"
أبو الدحداح الاسم الذي اختاره لي أبو أسامة العراقي، فعندما بدأت بالقتال مع "الدولة الإسلامية" قيل لي بأنني يجب أن أغير اسمي، لم يرقني الاسم في بداية الأمر، لكنني اعتدت عليه بعدها".
هكذا أجابني الشاب
الحلبي صافي الذي ترك تنظيم الدولة بعد خروجه من القرية التي يقطن فيها شمالي مدينة حلب، عندما سألته عن اسمه.
كانت لي مع صافي لقاءات متكررة، وهو في كثير من الأحيان يؤجّل الإجابة عن أسئلة أطرحها عليه، ويعود في اليوم التالي بجواب شرعي بحسب تعبيره. وإلى فترة قريبة كان يدافع عن التنظيم بشكل عنيف، لكنه منذ منتصف رمضان الفائت بدأ يغيّر موقفه ويتراجع عن بعض المواقف المسبقة، خاصة عندما رأى مقطع فيديو يقوم فيه عناصر التنظيم بقتل المدنيين ورميهم في النهر دون رحمة.
يقول: "سهرت مع أحد أصدقائي المناصرين للتنظيم حتى الخامسة صباحا وأنا أخبره بأن هذا العمل إجرامي ولا يمتّ للإسلام دين الرحمة بصلة، لكنه لم يقتنع".
"أبو الدحداح" اسم لا يدلّ على حامله اللطيف الهيئة، والذي يعمل منذ أشهر ببيع المواد الغذائية، ويستغرب الجيران من انضمامه للتنظيم، ذلك أن معظم أبناء المدينة لم يفعلوا ذلك. ويتساءل بعضهم عن تغير موقفه؛ فصديقه عماد يعتقد بأنه لم يغيّر موقفه بل بات يخاف من أن تعتقله بعض الكتائب التي قامت باعتقال صديقيه منذ فترة وجيزة بتهمة مناصرة التنظيم. أما صافي فيخبرني بأنه لا يخاف منهم، فهو على حقّ ولم يحمل السلاح أيام الاقتتال.
الكثير من المدنيين الذين لم يحملوا السلاح باتوا يحرصون على اتخاذ موقف وسطي، فأحد الحلاقين في مدينة حلب واسمه رامي، يقول بأنه لا يستطيع البقاء في المدينة حين سيطر التنظيم عليها، فحكمهم حكم جائر، بحسب تعبيره.
ويضيف أن أصدقاءه الحلاقين، هربوا من مدينة الباب الواقعة تحت سيطرة "تنظيم الدولة"، وذلك بسبب التضييق عليهم.. فقد منع عناصر التنظيم "موس الحلاقة" ومنعوا حلاقة الشعر بالمقص، فإما أن يحلق الشعر بالكامل أو يترك، ويمنعون اقتلاع الشعر بأي شكل من الأشكال!
ويكمل رامي محبطا: "لوين بدنا نروح، لا بتركيا منقدر نشتغل ولا هون ولا عند النظام، عايشين بانتظار الفرج".
وبالعودة إلى صافي (أبو الدحداح) الذي كان يتفاخر بقواعد سلفية تعلمها أثناء وجوده مع تنظيم الدولة، فقد روى لنا قصة جنازة عمه، التي استطاع ضبطها بكل قوة، إذ منع صلاة الظهر حين كان التابوت أمام المصلين، ثم زجر رجلا كان يقوم بتلقين الميت بعد دفنه، ومنعه من ذلك بحجة أنها بدعة.
وينهي حديثه قائلاً: "يومها كنت ألبس اللون الأسود وأضع عصبة تنظيم الدولة وأحمل بارودتي فلم يستطع أحدٌ أن يردّ علي بحرف، وشعرت بالنصر فقد استطعت تعليم الناس الدين الحقيقي رغم أنفهم، لكنني اليوم أحسب حساب الكلمة التي أنطقها".
يذكر أن مقاتلي الجيش الحر باتوا يتخوفون من العناصر الذين كانوا يقاتلون تحت راية تنظيم الدولة وبقوا في مناطق سيطرة الجيش الحر، خاصة بعد انضمام "لواء داود" الإدلبي للتنظيم في خدعة غير مسبوقة استطاع عبرها الانتقال بعناصره وأسلحته وعتاده من ريف إدلب إلى ريف الرقة والانضمام للتنظيم هناك بدل قتاله، كما ادّعى يومها.