تشير التقديرات إلى أن إنتاج
الحبوب في
سورية قد انخفض إلى الثلث تقريبا، مقارنة بالحال قبل ثلاث سنوات، بسبب عوامل متعددة تتداخل فيها الظروف الجوية مع ظروف الحرب في المناطق التقليدية للزراعة.
وشهد العام المنصرم انخفاضا في كمية هطول الأمطار، في حين واجه المزارعون عوائق في الحصول على المواد اللازمة للزراعة، مثل الأسمدة والمازوت، إضافة إلى الحصار والمعارك في مناطق واسعة. كما تعرضت أراض واسعة مزروعة بالحبوب في مناطق خارجة عن سيطرة النظام؛ للقصف في موسم الحصاد ما أدى إلى احتراقها.
وفي نيسان/ أبريل الماضي، قدم خبراء زراعيون وتجار ومزارعون سوريون؛ تقديرات مختلفة لمحصول
القمح، تراوحت بين مليون طن و1.7 مليون طن في أفضل التقديرات. ويمثل هذا النطاق تقديرا أشد تشاؤما من التقدير الذي طرحته الامم المتحدة هذا الشهر، حسب التقديرات التي أوردتها وكالة رويترز.
في تفتناز (شرق إدلب) التي يعتمد سكانها على
الزراعة في معيشتهم؛ يقول المزارعون إن الحرب حالت دون خروجهم إلى حقولهم للغرس أو الحصاد، كما أدت إلى نقص شديد في الوقود والأسمدة اللازمة للزراعة وجمع المحاصيل.
وقال مزارع من تفتناز يدعى أبو أحمد: "والله الإنتاج الزراعي ضئيل لأن السبب الرئيسي قلة المازوت وعدم توفر الطاقة الكهربائية بالإضافة إلى الخوف والهلع الذي عانته الناس تجاه القصف الذي ينهمر على القرية. بالإضافة إلى أن الأراضي الزراعية أغلبيتها صفت بور لأن ما استطاعت الناس من القصف أن تفلح وتحصد وتزرع".
علاوة على ذلك أدت قلة الأمطار في فصل الشتاء الماضي إلى تراجع إنتاج الأرض الزراعية. ويقول الزراع إن نقص الوقود أدى حال دون استخدام مضخات رفع الماء من الآبار لتعويض نقص الأمطار كما أدى إلى توقف آلات الحصاد التي تحتاج إلى المازوت لتشغيلها.
وذكر زراع أن النظام السوري طلب منهم العام الماضي أن يبيعوا له إنتاجهم الزراعي بأسعار مخفضة. ويرفض كثير من المزارعين هذا العام الامتثال لهذا الطلب.
وقال مزارع يدعى أيمن عكل: "أنا راح أبيعه (القمح) حر.. ما راح أسلمه للدولة لأن الدولة السنة الماضية سلمناها القمح وما أعطتنا أي حبة طحين لأن مناطقنا كلها محررة. كلهم خزنوا عندهم. السنة هاي بدنا نبيعه حر للتجار بأسعار زهيدة جدا جدا. والحمد لله سلم القمح من القصف والحرب".
وكانت توافقات قد أبرمت بين المزارعين في المناطق التي يسيطر عليها الثوار والنظام السوري، وخصوصا في شمال سورية، بأن يتم إرسال شحنات من القمح الذي يزرع في الريف الخارج عن سيطرة النظام مقابل إرسال كميات من الطحين حيث تقع غالبية المطاحن تحت سيطرة النظام.
وحاولت الحكومة المؤقتة والائتلاف الوطني السوري وقبله المجلس الوطني السوري؛ مساعدة المزراعين في تسويق القمح، لكن هذه المؤسسات لكن ذلك لم يحصل، وهو ما زاد من مصاعب المزارعين.
وكان مصدر بالمؤسسة العامة لتجارة وتصنيع الحبوب في سورية ذكر الأسبوع الماضي أن المؤسسة باعت العراق 200 ألف طن من القمح في مناقصة. لكن وزير التجارة العراقي قال إن بلاده لا تستورد قمحا من سورية لأن القمح السوري يفتقد الجودة الكافية.
وقبل آذار/ مارس 2011 كانت تنتج سورية نحو 3.5 مليون طن من القمح في المتوسط، بما يكفي لتلبية الطلب المحلي ويسمح بتصدير كميات للخارج، بفضل عوامل منها استخدام مياه نهر الفرات في ري المزروعات وخصوصا في شرق البلاد.
وآخر مرة لم يتجاوز فيها المحصول مليون طن كانت عام 1973، وذلك رغم أن موجات
جفاف دفعت المحصول للاقتراب من هذا المستوى في عامي 1989 و2008.
وقال مصدر بتجارة السلع الاساسية في منطقة الشرق الاوسط على دراية بأسواق الحبوب السورية: "هذا العام أقصى ما ستحققه سورية من حيث إنتاج القمح المحلي لن يتجاوز مليون طن".
