كتب محمد الساعد: في صباح اليوم (الأربعاء) يضع
المصريون إكليلاً من الورد على قبر «مشروع الشرق الأوسط الجديد»، أو مشروع «الفوضى الخلاقة» الذي تبنته السيدة كوندليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية في عهد إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، ونفذتها إدارة الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما بشراكة مع جماعة الإخوان المسلمون -المصنفة إرهابياً-، وجماعات اليسار، والليبراليين الجدد في العالم العربي.
المصريون استطاعوا بثورتهم المجيدة في 30-6-2013، ضد «الإخوان»، المقاول الرئيس للمشروع، ليس إيقاف ذلك المشروع وإجهاضه في «قاهرة المعز» فحسب، بل وإنهاء أي أمل في إعادة إحيائه من جديد، على رغم كل محاولات أميركا وعملائها «الصغار» في المنطقة لتعويمه وتنشيطه، أو حتى وضعه تحت أجهزة الموت السريري إلى أن تحين الفرصة من جديد.
ذلك التدمير الذي فعله المصري البسيط، لم ولن يكون حدثاً عادياً يمر على تاريخ المنطقة مرور الكرام، بل هو في حقيقته تغيير جذري لمجرى التاريخ برمته، وللتعاطي السياسي والعسكري مع المنطقة، فهذه الأمة المكونة من حوالى نصف بليون نسمة، التقطت أنفاسها، بعدما كادت تنفرط خلال ثلاثة أعوام فقط، وتدخل في سراديب لا نهاية لها من الفوضى والعدم.
هذا المشروع استثمر فيه بلايين الدولارات، وجند له آلاف العملاء والخونة، من خلال التدريب والتأهيل والتآمر، لدفع الشعوب نحو الثورات واستغلال حاجاتهم وأمنياتهم لغد أفضل، لم ينتج منه سوى خسائر فادحة لما يقارب 400 ألف قتيل، وملايين من المشردين واللاجئين والمصابين، وأكثر من نصف تريليون دولار، خسائر مباشرة لاقتصادات الدول التي لحقت بركب «الخريف العربي».
اليوم بانتخاب المصريين لرئيسهم الـ16 منذ بداية حكم محمد علي باشا، يكونوا قد أثبتوا أنهم هبة من هبات الله للكون.
هل كان المصريون وحدهم في هذه المعركة الكبرى التي حمت المنطقة بأسرها من نفق «الله يعلم أبعاده وتداعياته»؟ بالتأكيد لا.
فالمحورالسعودي المصري الإماراتي، هو من وقف بكل شجاعة وإخلاص لعروبته، ولشعوب المنطقة بأسرها أمام دموية ذلك المشروع وجنونه وخيانته.
ما فعله ذلك «
المحور»، حدث شبيه له عام 1955 (1374هـ)، عندما نشأ ما يسمى بحلف بغداد، وهو الذي عُرف حينها بأنه أحد الأحلاف التي شهدتها حقبة الحرب الباردة، صبيحة انتهاء الحرب العالمية الثانية.
ونشأ الحلف بداية للوقوف بوجه المد الشيوعي في الشرق الأوسط، لكنه حمل في دواخله كل الخطط الخبيثة للمنطقة، كما يحملها مشروع الفوضى الخلاقة حالياً، وكان يتكون إلى جانب المملكة المتحدة من العراق وتركيا وإيران وباكستان.
الولايات المتحدة الأميركية هي صاحبة فكرة إنشاء حلف بغدد، كما هي اليوم صاحبة فكرة «الفوضى الخلاقة»، وهي من تكبدت الخسائر الكبرى في بغداد، كما تتكبدها اليوم في القاهرة وطرابلس وتونس، إذ وعدت بتقديم الأحلام والعون الاقتصادي والعسكري، ولكنها لم تنجح ولم تف بما وعدت به.
يعتبر مشروع حلف بغداد، ومشروع الشرق الأوسط الجديد، أقل المشاريع الكبرى حضاً، إذ قاد العراق مشروع تقويض حلف بغداد من داخله بعد إعلان ثورة 14 تموز (يوليو) 1958، بقيادة عبدالكريم قاسم، وأعلن خلالها الجمهورية العراقية، وقاد الحلف
السعودي-المصري-الإماراتي مشروع تقويض حلف «الشيطان الجديد» الذي كاد ينجح في إنهاء مشروع الدولة الوطنية، واستبداله بمشروع «دولة الفوضى»، أو كما أريد لنا ولأولادنا.
(الحياة اللندنية)