قل لي أنت، ماذا تفعل لو وجدت أحدهم يخبرك بأن الشمس لونها أحمر، وأنها بلا قيمة، وأن القمر أهم منها، لأن الشمس تطلع بالنهار والدنيا منورة، أما القمر فيطلع بالليل حيث الظلام، ماذا تفعل لو رأيته يتكلم بمنتهى الجدية ويصرخ في وجهك كي تفهم وتعرف وتعلم ما لم تحط به علما؟، ستشتمه.
قل لي أنت ماذا ستفعل لو أخبروك أن الأهلي لم يهزم الزمالك 6/1، وأنه لا وجود للاعب اسمه خالد بيبو، وأن ما حدث في استاد القاهرة يومها كان فوتوشوب، وأن المباراة الحقيقية نتيجتها لصالح الزمالك، إلا أن المؤامرة الكونية على الفريق الأبيض هي السبب في تزوير التاريخ، علما بأنك كنت في الاستاد يومها، ماذا ستفعل مع من يخبرك بذلك؟، ستشتمه.
قل لي أنت ماذا تفعل إذا كنت مصريا هذه الأيام، تعيش في مصر، وتشرب من نيلها في المرات النادرة التي لا تكون فيها المياه مقطوعة، وتمشي في شوارعها إذا كان النور موجودا وبخير، وتشاهد تليفزيونها، تسمع ما نسمع وترى ما نرى، ماذا ستفعل في نفسك، في الناس، في عيالك، في المواصلات، في الشغل، ماذا ستفعل في دنياك إذا كان لك ربع عقل وتعيش في مصر، هنا والآن؟ وصلة شتيمة وصراخ وفش غل أفضل بالتأكيد من أن تلقي بنفسك في النيل، وأن تشنق نفسك بحبل وتتدلى من أعلاه على الطريق الصحراوي، الشتيمة أفضل من الانتحار.
يخبرونك أن الانقلاب العسكري عند الغرب المتآمر، ثورة عند الجيش العظيم، وأن الأحكام المسيسة عند النشطاء المتآمرين، شموخ عند الدولة المصرية العظيمة، وأن الاعتقالات والسجون للآلاف من المعارضين، التي تعد انتهاكات لحقوق الإنسان عند المغيبين المتآمرين، هي فضل وعدل عند حبيب الملايين، وذلك أفضل من أن يقتلهم؟ فماذا ستفعل؟
يخبرونك أن عليك أن تصبر على كل شيء، وأن تقدم كل شيء، وأن تجوع وأن تعرى وأن تعيش بلا ماء ولا كهرباء، وسط الزبالة، والخدمات المتدنية، وذلك من أجل مصر، في الوقت الذي تجدهم فيه، هم أنفسهم، أكثر المستفيدين من مصادر الثروة في مصر، الممتلئة بالخيرات، كما يقول أهلها، ماذا ستفعل؟
يخبرونك أن يناير مؤامرة، ثم يخبرونك أن الجيش حمى الثورة، ثم يخبرونك أن الرئيس مبارك وطني وتنحى لحماية مصر، ثم يخبرونك أن الجيش أجبر مبارك على التنحي استجابة لمطالب الجماهير، ثم يخبرونك أن الجيش جلس مع شباب الثورة الطاهر، ثم يخبرونك أن السيسي مدير المخابرات الحربية آنذاك التقط معهم الصور، وترى الصور بعينيك، ثم يخبرونك أن وائل غنيم، الواقف بجوار السيسي في الصورة يضحك، خائن، وأنهم رصدوا له مقابلات، وحركات، واكتشفوا أنه يشخر بالليل شخرا متواصلا يتسبب في إيقاع الفتنة الطائفية بين العقلاء والعسكريين ويضر بالأمن القومي المصري، ويُصلح ساعات .. ماذا ستفعل؟
يخبرونك أن السيسي لا يريد مقابلة أوباما، وأن أوباما يوشك أن يموت شوقا وتحرقا لهذا اللقاء، حتى تشك في الرئيس الأمريكي من كثرة الشوق والتحرق، خاصة مع وجود ثابت موضوعي وتاريخي وأيديولوجي يفيد بأن السيسي "دكر"، ثم تجد السيسي "مرميا" في الولايات المتحدة ولا يقابل إلا العالم الكسر، حتى يأذن أوباما ويتعطف بلقاء على الماشي، ماذا ستفعل؟
