كتب
ياسين آقطاي: يصادف العام الجاري 2014، المئوية الأولى للحرب العالمية الأولى، وليكن في معلومكم أن كل الأزمات والمشاكل التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط في الوقت الحالي، ما هي إلا نتاج تلك الحرب التي مزقت المنطقة من خلال بث روح القومية بين أقوام كانت تعيش في وئام باعتبارها أراضٍ عثمانية.
وكل جزء تم تفكيكه من تلك الأقوام، أصبح تابعا لدولة أوروبية كبرى، تمارس نفوذها عليه. وبهذه الحرب أيضا، تم الإعلان رويداً رويداً عن مخطط لغرس إسرائيل كالخنجر في صدر المنطقة، وأثناء تطبيق تلك الخطة، بات الشعب الفلسطيني بدون أرض، وأضحت فلسطين منفى كبير من الشعب.
وكانت إسرائيل حينما تشتعل النيران في منطقة الشرق الأوسط، تقوم بتعميق احتلالها في الأراضي الفلسطينية بشكل ما، وكانت تواصل تحقيق مكاسب فعلية لها على الأرض. كانت لا تعترف بأي قرارات أممية منددة لقيامها ببناء مستوطنات جديدة في الأراضي المحتلة، كانت ولازالت تضرب بكل القرارات الأممية في هذا الشأن، عرض الحائط، وتواصل بناء المستوطنات، وحصار القدس، في مسعى منها لتضييق الخناق على الفلسطينيين من كافة الأنحاء.
وفي الوقت الذي انشغل فيه الجميع بالتركيز ببلاهة وحماقة على "كوباني – عين العرب" بسبب تنظيم "داعش"، وإرهابه، كانت إسرائيل، تختبر ردود الأفعال بارتكابها هجوما هو الأقبح منذ العام 1967، على المسجد الأقصى الذي يحمل قدسية خاصة لدى المسلمين. ويمكننا أن نُخمن الدرس الذي تعلمته من قياسها واختبارها ردود الأفعال حيال ما فعلت.
فقادة العالم الإسلامي الذين يدبرون انقلابات ويخططون لها ضد شعوب مقهورة مظلومة بمصر واليمن وليبيا، باتت لا يشغلها كثيرا أمر المسجد الأقصى. ومن ثم يكون من العبث أن ننتظر من هؤلاء أن ينبسوا ببنت شفا تجاه إسرائيل التي اغتصبت شرف وكرامة المسلمين، وكيف ننتظر منهم ذلك، وهم يرتكبون في كل يوم أفعالا امتهنوا بها شرف المسلمين، وجعلوه في الحضيض. ولا جرم أن هؤلاء القادة ليسوا المقصودين باختبار ردة الفعل الذي تمارسه إسرائيل التي ترى أن العالم الإسلامي بات في أيدٍ أمينة. ولما لا وإيران التي تعلن بين الحين والآخر أنها عدوة الصهيونية، وأنها وضعت الأسد على خط
المقاومة الأول ضد إسرائيل، لم تتحدث بشي، فأين هي؟
ومن ثم فإنه من المحتمل أن يكون المقصود من اختبار رد الفعل الذي قامت به إسرائيل، إنما هو أوروبا. فدولة فلسطين التي اعترفت بها بريطانيا، ثم السويد، وتستعد فرنسا هي الأخرى للاعتراف بها، قد اقتضت على إسرائيل، أن تكون شغوفة بمعرفة حدود ردود أفعال تلك الدول بعد هذه التطورات.
نحن الآن في العاصمة البريطانية لندن، للمشاركة في مؤتمر سينظمه وقف "العودة لفلسطين" في العاصمة البريطانية، بمناسبة الذكرى المئوية الأولى للحرب العالمية الأولى، هذا المؤتمر سينطلق يوم الأحد. لكن بما أننا هنا شاركت في عدة اجتماعات بمجلسي العموم واللوردات، وألقيت عدة كلمات في تلك الاجتماعات التي شارك فيها نواب من المجلسين، فضلا عن خبراء في الدفاع والأمن، ومدعوين آخرين من مجالات وقطاعات مختلفة، بعض هذه الاجتماعات كانت مغلقة، بينما كانت الأخرى مفتوحة للجمهور.
الفرق بين "داعش" و"الاتحاد الديمقراطي" (PYD)
يمكنني أن أنقل لكم ما قلته في بعض الاجتماعات المفتوحة التي حضرتها بلندن كما ذكرت. لكن ما أريد التأكيد عليه هنا، أنه كان هناك اهتمام واسع من المشاركين في الاجتماعات، بكيفية الدور الذي من الممكن أن تقوم به تركيا في مواجهة تنظيم "داعش" الإرهابي.
ولقد أدهش بعضهم، أن تركيا تضع "داعش" و"PYD" في كفة واحدة. وذلك لأن الأخير ـ "PYD" أصبح في وضع بطل الحريات، لمجرد أنه يواجه تنظيم "داعش". فمن المؤسف أن الإعلام الغربي بمرور الوقت بدأ يتعاطف مع "بي كا كا"، بعد أن تم الإيحاء بأن عناصرها من النساء اللائي يتجولن عاريات الرأس، وهن يحملن في أيديهن الأسلحة الكلاشينكوف.
ولأكرر لكم هنا الشيء الذي قلته في أحد هذه الاجتماعات. قلت لهم أن ما فعلته عناصر "PYD" من قبل في كل من "كوباني و"روج آفا"، أمور تجعلنا لا نراه – أي "PYD"- أقل خطورة من "داعش". لأن عناصر هذا الحزب، منذ بداية الثورة السورية، أخذ إذناً من "بشار الأسد"، وبدعم منه، لمواجهة الجيش السوري الحر، كما أنه أجبر جميع الجماعات الكردية غير المؤيدة له على الهجرة إلى إقليم شمال العراق.
وحينما ننظر إلى المسألة من هذه الزاوية، يتضح لنا أن ما فعله "PYD" من قبل في "كوباني"، يفوق بكثير ما فعله تنظيم "داعش" الإرهابي، لكن الفرق أنه حينما فعل ذلك، لم يقل أحد حينها، أو لم يفكر أي إنسان، في إن هناك مأساة تجري هنا. والمعلومات المعروفة للجميع، تقول إن إرهاب تنظيم "داعش"، استمد قوته الأساسية، من العرب السنة في أماكن كثيرة من العراق، ممن كانوا يبحثون عن فرصة للانتقام من رئيس الورزاء العراقي السابق "نوري المالكي"، واستمدوها كذلك من الأكراد الذين كانوا يبحثون ايضا عن فرصة للانتقام مما يفعله "PYD". لكن الرغبة في الانتقام لا تضفي شرعية على حركات الشعوب، بل على العكس من ذلك، تزج بهم في مواقف خطيرة يمكن من خلالها التحكم فيهم، وتوجيههم بكل سهولة.
لذلك أقول إن "داعش" والقوى التي تقف ورائه، وجدوا مصدراً خصباً من الطاقة القوية للغاية، وحصلوا على ضالتهم المنشودة في غضب الانتقام الذي امتلك على تلك الشعوب كل جوانحها على مدار 11 عاما.
والجميع بلا استثناء يعرف كيف يستخدم هؤلاء هذا المصدر الذي وقع في أيديهم. والسؤال: هل هذه الطاقة لا تنضب؟ بالطبع لا، لكن ليس بالضرورة غض الطرف عن الشكل الذي تُستخدم به هذه الطاقة، ولا اتخاذ خطوات من شأنها تحريكها بشكل أكبر في كل يوم.
خاص ترجمة وتحرير – عربي21 - يني شفق