"على الشعب المصري أن يقرر، هل يفضل أن ينعم بالكهرباء 24 ساعة في اليوم اعتمادا على الغاز الإسرائيلي؟ أم يريد أن يبقى في الظلام عدة ساعات كل يوم ثمناً لالتزامه بالمبادئ؟".
بهذا التساؤل، اختتم "سايمون هندرسون" الباحث بمعهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى، تحقيقا استقصائيا بثته قناة الجزيرة مساء الاثنين، تناول الفساد الذي طال صفقة تصدير الغاز المصري لإسرائيل ودور العسكر في الإطاحة بالرئيس محمد مرسي حفاظا على مصالحهم الاقتصادية مع تل أبيب.
وبعد ثورة يناير 2011 أوقفت مصر تصدير الغاز إلى إسرائيل، لكن تل أبيب اكتشفت في ذلك الوقت كميات هائلة من الغاز تحت مياه البحر المتوسط في حقلي "ليفياثان" و"تمار"، وأصبحت تمتلك ما يكفي منه لتغطية الاستهلاك المحلي وتصدير الفائض للدول المجاورة، وفي مقدمتها مصر، التي ارتفع الطلب الداخلي لديها على الغاز بشكل فاق قدرتها على الإنتاج.
كما أصبحت القاهرة عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها تجاه شركات النفط الأجنبية العاملة في البلاد التي وقعت معها عقوداً لتصدير حصتها من اكتشافات الغاز بعدما اضطرت الحكومة لتوجيه كل الإنتاج للسوق المحلي.
وبجانب عشرات التحديات الكبيرة التي يجب على الجنرال عبدالفتاح السيسي أن يواجهها، تبرز مشكلة الطاقة كأحد أخطر المشكلات التي ينبغي أن يعالجها سريعا، وإلا سيخاطر بإضعاف قبضته على السلطة في بلد أدى الفقر وعدم الاستقرار فيه للإطاحة برئيسين في ثلاث سنوات.
إسرائيل أم قطر
وأدى ضعف إمدادات الغاز - جراء انخفاض الإنتاج المحلي - إلى أزمة انقطاع التيار الكهربائي في البلاد، وفي نفس الوقت تجد الحكومة نفسها مدينة بنحو ثمانية مليارات دولار - وهو ما يزيد عن نصف احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي - وتقاضي تلك الشركات مصر الآن، كما تهدد بالانسحاب من السوق المحلي وتوقف إنتاجها بالكامل، ما قد يفاقم الأزمة بشكل غير مسبوق.
فماذا سيفعل السيسي لحل تلك المعضلة؟ يرى محللون أن الخيارات المتاحة أمامه قليلة، بل لا يوجد أمام السيسي سوى خياران، استيراد الغاز من إسرائيل أو قطر.
وبحسب مراقبين، فإن الاستيراد من إسرائيل يمثل تهديدا مباشرا للأمن القومي المصري، حيث سيصبح "أمن الطاقة المصرية" في يد تل أبيب بالكامل.
كذلك فإن لهذا الخيار عيب آخر، حيث يسبب حرجا بالغا لمصر التي كانت حتى عامين ماضيين فقط تصدر الغاز لإسرائيل بثمن بخس في إهدار فادح لموارد الدولة.
وقالت مجلة "فوربس" الأمريكية - في تقرير لها - إن شراء الغاز من إسرائيل سيكون بمثابة "لغم سياسي"، لاسيما مع ظهور تقارير تؤكد أن مصر خسرت بسبب بيع الغاز بأسعار زهيدة حوالي 11 مليار دولار بشكل مباشر، بالإضافة إلى 20 مليار أخرى في شكل ديون وغرامات قانونية.
ونقلت عن شريف الديواني المدير التنفيذي للمركز المصري للدراسات الاقتصادية في القاهرة قوله إن التوتر المستمر بين حكومتي مصر وإسرائيل، بسبب الخسائر التي نتجت من وراء الصفقات مع إسرائيل، ستجعل شراء الغاز الإسرائيلي مكلفا لمصر أكثر بكثير مما هو متوقع.
واختتم الديواني بالقول "ليس من الحكمة أن تعتمد مصر على إسرائيل وتترك منتجي الغاز في الخليج - في إشارة إلى قطر- حيث تعتمد مصر على الغاز الطبيعي في توليد 70% من الكهرباء فى البلاد".