يخبرونك أن إلغاء الدعم، وغلاء الأسعار لمصلحة الفقير، إي وكتاب الله المجيد، الفقير يستمتع أكثر مع إلغاء الدعم عن السلع، الفقير ينبسط من إلغاء الدعم، ويرقص فرحا وطربا وابتهاجا، ثم يخبرونك أن الزعيم السيسي على خطى الزعيم عبد الناصر، ثم يخبرونك أن السيسي ألغى الدعم، وأن واحدا من أهم إنجازات ناصر هو الدعم، ثم يخبرونك أن عبد الناصر ملحد، ولا يؤمن بالصلاة والصيام، ثم يخبرونك أن الرئيس مؤمن وحافظ قرآن، ثم يخبرونك أن الديك يبيض، وأن الفرخة تلد، وأن السمك يتغذى على الحيوانات المفترسة في غابات السافانا، ماذا ستفعل؟
يخبرونك أن مرسي يحاكم بتهمة التخابر مع قطر، ثم يخبرونك أن له قضية أخرى في التخابر مع حماس، وأنه سرب معلومات لقطر، وأنه سرب معلومات لحماس، حتى تكاد تقسم أن مرسي سرب معلومات أكثر مما حكم مصر، ثم يخبرونك أنهم لم يمنحوه معلومات صحيحة أصلا، ثم يخبرونك أن الذي قال أنهم لم يمنحوه معلومات ليس منهم، مع العلم أنهم هم أنفسهم كانوا يخبرونك طوال الوقت أنه منهم، يخبرونك أن مرسي يحاكم بتهمة تسريب معلومات، في نفس ذات الوقت الذي لم يمنحه أحد فيه معلومات أصلا .. أرجوك قل لي ماذا ستفعل؟
يخبرونك أنه زمن الحرية والديموقراطية، ثم يغلقون الجرائد، والقنوات، ويوقفون البرامج، ويمنعون المعارضين من السفر، ويشوهون الحركات المدنية ويتهمونها بالضلوع في المؤامرة الكونية، يشطبون غير مرة على اختيارات ديموقراطية، ويجبرونك على حكمهم بقوة السلاح، ثم يخبرونك أن الإرهاب الغاشم هو سبب توقف مسيرة الديموقراطية، وأنه من يقطع النور والمياه، وأنه يكره السيسي، ويحقد عليه، ويتسبب في "عكوسات" للدولة المصرية العظيمة.
يشتم باسم يوسف خالد أبو بكر والسيسي في جملة واحدة، فيغضب خالد على شتيمة السيسي، بينما تمر شتيمة والدته على مسامعه مرور الكرام، عادي، يقوم المحامي بدور المخبر ويشي بباسم على تويتر في بلاغ وطني من الصنف الفاخر، فيما يتولى بقية المخبرين بإخبارنا بأن "التعريض" فضيلة وطنية، وأن من يعرضها للسيسي إنما يعرضها للوطن، وأن باسم وأمثاله تطاولوا على السيسي وعلى حكم العسكر الذي منحهم التعليم المجاني الذي لولاه ما عرفوا الألف من كوز الذرة، دعم التعليم إذن هو منحة العسكريين للمواطنين عبيد إحساناتهم، ولولاهم ما ولدتنا أمهاتنا، وعلينا أن نصون الجميل لمن قدمه، والذين جاءوا من بعده، واتبعوا سنته، فاكر: هم أنفسهم الذين كانوا يخبرونك منذ أيام بأن إلغاء الدعم لصالح الفقراء، وأن الفقراء في منتهى السعادة، لكنه الدعم الذي يجب أن تحترمهم من أجله، أي دعم؟ الذي ألغوه، ماله؟، احترمه، أحترم ماذا؟ الدعم، أي دعم؟ الملغي، ها؟ قل لي أنت ماذا سنفعل؟
تبدو الشتيمة هنا علاجا وقائيا لأمراض السكر والضغط وضعف المناعة وتشنج الأعصاب، والمفاصل، وانسداد الشرايين والأوردة، والسكتات القلبية والدماغية، والجلطات بجميع أنواعها، والإيدز، إذا لم يجد الكفتة، وأمراض الذكورة والأنوثة، والعفونة، و"المحن"، وكل ما جد من أمراض الوطنية الجديدة.
