قضايا وآراء

جماعة الحوثي.. سياقات النشأة والمشروع والعلاقة بإيران (1)

حمزة المجيدي
1300x600
1300x600
مع سقوط مدينة عمران في أيدي جماعة الحوثي، وتمكنهم من الاستيلاء على اللواء 310 الواقع في المدينة، وقتلهم لقائده اللواء حميد القشيبي، ووصولهم إلى مشارف العاصمة اليمنية صنعاء، عادت الأسئلة مجدداً عن جماعة الحوثي مستفسرة عن سياقات نشأتها، ومشروعها السياسي -إن كانت تمتلك مشروعاً- وعلاقتها بإيران، ولا أدعي هنا الاجابة عن هذه الاسئلة حيث لما يزل مشروع الجماعة غامضاً وغير محددة توجهاته، إلا أن ثمة ارهاصات يمكن من خلالها تتبع خيوط هذا المشروع والكشف عن بعض جوانبه، نحاول في السطور القادمة تقديم قراءة سريعة عن جماعة الشباب المؤمن "الحوثي" من خلال التطرق الى سياقات  نشأتها وتطورها،  ونستكمل في الجزء الثاني الحديث عن مشروعها السياسي وعلاقتها بإيران.

سياقات النشأة والتطور: 

تعرضت الزيدية في اليمن -وهو المذهب الذي تنتمي إليه جماعة الحوثي- لانتكاسة في العام 1962 تمثلت في سقوط الدولة الإمامية الزيدية -والتي حكمت شمال اليمن عدة قرون- عن طريق الثورة الجمهورية التي قادها ضباط جمهوريون في الجيش اليمني، وقد أدخلت تلك الثورة اليمن بحرب اهلية شاركت بها أطراف إقليمية بزعامة كل من النظام السعودي الذي وقف بجانب الحكم الإمامي الزيدي خشية من تمدد الثورات الجمهورية ووصولها  إليها، والنظام المصري الذي كان يغذي الثورات الجمهورية والذي سرعان ما أرسل ألوية من الجيش المصري لدعم الثورة الجمهورية، وقد استمرت تلك الحرب الأهلية حتى عام 1967 حيث اتفقت كل من مصر والسعودية على سحب الجيش المصري لجنوده من اليمن والإعلان عن قيام الجمهورية اليمنية، ومنذ ذلك الحين انكمش المذهب الزيدي وانكفأ على نفسه في مناطقه أقصى شمال اليمن. 

وفي عام 1990، ومع توحد اليمنيين الشمالي والجنوبي وحيث تمثل الشافعية الأغلبية المطلقة في الجنوب وهو ماشكل تغيراً ديموغرافياً في تركيبة الشعب اليمني وجدت الزيدية نفسها كأقلية في الجمهورية اليمنية الجديدة،  وازدادت الأمور سوءاً بالنسبة للزيدية مع انتشار المذهب السلفي في الأوساط اليمنية واتخاذها لمنطقة دماج في محافظة صعدة -في قلب المناطق الزيدية- مقراً لدراسة العلم الشرعي والحديث بزعامة مقبل الوادعي، واجتذب هذا المركز طلاب العلم السلفيين من داخل اليمن وخارجها، وهو ما اعتبره الحوثي استفزازاً مقصوداً يهدف الى نشر المنهج السلفي في الأوساط الزيدية، ويشكل تهديداً للوجود الزيدي في اليمن. 

وعلى ضوء ذلك نشأت جماعة "الشباب المؤمن" في عام 1992 والتي عرفت لاحقاً باسم زعيمها حسين بدر الدين الحوثي بجماعة الحوثي وبزعامة روحية لوالده بدر الدين، مطالبة في بادئ الأمر بطرد السلفيين من دماج -وهو ماقامت به الجماعة مؤخراً بعد حصار وقتال دام لعدة أشهر انتهت باجلاء السلفيين من دماج- ومؤسسةً لمنتدى ثقافي واجتماعي يجمع الزيديين، ثم ما لبثت الجماعة بالمطالبة بحقوق سياسية واجتماعية، كاستدخال المذهب الزيدي وتاريخ الحكم الإمامي الزيدي في المناهج الحديثة والتي رأت فيها قصوراً متعمداً بحق المذهب وتاريخه السياسي في اليمن.

