ملفات وتقارير

مشهد يومي من طرطوس: شبان يحتجزون على الحواجز لساعات

تثير حواجز النظام السوري غضب السكان - أرشيفية
تثير حواجز النظام السوري غضب السكان - أرشيفية

شعر "ع.ت" وشبان آخرون بالضيق الشديد وصل حد الانفجار، عندما أوقفهم أحد الحواجز العسكرية أثناء رحلته اليومية من قريته في ريف طرطوس إلى مكان عمله في المدينة، حيث تأخر عدة ساعات بسبب حملة النظام العشوائية لجر الشبان بالقوة للتجنيد.

يقول "ع.ت" في حديث خاص لـ"عربي21" إنه خلال طريقه إلى العمل يقف على العديد من الحواجز العسكرية في مدينة طرطوس، هذه الحواجز التي أصبحت بمثابة "قطّاع طرق" بالنسبة له، لكن هذه المرة احتجزه حاجز مشفى الباسل لمجرد أنه من مواليد الثمانينات وما زال مدنيّاً.

يتابع: "هذا الحاجز التابع للأمن العسكري قام بالتدقيق بجميع بطاقات الشبّان التي تتراوح أعمارهم بين الثامنة عشرة والخامسة والثلاثين، حيث إلحاق العشرات من الشبّان بالقطعات العسكرية كاحتياطيين أو مجندين إلزاميين".

تحدّث "ع.ت" مطوّلاً عن تلك الساعات التي قضاها مع حوالي المئة شاب في غرفة صغيرةٍ على الحاجز، يقول: "كان جو الغرفة غريباً، فالعناصر الذين يدخلون ويخرجون كل خمس دقائق ومعهم المزيد من الشبّان، قد ينادوا باسم أحدهم ليأخذ بطاقته ويذهب، والجميع يشعر بشيء من الحنق، لكنّه يأمل الانتهاء من هذا الوضع بهدوء".

ويبيّن أنه "مع تقدّم الزمن والانتظار لساعات، بدأ بعض الموجودين يشعرون بأنهم باتوا في قلب الحدث، فقد راح بعضهم يتحدّث عن الشهادة كأنّها أمر مفروغ منه، وآخرون تحدثوا عن الانشقاق بأقرب فرصة، وفي إحدى المرّات سمعهم مساعد الأمن العسكري يتكلمون بصوتٍ عالٍ وقف على الباب وصرخ عالياً: انتباه. فصمت الجميع وراح (المساعد) يتحدّث عن الواجب "الوطني" لدقائق، ومن ثم بيّن لهم أنه سيطلق سراح من هم غير مطلوبين للخدمة، وذهب".

يقول "ع.ت": "ساد صمت رهيب، وكان يفصل بيننا وبين الانفجار شعرة، ومن ثم بدأت بعض الوشوشات تتزايد. وهنا شعروا بتوتر الجو، وخوفا من أن ينفجر الوضع، راح عناصر الأمن العسكري يعجلون في إطلاق سراح الشبّان، بعضهم كان مطلوباً للاحتياط، وأبقوا على عدد قليل منهم فقط في غرفة الحجز".

ويضيف: "الجميع كان يريد الخلاص من هذا المأزق، الجميع من دون استثناء وبأي طريقة، فهم لا يريدون القتال مع نظام الأسد، وأنا مضطر لعمل أي شيء لأستطيع إعالة عائلتي".

وردا على سؤال: لماذا لا تقاتل في صفوف النظام وتعيل عائلتك؟، قال "ع.ت": "لا أخاف الموت بقدر ما أخاف جوع عائلتي بعد مماتي، وأكثر ما يخيفني هو إحساس الشفقة على أحد أطفالي الذي فيما لو سئل عن أبيه ماذا سيقول أبي شهيد؟"، موضحا: "لا أريد لطفلي ان يقول أنا ابن الشهيد فلان والحسرة والقهر تعلو محيّاه، كل ما أريده هو فقط أن أعيل أطفالي دون شفقة أحد".

ويعتبر "ع.ت" أن جميع القوى المقاتلة على الأرض "قذرة"، وأن الفقراء سيدفعون الثمن. وهذا يعني أن إحجام هؤلاء عن دعم نظام الأسد لا يعني تعاضدهم مع نقيضه، بل إحجامهم عن كل ما يتعلّق بالوضع الجاري في سوريا.

ويقول "ع.ت" إنه سيعمل منذ الآن حطّابا في الأودية البعيدة، أو صانع فحم، ويعرف جيّداً أن لقمته غارقة بالعرق، لكنّ دمه ما زال يعطيه الأمل بغدٍ قد يكون أفضل.
التعليقات (0)