جريمة إعلام السيسي الأبشع، والأكثر سفالة وانحطاطا، ربما أكثر من خيانتهم لثورة بلادهم وآمالها في التحرر، هي أنهم يفسدون على الناس معنى الوطن، فيتحول الوطن من الأرض والتاريخ والحضارة والذكريات، والفطرة الإنسانية في الانحياز والركون، إلى أن يصبح الوطن ناصر، والوطن السادات، والوطن مبارك، والوطن السيسي، أو كما قال الأستاذ هيكل للسادات: "سعادتك حضرتك البلد، حضرتك مصر"، وأنت الشعب والشعب أنت، وتصبح معارضة الجنرال هي معارضة للوطن، ورفض الحكم العسكري هو رفض للوطن، وكراهية طاغية هي كراهية لمصر، ومقاومة طبقة من اللصوص، ينهبون ثروات البلاد ويتسببون في إفقار الملايين وتجويعهم وتشريدهم وإغلاق أبواب المستقبل في وجوههم، هو حقد على الوطن وعلى مصر وعلى الشعب وعلى الجماهير العريضة، يتجاوز هذا ما يسميه الإعلامي المخبر "أبو فيست" بالتعريض، إلى ما هو أوسخ من التعريض ومن المخبر على حد سواء، يتجاوزه إلى القضاء المنظم والممنهج على الإنسان المصري ووعيه وقدرته على الفهم والدراية والوعي بما يدور حوله، ومن ثم قدرته على التغيير والفعل الإنساني.
والآن أخبرني، حين يحيط بك كل هذا الهراء، ويخبرونك أنه في حالة التنفس أكثر من المستوى المطلوب والضروري للاحتفاظ بالحياة فأنت خائن للوطن، وغير مقدر للظرف والمؤامرة، وعليك أن تصبر، وأن تؤجل اعتراضاتك، وأن تخرس، وأن تسلم وتستسلم تماما، وليس أمامك من طريق آخر، الورق ورقنا، والدفاتر دفاترنا، والإعلام لنا، في الشوارع جنودنا، وفوق الرؤوس وخلف الظهور أسلحتنا، و(هو كده وإذا كان عاجبك) .. ماذا ستفعل؟
تبدو الشتيمة هنا ضرورة إنسانية وواجب طبيعي وبيولوجي وسيكولوجي، وكما قال الزعيم الملهم: من الطبيعي أن يكون عدد المعتقلين كبيرا، وذلك أفضل من قتلهم، نقول أيضا: من الطبيعي أن يكون عدد الشاتمين كبيرا، وذلك أفضل من قتلهم، اشتم يا عم ربنا يفك سجنك ..
الشتيمة خير من الموت.
18
شارك
التعليقات (18)
مصرى حقيقى
الأحد، 05-10-201405:48 ص
انا ارسلت تعليق سابق ولم تنشره لانك غير قادر على التكلم بالمنطق ، لأنك لم تتعلم فى حياتك غير الشتيمة وسب الأشراف والكذب ، بهذه الصفات يتضح معدنك . خسارة تضييع الوقت فى هذه الصفحة .
محمد
السبت، 04-10-201403:32 م
حسارة فيهم الشتيمه الفلول ملهومش قيمه
Khaled Ibrahiem
الجمعة، 03-10-201409:37 ص
حدثت أغلب - أو أكبر- آيات القرآن الكريم عن الظلم والطغيان و خلط الأوراق
على أرض مصر المهروسة
و مازالت الآيات تترى..ربّما بعمق و قسوة أكبر
و لو كان هناك قرآناً يُنزّل..
لربّما جاءنا بأعظم من آيات إمرأة العزيز..و فرعون !!
------
مقالكم-أستاذنا "الشاعر محمد طلبة رضوان"
هو حول صميم العبث الأبله بالعقول
خرج من عمق البؤس..و الفوضى ..و حتمية تمام الإنهيار
meghanem
الجمعة، 03-10-201408:56 ص
بدنجان
هشام
الخميس، 02-10-201410:33 م
كلما ضاق صدرك وأحسست بالظلم والقهر فقل " حسبنا الله ونعم الوكيل "