وسرعان ماتحولت الجماعة إلى جماعة مقاتلة -وهو أمر طبيعي نظراً لهشاشة الدولة اليمنية وعدم احتكارها للعنف أولاً، ولطبيعة الجماعة القبلية والمذهبية- واصطدمت مع الدولة اليمنية الهشة في ست حروب متوالية، حيث  اتهمتها الدولة حينها بتشكيل تنظيم مسلح يهدف إلى إسقاط الجمهورية اليمنية والعودة إلى الحقبة الإمامية، فخاضت الجماعة من العام 2004 وحتى مشارف العام 2010 ست حروب مع الجيش اليمني، شهدت الحرب السادسة دخول المملكة العربية السعودية كطرف في الصراع، وذلك إثر سماحها للجيش اليمني بالعبور من أراضيها ومقاتَلة الحوثي، وهو ماردت عليه الجماعة بالتوغل في الأراضي السعودية والقتال فيها، وانتهت الحرب باتفاق يقضي بعودة الحوثيين إلى الأراضي اليمنية وهو ما أدى إلى سيطرته على محافظة صعدة وأجزاء من محافظتي الجوف وحجة، أقصى شمال اليمن، على الحدود السعودية اليمنية.

ومع اندلاع الثورة اليمنية، أعلنت جماعة الحوثي انضمامها الى ما أسمته بثورة الشباب وأعلنت عن تحرير محافظة صعدة من سلطة نظام علي عبدالله صالح، وهو مالاقى قبولاً واسعا ًفي أوساط القوى الثورية، ومع دخول الجماعة إلى ساحات الاعتصام شهدت الساحات مناوشات بين أنصار الحوثي والقوى السياسية الأخرى تعلقت بتصدر المشهد الثوري والتمثيل الشبابي في المنصة وغيرها، ثم مالبثت الثورة أن دخلت منعطفاً تفاوضياً أفضى إلى توافق القوى السياسية على المبادرة الخليجية التي رفضها الحوثي ورفض الاعتراف بمخرجاتها، وظل أنصاره معتصمين في الساحات. 

وبموازاة هذا المسار، استغلت الجماعة حالة السيولة وانهيار ما تبقى من منظومة الدولة في اليمني إبان الثورة، فأخذت بالتوسع في المحافظات المجاورة لمحافظة صعده ودخلت في صراعات مع القبائل وعناصر الجيش هناك، وتمكنت من فرض سيطرتها على ثلاث محافظات على الأقل حتى الآن، وقد استغلت الجماعة خطاب المظلومية المتمثل في حروبها الست مع الدولة، والتي خلفت دماراً هائلاً في محافظة صعده لتبرير نزوعها التوسعي والعنيف هذا، وتقديم ما جرى على أنه محاولة للثأر ممن ساعد في تلك الحروب. 

وباتت الجماعة اليوم على مقربة من العاصمة صنعاء، ولا يعلم أحد ما هي الخطوة التي ستتخذها الجماعة، ففي حال قامت الجماعة باقتحام العاصمة صنعاء ضمن مشروعها التوسعي فإن ذلك سيدخل البلاد في حرب أهلية شاملة، وسينهي قروناً من التجاور والتآخي -وليس فقط التعايش- بين اليمنيين، إلا أن الجماعة تبدو مدركة للنتائج التي ستحدثها خطوة كهذه، وتحاول فرض سيطرتها على المناطق المجاورة لصنعاء ليصبح لها قوة تفاوضية في المستقبل تستطيع من خلالها فرض شروطها على أي حكومة جديدة، وربما تنال حكماً ذاتياً في شمال البلاد بموجب تلك المعادلة التي فرضتها الجماعة من خلال توسعها وسيطرتها على عدة محافظات. 
التعليقات (0)