وأضاف: "أحد العوامل الرئيسية التي تحد من الإنتاج هو تزايد صعوبة الإنتاج في ضوء نطاق الحرب. هناك خوف حقيقي على الأرض في مناطق الإنتاج التقليدية والمخاطر كبيرة".
وكان برنامج الأغذية العالمي التابع للامم المتحدة قد قدر أن يتراوح المحصول بين 1.7 مليون ومليوني طن هذا العام. وقال إن مستوى الأمطار المطلوبة للمحاصيل في شمال غرب سورية كان أقل من المتوسط منذ شهر أيلول/ سبتمبر الماضي.
وقال هلال محمد، الخبير الزراعي بالامم المتحدة في عمان: "هناك عوامل كثيرة بدءا من بداية الحرث لتخصيب التربة للحصاد والنقل والتسويق والعملية كلها دبت فيها الفوضى وكل شيء بلغ حده الأدنى".
وقبل الثورة كانت الحكومة تشتري في العادة 2.5 مليون طن من محصول القمح كل عام لتوزيعه على المخابز لإنتاج الخبز المدعم ولتعزيز الاحتياطيات الاستراتيجية. وتراجعت المشتريات الحكومية من القمح المحلي. ومن المتوقع أن تنخفض أكثر من ذلك.
ونقلت وسائل الإعلام في سورية عن وزارة الزراعة قولها إنه تمت زراعة 1.2 مليون هكتار بالقمح. وقبل الحرب كانت سورية تزرع 1.7 مليون هكتار بالقمح وفقا لبيانات وزارة الزراعة الامريكية.
وقال خبير زراعي على دراية وثيقة بسورية طلب عدم الكشف عن هويته لوكالة رويترز: "من الصعب على المسؤولين الزراعيين في بلد فقدت فيه أجهزة الدولة سيطرتها الإدارية فعليا على مناطق كبيرة من الأراضي في منطقة الجزيرة، وهي المنطقة الرئيسية لزراعة الحبوب أن يقيموا المحصول المزروع في هذه المناطق ناهيك عن تقدير الإنتاج".
وقال يوسف أبو أحمد في قرية أطمة السورية قرب الحدود التركية إن طول أعواد القمح يبلغ نحو 20 سنتيمترا بالمقارنة مع نحو 80 سنتيمترا في السنوات العادية.
ولجأ بعض المزارعين إلى استخدام المياه الجوفية للتعويض عن ضعف الأمطار، لكن ارتفاع سعر وقود الديزل حد من هذا الخيار لمزارعين آخرين في حزام إدلب حلب حمص الزراعي الغربي حيث يزرع القمح في الغالب على مياه المطر.
وقال المزارع إبراهيم الشيخ (36 عاما) في سهول الحلزون في المناطق الخاضعة لسيطرة الثوار في شمال غرب سورية: "قش قمحنا سينتهي به الحال للاستخدام في الرعي بسبب ضعف المطر هذا الموسم".
وتحت وطأة تأثر محصول القمح الذي يُزرع على مياه المطر بالجفاف في غرب البلاد، يكمن الأمل بالنسبة لسورية في الاراضي التي يزرع فيها المحصول على مياه الري الدائم في الشرق والتي كانت تمثل قبل الأزمة ما بين 60 و70 في المئة من إجمالي إنتاج القمح.
وتقول وزارة الزراعة إنها خصصت 80 مليار ليرة سورية (539.88 مليون دولار) لشراء القمح والشعير من المزارعين هذا الموسم. وحتى مع تخصيص الأموال اللازمة لشراء المحصول فلا تستطيع الحكومة أن تضمن استلام المحصول.
وقال محمد خبير الامم المتحدة "حتى إذا كان هناك إنتاج فالتسويق تعطل بشكل حاد". وأشار إلى تزايد صعوبة حصول المزارعين على البذور والمخصبات وتدهور نظام شراء الحبوب الرسمي وقال إن مراكز جمع المحصول توقفت تقريبا عن العمل.
وفي مناطق كثيرة من شرق البلاد المعروف باسم الجزيرة والذي يمثل سلة الغذاء الرئيسية للبلاد وتشمل محافظات الحسكة ودير الزور والرقة لم تعد السيطرة للنظام. وتنتج المناطق المحيطة بمدينة الرقة الخاضعة لسيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش)؛ وحدها نحو ربع المحصول الاجمالي للبلاد.
وقال أحد سكان المنطقة من عائلة مزارعة إن "داعش" أبلغ المزارعين أنهم أحرار في التصرف في محصول القمح كما يشاؤون حتى ولو بالببع لتجار أتراك.
وقال خبير زراعي آخر مشترطا عن الكشف عن هويته إن النظام يمكنه الوصول لمناطق في الحسكة وحماة وبعض مناطق الشمال الشرقي قرب مدينة القامشلي الكردية. لكن الوضع في البلاد بصفة عامة يكتنفه الغموض.