كتب علي حسين: ما هي مواصفات الدولة الفاشلة؟ إذا أردت جواباً شافياً، فلا تبحث في كتب السياسة. بل في أفعال وأقوال رجال فاشلين، لا يعرفون من السياسة سوى أنها فرصة للسيطرة على المال والسلطة، وفي دعوة الناس إلى أن يتعلموا هتافا واحدا: بالروح بالدم!
سيقول البعض المشكلة ليست في المسؤول بل في المقربين، الذين يزينون للمسؤول أن الناس في الشارع تهتف له بصوت واحد ونبرة واحدة، وينسون أن المواطن المسكين يريد الخروج من نفق الخوف والعوز والانتقال من حكم القائد الضرورة، إلى حكم المؤسسات.
في واحدة من مقالاته التي ينشرها في صحيفة الصباح، كتب صميم العراقي – واعتقد انه اسم مستعار لإعلامي معروف – قائلا : "كإسلامي اتبنى خيار الديمقراطية الذي ينبني على خيار العراقيين في التطلع لبناء حكومة عراقية مسؤولة ومنسجمة ولست مع (الشورى) التي يجلس فيها التحالف الوطني ، انا مع البيعة التي يحددها الشارع المسلم ولست مع نظام الشورى ، وانا اعجب فعلا من قبل الاخوة في التحالف كيف يبنون تصورهم ازاء الديمقراطية الوطنية الجديدة فيتلكأون في تحديد المرشح ويذهبون الى التعددية في اختيار اكثر من واحد وهم الاكثرية العددية في البرلمان وهم اصحاب الحق الحصري في اختيار رئيس الوزراء وليس غيرهم!."
وانا اقرأ هذه العبارات التي تريد العودة بنا إلى زمن "البيعة".. تساءلت: ألا يكفي الخراب وفوضى الأمن وشبح الحرب الأهلية وضياع ثروات البلد، أن نهتف من أجل الوطن، لا من أجل المسؤول.. خرج الاتراك غاضبين من اجل الحفاظ على حديقة غازي الصغيرة ، لأن الحكومة ارادت بناء مجمع تجاري في مكانها... هل تجوز المقارنة بينهم وبين العراقيين الذين تذهب أرواحهم ودماؤهم عربون امتنان وشكر لحكام أصابهم الغرور؟!
تتجه جميع الأمم نحو المستقبل. لم يعد هناك مكان لولي الأمر والنعم.. ولم يعد هناك مكان لأمثال "القائد المؤمن". فجميع الطرق أصبحت تؤدي إلى حكومات الحرية والعدالة الاجتماعية.. لا حكومة "المختارين" والمعصومين والأتقياء.
إلى أين يريد البعض أن يأخذنا حين يملأ الأجواء بالهتافات والجمل المنمقة التي تريد ان توهم الناس بان عدم اختيار المالكي لولاية ثالثة هو نقض مبادئ وأسس الديمقراطية، مثلما اتحفنا قبل ايام السيد محمد عبد الجبار الشبوط الذي لم يكتف بذلك بل دعانا الى ان: "نترك العملية السياسية الديمقراطية تواصل سيرها وفقا لنتائج صناديق الاقتراع التي هي الفيصل وصاحبة الكلمة الأخيرة في التنافس السياسي على اساس القواعد الديمقراطية. لا وقت للمماحكات السياسية والاجتهادات الغريبة كحكاية أولوية التكامل النوعي على التمايز الرقمي. وهل اللعبة الديمقراطية الا لعبة أرقام؟ " ولا ادري اين كانت نظرية السيد الشبوط في التمايز الرقمي حين حصل علاوي على اعلى الأصوات عام 2010 ، ولماذا اصر آنذاك على حكومة "التكامل النوعي"؟ التي يحذرنا منه الان .
لم تبلغ مخيّلة ميكافيللي ما بلغته كتابات الشبوط وزميله صميم العراقي من محاولة اللعب على الكلمات وتزويق الخراب على انه ارادة شعبية، وتسويق الفشل باعتباره تجربة ديمقراطية، فالكاتبان - او ربما هما كاتب واحد - لا يريدان ان يعترفا ان المسؤول هو موظف يتغير متى فشل في أداء مهمته، اما الحاكم الذي يأتي عن طريق البيعة فهو مالكا لكل شيء.. الفارق كبير ايها السادة ، الم تقرأوا تجارب الشعوب، الم يقل لكم احد ان مارغريت تاتشر التي جاءت بصناديق الانتخابات خرجت لان الناس قالت لها 11 سنة من الحكم تكفي، عودي الى عائلتك، لم تكابر ولم تشتم معارضيها ، لانها امنت بحكمة قالها من قبل تشرشل "الأوطان تبقى والرجال يتغيرون".
ايها السادة الناس تريد مسؤولين يمتلكون خبرات طويلة في العمل المؤسساتي، لا في نظام البيعة والولاية .. وهم يأملون أن تقوم صورة الدولة الحديثة على فكرة تقاسم السلطات والفصل بينها بحيث تمنع ظهور قائد جديد يتبختر رافعا يده علامة النصر، وقد دفع العراقيون جميعا الثمن غالياً من أجل التغيير والديمقراطية، وعانوا طويلاً من عهود سادت فيها تظاهرات البيعة ومؤتمرات " المبايعة بالدم " ، التي أوقعت البلاد في مصائب كثيرة، وهزائم كبيرة مازلنا ندفع ثمنها حتى الآن.