: وليد جاسم، وعدنان لطيف حميد السويداوي، المعروف بــ"أبي مهند السويداوي"، أو "أبي عبد السلام"، ومن المرجح تعيين أبو أحمد العلواني خلفا لأبي مسلم التركماني في منصب قيادة المجلس العسكري، وقد تم ضم القائد العسكري عمر الشيشاني إلى عضوية المجلس، ويقوم المجلس بكافة الوظائف والمهمات العسكرية، كالتخطيط الاستراتيجي، وإدارة المعارك، وتجهيز الغزوات، وعمليات الإشراف والمراقبة والتقويم لعمل الأمراء العسكريين، بالإضافة إلى تولي وإدارة شؤون التسليح والغنائم العسكرية.
ويعمل المجلس العسكري إلى جانب المجلس الأمن وهو أحد أهم المجالس في تنظيم الدولة الإسلامية وأخطرها، إذ يقوم بوظيفة الأمن والاستخبارات، ويتولى رئاسته أبو علي الأنباري، وهو ضابط استخبارات سابق في الجيش العراقي، ولديه مجموعة من النواب والمساعدين، ويتولى المجلس الشؤون الأمنية للتنظيم، وكل ما يتعلق بالأمن الشخصي لـ"الخليفة"، وتأمين أماكن إقامة البغدادي ومواعيده وتنقلاته، ومتابعة القرارات التي يقرها البغدادي ومدى جدية الولاة في تنفيذها، ويقوم بمراقبة عمل الأمراء الأمنيين في الولايات والقواطع والمدن، كما يشرف على تنفيذ أحكام القضاء وإقامة الحدود، واختراق التنظيمات المعادية، وحماية التنظيم من الاختراق، كما يقوم بالإشراف على الوحدات الخاصة كوحدة الاستشهاديين والانغماسيين بالتنسيق مع المجلس العسكري. ويشرف المجلس على صيانة التنظيم من الاختراق، ولديه مفارز في كل ولاية تقوم بنقل البريد وتنسيق التواصل بين مفاصل التنظيم في جميع قواطع الولاية، كما أن لديه مفارز خاصة للاغتيالات السياسية النوعية والخطف وجمع الأموال.
تبرز أهمية المجلس العسكري من طبيعة تركيبة تنظيم الدولة المسلحة، إذ يقسم مناطق نفوذه إلى وحداتٍ إدارية يطلق عليها اسم "ولايات"، وهي التسمية الإسلامية التاريخية للجغرافيا السكانية، ويتولى مسؤولية "الولايات" مجموعة من الأمراء، وهي التسمية المتداولة للحكام في التراث السياسي الإسلامي التاريخي، ويبلغ عدد الولايات التي تقع ضمن دائرة سيطرة التنظيم أو نفوذه 16 ولاية، نصفها في العراق، وهي: ولاية ديالى، ولاية الجنوب، ولاية صلاح الدين، ولاية الأنبار، ولاية كركوك، ولاية نينوى، ولاية شمال بغداد، ولاية بغداد، ونصفها الآخر في سوريا، وهي: ولاية حمص، ولاية حلب، ولاية الخير (دير الزور)، ولاية البركة (الحسكة)، ولاية البادية، ولاية الرقة، ولاية حماة وولاية دمشق، وتقسّم "الولايات" إلى "قواطع".
خلاصة الأمر أن تنظيم الدولة الإسلامية من أكثر الحركات الجهادية العالمية تطورا على المستوى الهيكلي التنظيمي والفعالية الإدارية، ويعتبر المجلس العسكري الأهم نطرا لطبيعة التنظيم المسلحة، فقد تطورت أبنية الدولة التنظيمية بالاستناد إلى المزاوجة بين الأشكال التنظيمية الإسلامية التقليدية، التي تكونت مع مؤسسة الخلافة، وتنظيرات الفقه السلطاني الذي يؤسس لمفهوم الدولة السلطانية، إذ يقوم على مبدأ الغلبة والشوكة والإمارة، إلى جانب الأشكال التنظيمية الحداثية لمفهوم الدولة الذي يستند إلى جهاز عسكري أمني وآخر إيديولوجي بيروقراطي، ومنذ السيطرة على الموصل تضاعف عدد أعضائه ليصل إلى أكثر من (100) ألف مقاتل، من العراقيين والسوريين، ويضم في صفوفه أكثر من (9) آلاف مقاتل عربي ومسلم أجنبي، إلا أن البنية الأساسية لقوات النخبة تصل إلى حدود (15) مقاتل، ولذلك لم تعد سياسة قطع الرؤوس التي تتبعها الولايات المتحدة كافية في زعزعة تماسك تنظيم الدولة الإسلامية.