ملفات وتقارير

سلفيون يدعون لمراجعة أفكار جهاديي المغرب

شباب سلفيون يحاولون كسر نمطية التنظيم - أرشيفية
شباب سلفيون يحاولون كسر نمطية التنظيم - أرشيفية
لباس وقسمات وجوه و"أعلام توحيد" تزين بها صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، لا تعبر إلا عن صورة نمطية دارجة في الإعلام المحلي والدولي تنسبهم لتنظيمات مسلحة متطرفة ذاع صيتها في الآونة الأخيرة بالمغرب، لا يدين منتسبوها إلا بعقيدة القتل والدم.

إلا أن كتاباتهم وبعض نشاطاتهم تكشف عن شباب سلفي يدعو لمراجعة أفكار تيار السلفية الجهادية و"هدم أصنامه" و"إعمال العقل" في قراءة نصوص تراثه؛ فالسياسة والمُجتمع على ما يقولون "مُعترك للتدافع والتراكم التاريخي".

بعض هؤلاء نجحوا في كسر نمطية الصورة الرائجة عن الشباب السلفي المُلتحي والمُتسربل بلباسه الأفغاني، الوفي لفتاوى مشايخه، سواء بعد أن خاض من منطلق تجربة ذاتية "سجالا فكريا داخليا"، انفتح خلاله على قراءات ناقدة لتراث السلف وأخرى داعية إلى إعادة النظر في قطعيات هذا الفكر ووضعه في سياقه التاريخي، فيما قادت مرارات الاعتقال ومحن السجون البعض الآخر إلى القيام بمراجعات فكرية وُصفت بالـ"جريئة"، دفعت بهم إلى حد التطبيع مع الأنظمة القائمة، والقبول بالمشاركة في الحياة السياسية.

 أحد هذه الوجوه التي بدأت تثير اهتمام المتتبعين في المغرب، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، الشاب "المرتضى أعمرشا"، الإمام والخطيب السلفي السابق بإحدى مدن الشمال المغربي، وخاصة بعد مجاهرته بمواقف منتقدة للتراث السلفي، ولا تخلو من لهجة الداعي لخلخلة "مسلماته القديمة" وتجديد "خطابه التقليدي" وتنقيته من كل فكر متطرف ينزع إلى الغلو.

ويسرد "أعمرشا" رحلته الفكرية المُضنية التي خاضها منذ العام 2003 لإعادة قراءة التراث الذي استند إليه ولسنوات في صياغة رؤيته الشخصية حول الدين والمجتمع والسياسة.

فبعد أن راكم قراءات متعددة لتراث الفكر الإسلامي، كان هذا الشاب -على حد قوله- أمام خيارين لا ثالث لهما، فإما "غضُ الطرف عن الأزمة التي يعيشها الخطاب الإسلامي والانخراط في الجو السائد للتيار الذي ينتسب إليه"، أو "الخروج عن هذه النمطية والجهر -مهما كانت العواقب- بما يراه تناقضات وتداخلات تنخر بناءه العقائدي للتيار السلفي".

"أعمرشا" تجاسر في التعبير عن آرائه ومواقفه بخصوص الغلو الديني ورفضه لـ"تطرف" بعض التنظيمات وما تُلحقه أفكارها "الشاذة" من أعطاب في المجتمع، رغم التهديدات التي تلقاها بـ"التصفية الجسدية" في أكثر من مناسبة، على حد ما ذكره أعمرشا.

ووفق ما ذكره أعمرشا، فهو لا يستند في "دحض" بعض مسلمات الفكر السلفي فقط إلى المعجم "الإسلام المعتدل"، بل انفتح على مؤلفات الفلسفة الحديثة وأطروحاتها بشأن الدولة المدنية والمواطنة والديمقراطية، معتبرا أن أولى الخطوات في اتجاه "نفض غبار التقليد والغلو عن الفكر الإسلامي"، تتمثل في رفع "القداسة عن الآراء والأشخاص وفتح باب التداول والتعبير الحر"، على حد قوله في حديث للأناضول.

ولم يجد هذا الخطيب السابق أفضل من مواقع التواصل الاجتماعي وفي مقدمتها "فيسبوك"، فضاء لتبادل الأفكار والآراء، بشأن ما يقض مضجع الآلاف من الشباب المغربي من أسئلة تتعلق بواقع الحل والمآل، في ظل مشهد سار عليه المئات من أقرانهم الذين غادروا أسرهم ومقاعد دراستهم وأعمالهم، للقتال في صفوف تنظيمات تعتنق "القتل الوحشي" منهجا، حسب وصفه، بعد أن استسلمت عقولهم وقناعاهم لحملات الحشد والتجنيد التي غالبا ما يكون  فضاء الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي مسرحا لها.

ويرى "المرتضى أعمرشا" أن استقطاب التنظيمات المتطرفة للشباب ينطلق من شحنهم بفكرة مفادها أن "الحق واحد وأن هناك جماعة واحدة تدافع عنه"، وأن من يريد نصرة "ذلك الحق" وجب عليه البحث عن ''تلك الجماعة" في موطن إقامته أو حتى الالتحاق بها في الخارج، مؤكدا أن شرائح واسعة من أبناء التيار السلفي واع بخطورة ما يرتكبه تنظيم "الدولة الإسلامية" في كل من سوريا والعراق من فظاعات "ستدفع حتى حاملي هذا الفكر المتطرف إلى مراجعة أفكارهم" على حد تعبيره.

