كتب سرمد الطائي: خلاصة الشهرين الماضيين يجب ان تكون في ابلغ صورها خلال جلسات البرلمان، حتى تكليف رئيس الجمهورية لمرشح الكتلة الاكبر. ما حصل من انهيارات وادى الى تشريد مئات الالاف في هذا الصيف، ينبغي ان يجعل كثيرين يتذكرون الى اي مدى كانوا متساهلين مع الاخطاء.
ما حصل قال لنا مرة اخرى، كما في كل النكسات مع صدام حسين او غيره، ان العراق مركبة معقدة الصناعة صعبة القيادة، لا يحسن بنا التساهل في منح زمامها لأي كان.
لقد بانت اليوم خطورة التهاون في اختيار القادة، وخطورة التقليل من مخاطر وجود ناقصي المهارات داخل غرفة القرارات الكبرى. اسوأ ما يمكن ان يحصل في اي مجتمع، هو عدم شعورنا بالقلق ازاء نتائج قراراتنا، اثناء اتخاذها. في المجتمع المتقدم يؤدي الناس اعمالهم وهم يقظون بحواس تامة الانتباه وقلق على مستوى الاتقان. وفي المجتمع المنهك غير المكترث، ينجز الناس اعمالهم بلا قلق على الجودة، وحين تطلب منهم شيئا من الحرص، يسخرون منك تحت شعار "الشق كبير والرقعة صغيرة، فأي فرق سيحدث لو قدمنا عملا متقنا وسط بحر الاخطاء والخطايا".
وبمثل عدم الاكتراث هذا، اختار العراقيون معظم قادتهم، واجتمع القادة بدورهم لينتقوا ويعينوا قائد القادة. لم يتشددوا في مواصفاته ولم يقلقوا من نتيجة ما سيجره علينا افتقاده للحكمة.
فيلسوف السياسة الفرنسي مونتسكيو، يسأل: كيف اتيح للرومان ان يحتفظوا بامبراطوريتهم شامخة مدة الف عام، اذ يندر ان يحصل ذلك عبر التاريخ؟ يجيب بنفسه بعد استعراض تفسيرات عديدة شغلت المؤرخين: ان الجواب بسيط، فقد كان اهل روما حريصين حد الوسوسة، حين اختيار قادتهم، يحسنون اكتشاف الموهوب ووضعه في الطليعة، ولذلك صمدوا عشرة قرون.
منذ شهرين لم نفعل شيئا تقريباً. صديق يسألني: الى اين نتجه برأيك؟ اجبته اننا لا نتجه لمكان، فنحن واقفون متجمدون، والاشياء هي التي تتجه نحونا. وقد كشفت لنا التطورات الثمن الرهيب الذي ندفعه، بسبب اختيارات 2010 واختيارات 2014، واخفاقات سحب الثقة 2012. وكثير من النافذين يتذكرون الان، كم كانوا على خطأ وهم يقللون من عواقب ذلك الانقسام، الذي قدم كل الهدايا لداعش.
صحيح ان الوقت لم ينفد، وكل الامم الكبيرة تواجه نكسات تاريخية كهذه، لكن النهوض رهن ان نعثر على فريق حكماء. كم سيكون ذلك واضحا في جلسة البرلمان اليوم، والسبت، واثناء المفاوضات بين احزاب الشيعة والزوار الاجانب لمكاتب قادة الكتل؟
صحيح ان الوقت لم ينفد، لكن الهلال الخصيب، من شط العرب، صعودا واستدارة الى بلدة عرسال اللبنانية، يصبح اكثر تعقيدا، ولن تنفع في التعامل معه، قواعدنا القديمة.
كلما جاء ذكر هذا الهلال، تذكرت كلمة زيبغينيو بريجنسكي، مستشار الامن القومي الاسبق في اميركا. يكتب: هلال المتاعب، يتسع ويكبر، ويكاد يصبح قمراً، لا يسطع منه ضوء لعاشق او شارع، بل مطر بلون الدم.
قبل شهر زرنا مخيم الخازر، وبكينا كثيرا على حال اهله. كتبت عندها اننا كنا نبكي على انفسنا، فالوضع الحالي يمكن ان "يهجم" بيت اي فرد منا، سواء كان يقيم في دهوك، او الحلة، لان البلاء قابل للتوسع طالما ظل ناقص الحكمة يحتل مكتب صنع القرار. اما اليوم فعلينا ان نتذكر، ان اهل هذا المخيم المساكين، محظوظون اذا قارناهم بالايزيدية والنازحين الذين كانوا ضيوفا في سنجار، ودهمتهم داعش واضطرتهم لصعود الجبل بدون مؤونة، وهم يتهاوون واحداً تلو الاخر، وانقاذهم لن يتم قبل بضعة ايام.
هلال المتاعب يتسع، وآلهة التاريخ تراقب، ولن ترحمنا في جلسة البرلمان، اذا لم نقلق على نتيجة اختيار رئيس الحكومة، قلقاً في وسعه ان يصعد جبل سنجار مع كل المنكوبين، ويتجول في كل البلدات المسبية، بين كل الطوائف والاعراق التي تنزف الان.