الغاز مقابل الإخوان؟
أما الخيار الثاني أمام السيسي فهو استيراد الغاز من قطر، ومن المعروف أن قطر - التي تدعم بقوة جماعة الإخوان المسلمين - أصبحت الخصم اللدود الآن للنظام الجديد بعد الانقلاب.
وكانت قطر الممول الأول للرئيس مرسي والشريك الرئيسي لمصر في قطاع الطاقة، حيث توصل مرسي لاتفاق مع قطر بأن تبني لمصر معملا عائما لتحويل الغاز المسال إلي غاز طبيعي وتزود مصر بخمس شحنات مجانية لمساعدتها في تخفيض سعر اسطوانات الغاز المخصصة للاستخدام المنزلي.
لكن، وبعد الاطاحة بالرئيس المنتخب، قطعت مصر علاقاتها السياسية مع قطر، وألغت هذا الاتفاق، فخسرت إمدادات الغاز الطبيعى الهامة لتوليد الكهرباء، كما حرمت من إمكانية تحويل ما تستورده من غاز مسال إلى غاز طبيعي لسد احتياجاتها.
وبالرغم من وقوف دول الخليج المؤيدة للانقلاب في مصر - كالسعودية والإمارات والكويت - بجانب السيسي، ومنحها شحنات مجانية من الوقود، إلا أن تلك البلدان لا يمكنها أن تحل محل قطر أحد أكبر منتجي الغاز في العالم.
وذكر تقرير لموقع "ميد أفريكا تايم" - المتخصص في شؤون الشرق الأوسط - أن "طارق الملا، رئيس الهيئة العامة للبترول المصرية، بدأ في أبريل الماضي إجراءات للتفاوض لاستئناف استيراد الغاز الطبيعي المسال من قطر، دون التوصل - حتى الآن - إلى اتفاق".
ونقل الموقع عن مصدر بوزارة الصناعة القطرية، تأكيده أن الشرط الوحيد لاستئناف المحادثات حول مواصلة تصدير الغاز القطري إلى مصر، هو "تخفيف ضغوط الحكومة المصرية على جماعة الإخوان وأنصارها".
خطة السيسي
وقال المحلل السياسي ديفيد هيرست - في مقال له بموقع هافينجتون بوست - إن مرسي كان عقبة في طريق إبرام صفقة مغرية بين مصر وإسرائيل، وهي الآن على وشك أن تبرم بعد الانقلاب عليه.
وكشف فيلم الجزيرة الاستقصائي تواصل السيسي مع إسرائيل سرا بعد الانقلاب، حتى يضمن مستقبله السياسي عبر استيراد غاز من إسرائيل لسد العجز في مصر.
وأوضح الفيلم أن الجزء الأول من خطة السيسي نفذ في يناير الماضي برفع القيود عن شركات النفط والغاز الأجنبية العاملة في مصر فأصبح بإمكانها استيراد الغاز من أي مزود أجنبي، لأول مرة في تاريخ البلاد، ما فتح الباب أمام استيراد الغاز من إسرائيل.
وقال موقع "ديبكا" الإسرائيلي يوم السبت الماضي، إن مصر ستبدأ قريبا في استيراد 4.5 مليار متر مكعب من الغاز سنويا من حقل "تمار" الإسرائيلي بالبحر المتوسط، وبذلك تكون إسرائيل أكبر مورد غاز لمصر.
ومن جانبه قال نيمرود نوفيك، المستشار السابق لرئيس الوزراء الإسرائيلى إن مصر التى تواجه دعاوى قضائية متعددة لتعثرها فى التزاماتها تجاه الشركات الأجنبية بتوفير الغاز للتصدير، تخطط لاستخدام صفقة الغاز الإسرائيلى لحل هذه المشكلة أولا، وليس انقطاع الكهرباء في البلاد، موضحا أن الاتفاق يمكن أن يتضمن موافقة مصر على تصدير الغاز الإسرائيلى عبر محطات الإسالة المقامة على أراضيها إلى دول العالم.
ويبدو أن السيسي قد حسم أمره واختار الارتماء في أحضان تل أبيب رافضا الغاز القطري، ولسان حاله يقول للمصريين، إقبلوا الغاز الإسرائيلي، أو تصببوا عرقاً واقبعوا في الظلام.