وفيما قادت التفجيرات الإرهابية التي هزت مدينة الدار البيضاء المغربية في 16 من مايو/ أيار 2003 المئات من منتسبي التيار السلفي إلى غياهب السجون المغربية، إما بتهمة المشاركة في التدبير والتخطيط لهذه الأعمال الإرهابية، أو توفير القاعدة الفكرية والتنظيرية لها، خرج "عبد الوهاب رفيقي" الملقب بأبي حفص، أحد أبرز شيوخ التيار السلفي في المغرب، من مرارات هذه التجربة بفكر متجدد، وإقبال على الانخراط في شؤون الحياة العامة في بلاده، خاصة في شقها الفكري والثقافي.

فبعد اعتقاله على خلفية أحداث سنة 2003 الإرهابية، ووضعه على قائمة المنظرين الفكريين لها، حُكم على "عبدالوهاب رفيقي" حوالي 25 سنة سجنا نافذ  قبل أن يُصدر العاهل المغربي عفوا عن 196 سلفيا من بينهم "الشيخ أبو حفص"، وذلك على خلفية موجة الاحتجاجات الواسعة التي شهدها المغرب مع بداية الربيع العربي، والتي رفع فيها المتظاهرون شعارات تطالب بالإفراج عن المعتقلين السياسيين من بينهم معتقلين إسلاميين على خلفية أحداث 16 من مايو/ أيار سنة 2003 والذين لم يثبُت تورطُهم فيها.

ومع خروجه من السجن، استعاد رفيقي نشاطه الفكري والدعوي، ليبادر بالانضمام لحزب النهضة والفضيلة (إسلامي)  الخطوة التي اعتبرها مُراقبون أول دخول لقيادات من الصف الأول في التيار السلفي في المشهد الحزبي المغربي وإدماجهم في الحياة السياسية وقبلها تأسيسه إلى جانب شيوخ سلفيين مفرج عنهم لجمعية دعوية تدعى "جمعية البصيرة للتربية والدعوة"، وبدأ خلال شهر رمضان الماضي في تقديم برنامج ديني على أمواج إحدى الإذاعات الخاصة في المغرب.

كما ينشط هذا الشيخ السلفي بشكل لافت على شبكات التواصل الاجتماعي، ويبادر بطرح مواضيع إشكالية تساءل الموروث الثقافي والديني الإسلامي وتستفز تعليقات آلاف متتبعيه من الشباب.

في المقابل، لم تتوان تنظيمات متطرفة كـ"تنظيم الدولة الإسلامية" من توجيه تُهم بـ"الكفر والخروج عن الملة" لشيخ "عبد الوهاب رفيقي" ومعه عدد من شيوخ التيار السلفي في المغرب، واصفة إياه في إحدى أشرطتها المنشورة على شبكة الإنترنت بـ"المترفض العلماني".

وكان رفيقي، حذر في وقت سابق الشباب المغربي من الاستجابة لدعوات التنظيمات الجهادية بالسفر للقتال في معسكراتها بالعراق وسوريا وغيرها من بؤر التوتر في العالم الإسلامي، فيما أفرد مقالات وجه فيها انتقادات لاذعة لممارسات تنظيم الدولة الإسلامية، معتبرا في ذات الآن أن فكر هذه الجماعة وجرائمها لا يمكن فصله عن تراث "الجماعة السنية" وتاريخها الذي تجب مراجعته.

ودعا في مقاله الذي حمل عنوان "بين داعش والخوارج" والذي أثار سجالا واسعا بينه وبين عدد من شيوخ التيار السلفي في المغرب إلى "ضرورة المراجعة الدائمة للتراث وتحديثه وتحيينه مع المتغيرات المجتمعية، بما لا يمس أصوله ومسلماته، لكن أيضا بما لا يجعله تربة خصبة لكل نفسية متطرفة قبلة للعدوان".

وتزداد المخاوف في المغرب من تهديدات إرهابية من المحتمل أن تستهدف أراضيه حذرت منها قبل أسابيع سلطات البلاد، وذلك بعد توعد شباب مغاربة يقاتلون في صفوف الدولة الإسلامية  في كل من العراق وسوريا بالعودة إلى موطنهم الأصلي "للانتقام" عبر تنفيذ عمليات إرهابية، في ظل تقديرات رسمية مغربية تشير إلى أن أعداد المغاربة المُجندين في صفوف تنظيم "داعش" يتراوح ما بين 1500 إلى 2000 مقاتل من ضمنهم مغاربة قدموا من دول أوروبية للالتحاق  بمعسكرات هذه الجماعة.

وتشدد القوات الأمنية المغاربة مراقبتها للحدود البرية المغربية خشية تسلل مقاتلين من هذا التنظيم إلى أراضيها أو محاولة آخرين مغادرة ترابها في اتجاه بؤر التوتر في كل من العراق وسوريا، فيما أعلنت المصالح الأمنية المغربية الجمعة الماضية، اعتقالها لشخصين مواليين لتنظيم الدولة الإسلامية قبل مغادرتهما البلاد للالتحاق بمعسكرات هذا التنظيم.
التعليقات (0)

خبر عاجل