وبخ ميلين من يقولون إن صعود داعش ليس له علاقة بالغزو الأمريكي - عربي 21
كتب المعلق شيموس ميلين في صحيفة "الغارديان" مقالا حول الأزمة في العراق التي نتجت عن سيطرة الدولة الإسلامية في العراق والشام على مناطق واسعة في شمال وغرب ووسط العراق.
وحذر فيه من تدخل عسكري جديد، وقال إن المزيد من القنابل الأمريكية والطائرات بدون طيار ستفيد فقط في زيادة رعب العراقيين. وأضاف أن العالم العربي قد عانى لمدة قرن من محاولات الغرب السيطرة على المنطقة، والعراقيون فقط هم المخولون برسم مستقبلهم.
وشدد أن ما سينقذ العراق اليوم من تشرذم سوى قيادة عراقية مصممة على الانفصال تماما من السياسية الطائفية والإثنية التي خلفها بوش وبلير.
ووبخ ميلين من يقولون إن صعود داعش ليس له علاقة بالغزو الأمريكي على العراق، قائلا "إن فكرة أن تكون هذه القصة المرعبة منفصلة تماما عن احتلال العراق الذي قادته أمريكا، كما يحاول مبررو الحرب القول، أمر في غاية السخافة. وليس الأمر فقط أنه لم يكن هناك داعش ولا القاعدة في العراق قبل الغزو ولا أن المحتل قام متعمدا بتفكيك الدولة والجيش العراقي وتدمير البنية التحتية في العملية، ولكن أيضا هو أن السياسة الاستعمارية في تقسيم الناس لتسهيل السيطرة عليهم تم تبنيها منذ اللحظة الأولى".
مضيفا أن "فكرة تبني المحاصصة الطائفية والدينية في الحياة العامة فقط؛ بل لأن قادة الجيش الأمريكان كانوا على علاقة مباشرة في دعم فرق الموت الطائفية القذرة مثل ما فعلوا في إلسلفادور وذلك لإضعاف المقاومة".
وواصل قائلا أن "المالكي نفسه هو من اختارته أمريكا كرجل قوي يحمي مصالحها، وهذا لا يعني أن أي تحول من النظام الدكتاتوري لصدام كان ممكن أن يتم بدون ألم أو أن العراقيين لم يلعبوا دورا أبدا فيما حصل. ولكن الكثير من الجدل الدائر في الغرب الأسبوع الماضي حاول التغطية على حجم المأساة الانسانية والإجتماعية التي تسببت فيها الحرب التي قادتها الولايات المتحدة.
وبحسب أحدث إحصائية أمريكية فإن التقدير الأكاديمي لعدد القتلى في العراق يصل إلى نصف مليون بينما وصل العدد بحسب الاحصاءات العراقية المسجلة 190100 وعدد اللاجئين 4 ملايين".
وفند الكاتب قول من يقولون أن الخطأ كان كما يدعي البعض أو مشكلة في التخطيط لما بعد الغزو "ولكنها كانت جريمة بربرية يعيش العراقيون اليوم مع نتائجها التي كانت متوقعة. أما فكرة أن يبقى توني بلير - الذي ساعد في الحرب لأسباب ملفقة ويقول اليوم "نحن بحاجة لأن نحرر أنفسنا من فكرة أننا تسببنا بهذا" – هو مبعوث السلام للشرقة الأوسط فهذا أبعد من السخرية".
ويشير إلى قول من برر الغزو والذين اتهموا باراك أوباما بالتسرع من الخروج من العراق وقالوا " إن القوات الأمريكية تركت بسرعة وأن العراق الآن ديمقراطية وأن سوريا أثبتت بأن عدم التدخل له ثمن. ولكن عراق ما بعد الاحتلال هي حكومة لصوص مؤسسية تحت السيادة الأمريكية الإيرانية المشتركة وحيث التصويت يتم عن طريق الكتل الطائفية والإثنية وحيث يستشري التعذيب ويسجن الآلاف دون محاكمة".
ويعلق بالقول إن كانت " الديمقراطية هي المقياس فإن الحكومة العراقية هي التي طلبت انسحاب القوات الأجنبية أما سوريا فتتسبب الولايات المتحدة وحلفائها بنزيفها المستمر عن طريق تسليح الثوار وفي نفس الوقت تمنع عنهم الأسلحة التي قد تساعدهم على الحسم وبالتأكيد فإن أي تدخل غربي سيرفع أعداد الضحايا إلى مستويات العراق".
ويقول إن "حجج كيف وصل العراق إلى ما وصل إليه اليوم من تفتت مهمة لأن ردة فعل التدخل الماضي قد تستخدم حجة لتدخل جديد وليس في العراق فحسب. فمنذ إطلاق الحرب على الإرهاب عام 2001 تسبب في انتشار وتوليد المزيد من الدعم للحركات الإرهابية الجهادية في أنحاء العالم الإسلامي من القاعدة لطالبان باكستان. وشكل ردود الفعل لا يمكن أن تكون أوضح. فأي هجمات بالطائرات بدون طيار على داعش في العراق حيث يتواجد مقاتلوها في المدن لن يخفف من قبضتها على المدن مثل الموصل وتكريت ولكن سوف تقتل بالتأكيد أعدادا كبيرة من المدنيين وتشعل البلاد والمنطقة أكثر".
و"في المحصلة فإن مجموعة تكفيرية ضيقة الأفق مثل داعش لا يحتمل أن تحافظ على سيطرتها على مدن كبيرة - فالتجربة تقول بأن حلفاءها السنة سينقلبون عليها - ناهيك عن أن تستمر لتحتل بغداد والمناطق ذات الأغلبية الشيعة. ولكن نجاحها السريع جعل بقاء العراق نفسها في مهب الريح فمثل سوريا أصبحت العراق مقسمة تقريبا، والمجموعات الإسلامية ليست هي الوحيدة التي تعارض الحدود المصطنعة التي فرضتها اتفاقية سايكس بيكو بين بريطانيا وفرنسا في العالم العربي نهاية الحرب العالمية الأولى".
وجاء في المقال أيضا أن المأساة التي تسببت فيها الحرب على الإرهاب لم يكشف عنها بالطريقة التي كشفت الطفرة الناتجة عنها والتي اجتاحت العراق هذا الأسبوع. وأعلن ديفيد كاميرون اليوم أن الدولة الإسلامية في العراق والشام، التي ترفضها القاعد لأنها متطرفة وطائفية، تشكل الآن أكبر خطر على أمن بريطانيا.
وتزامنا مع الأخبار بأن داعش احتلت أكبر مصفاة بترول في بيجي هناك أخبار بأن باراك أوباما يفكر في الاستجابة للصقور في بغداد وواشنطن بتوجيه ضربات جوية لوقف زحف الثورة التي يقودها الجهاديون. وقد تم ارسال مئات الجنود الأمريكيين لتحضير الأرضية وللدفاع عن السفارة الأمريكية التي تحوي 5500 موظف.
ويقول "بعد 11 سنة من تاريخ هجوم الولايات المتحدة وبريطانيا على العراق كجزء مركزي من حربهما على الإرهاب يفكران الآن مرة أخرى بالعودة إلى نفس الموقع الذي تجمعا فيه استراتيجيا للتعامل مع النتائج البشعة التي تعم البلاد المدمرة".
و"تشكل داعش في الواقع قوات الصاعقة في تورة سنية أعرض يدعمها بعثيون سابقون ومجموعات مقاومة سابقة ضد حكومة المالكي الطائفية. وبلغ التشوه في السياسية الغربية إلى حد أن أمريكا وشركائها يدعمون داعش والاسلاميين السنة ضد نظام الأسد في سوريا إلا أنهم يدعمون المالكي، الإسلامي الشيعي، في العراق ضد نفس المجموعات."
وكانت قوات المالكي المدربة أمريكيا هي التي ذابت عندما هاجمت داعش الموصل، ثاني مدينة في العراق، وسيطرت عليها الأسبوع الماضي. وكان السقوط سهلا إما عن طريق قادة متعاطفين أو فاسدين. هذا بالإضافة لصفقات ضمنية مع القوات الكردية التي سيطرت على كركوك ومعها آبار البترول الشمالية.
والآن تواجه داعش مقاومة أكبر في طريقها إلى بغداد. وكانت هذه المجموعة الطائفية التكفيرية في الأصل جزء من القاعدة في ظل الاحتلال الأمريكي- البريطاني ولكنها كانت مرفوضة من غالبية المقاومة. وانتقلت بعد ذلك إلى سوريا لتنضم إلى الانتفاضة ضد الأسد بموافقة ضمنية من دول الخليج مثل السعودية.
وسيطرت منذ الصيف الماضي على رقعة من الأراضي السورية بالقرب من الحدود العراقية وجمعت الكثير من الأرباح ومن المجندين الأجانب. ولكن ما فتح الباب لداعش ثانية في العراق كان تعامل نظام المالكي الوحشي مع حركة الاحتجاج السنية العام الماضي والذي توجه بمذبحة للعشرات من متظاهري الحويجة. ومع حلول كانون الثاني/ يناير كانت سيطرت على الفلوجة، المدينة التي شهدت أشنع جرائم الإحتلال الأمريكي، وبدأت حملة ضد التجمعات الشيعية في أنحاء العراق.