سورية بوابة الحل، وسورية هي بوابة المشكلة، من سيقوم بإغلاق الباب الذي تأتي منه الريح ويستريح ويريح!
عشنا زمنا نردد مقولة أن لا
حرب بدون مصر ولا سلام بدون سورية، وكان أن ذهبت مصر إلى "السلام" منفردة، ولم تذهب إلى الحرب، وتبعها الفلسطينيون ثم الأردنيون، وبقيت سورية في حالة اللاحرب واللاسلم.
دمشق كانت قبلة الساسة والعسكر في لبنان بمن فيهم الأخوة الأعداء في لبنان، طريق دمشق بيروت كانت سالكة دائما حتى في أحلك الظروف والأوقات، وكانت ممرا للذاهبين والقادمين في رحلة الشتاء والصيف بحثا عن دفء سورية، أو هربا من لهيبها.
وكان طريق دمشق عمان سالكا رغم بعض العثرات، وكانت النخب تذهب إلى دمشق وتأتي من دمشق بعضها للتجارة وبعضها للبحث عن موقف مشترك، وكانت علاقة عمان-دمشق متقلبة على جمر القضية المركزية للعرب: القضية الفلسطينية.
ثم إن سورية أصبحت بوابة الحل في فلسطين والعراق، كيف؟ دمشق التي كانت محاصرة سياسيا فتحت أبواب القصر الأموي لرئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بوليسي، التي جاءت في مهمة رغما عن أنف رئيسها جورج بوش.
كانت دمشق، مثل خبز الشعير، مأكول مذموم، أو هي مثل ليلة موحلة بالبرودة في ليلة كانونية تتمنى قليلا من ضوء الشمس للهروب من وخزها، أو مثل شمس حارقة في الصيف تجلدك بخيوطها الملتهبة، تتمنى بعضا من ماء لتطفئ نارها المتوقدة في مسامات جلدك، وفي الحالين تفتقدها وتعافها.
هي الجغرافية إذا التي جعلت دمشق بوابة الحرب والسلم، من دمشق انطلقت الحرب الأهلية الأولى بين العرب، بين معسكر الإمام علي ابن أبي طالب وعسكر بني أمية بقيادة معاوية بن أبي سفيان، ثم إنها استمرت وتواصلت عبر مئات السنين، هل ما يحدث الآن في العراق من صراع طائفي، وفي
سوريا من صراع مسلح، هو الجمر الذي كان غافيا تحت رماد الخديعة؟
دمشق المناكفة والمشاكسة، القريبة والبعيدة. هل كان لبنان أسير إرادتها ورغباتها، أم أنها هي المكبلة بخيوط لبنانية لا انفكاك منها؟ هل كانت القضية الفلسطينية أسيرة حرب أو سلام تدخله دمشق أو تخرج منه ذات يوم.؟
سوريا، تعيش الآن جميع السيناريوهات وتعيد إنتاج مصطلحات :"اللبننة" و"العرقنة" و"الأسلمة" و"الأفغنة"و...
سوريا التي شهدت منذ عام 1949 سبعة انقلابات عسكرية، وشهد هذا العام لوحده ثلاثة انقلابات، كانت تتجاوز أزمتها الداخلية وتعبر بانقلاباتها العسكرية دون أن تراق قطرة دم واحدة، هذا ما حدث في سوريا، مرت الانقلابات بسلام، وتابع السوريون حياتهم الطبيعية..لماذا؟
هل أنقذت حيادية الجيش، سوريا من الانزلاق في السابق نحو بحيرات من الدم؟
الرئيس الراحل حافظ
الأسد كان سيد مدرسة التكتيك، عكس الرئيس الراحل جمال عبدالناصر والرئيس صدام حسين صاحبيْ مدرسة المواجهة، لو كان الأسد حيا هل كانت سوريا ستنزلق نحو حرب الوكالات؟
مفتاح الأزمة في سوريا هو الجيش، وعندما دخل الجيش في بؤرة الصراع أصبح الحسم مستحيلا.
والرئيس بشار حافظ الأسد المولود في دمشق عام 1965 لم يكن عسكريا أو خريج مؤسسة الجيش، فقبل دخوله السياسة، كان طبيب عيون، وتخرج من جامعة دمشق عام 1988، وعمل في "مشفى تشرين العسكري" ثم سافر عام 1992 إلى بريطانيا للتخصص في طب العيون وعاد عام 1994 عقب وفاة شقيقه باسل في حادث سير.
وانتسب بشار الأسد إلى القوات المسلحة ورقي إلى رتبة ملازم أول في عام 1994 وفي نفس العام رفع إلى نقيب، وفي عام 1995 إلى رتبة رائد، وفي عام 1997 إلى رتبة مقدم، وأعلن في عام 1999 عن ترقيته إلى رتبة عقيد، وفي عام 2000 رُفع إلى رتبة فريق.
تم تكليف بشار الأسد بالملف اللبناني عام 1995 نظرا لتشابك العلاقات السورية اللبنانية وأهمية الساحة اللبنانية بالنسبة لدمشق.
ونظرا لأن عمره كان عند وفاة الرئيس حافظ الأسد 34 عاما عدّل مجلس الشعب السوري الدستور بالإجماع لخفض الحد الأدنى لعمر الرئيس من 40 عاماً إلى 34 عاماً لتمكينه كقيادي في حزب البعث العربي الاشتراكي من عرض ترشيحه على مجلس الشعب لمنصب الرئاسة.
انتخب أميناً قطرياً (للقطر السوري) في المؤتمر القطري التاسع لحزب البعث العربي الاشتراكي في عام 2000 وفي الشهر التالي انتخب رئيساً للجمهورية عبر استفتاء شعبي، وتم إعادة انتخابه لولاية رئاسية أخرى في 2007.
وامتازت سياسته الخارجية بالوقوف في صف التيار الممانع في المنطقة المناهض للهيمنة الأمريكية، إلا أن هناك من يرى أن سياساته الداخلية، رغم الانفتاح النسبي في الحريات مقارنة بعهد والده، كان يشوبها الفساد الإداري والسياسي، وبروز دور لرجال الأعمال المتحكمين في اقتصاد البلاد وسياساتها.
اتهمت سوريا من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الغربية وقوى 14 أذار بالوقوف وراء اغتيال رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري بشكل مباشر وقبل بدء التحقيق، ونفت سوريا اغتيالها له قطعيًا.
واستكمل الجيش السوري المتمركز في لبنان منذ عام 1975 انسحابه في عام 2005 كليًا، وفي عام 2010 أعلن سعد الحريري أن اتهام سوريا كان خطأً، وقد جاء موقف الحريري بعد زيارات متكررة قام بها إلى دمشق التقى خلالها بالرئيس الأسد، وبعد أن تراجعت عزلة سوريا خاصةً وأن إدارة الرئيس باراك أوباما فتحت اتصالات مباشرة مع الأسد، إلى جانب الرئيس الفرنسي ساركوزي والعاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز الذين قاموا بتطبيع علاقاتهم مع سوريا.
وانطلقت موجة معارضة شعبية ضد النظام في آذار عام 2011 متأثرة بموجة الاحتجاجات التي اندلعت في الوطن العربي أواخر عام 2010، ولا زالت رافعة شعارات ضد القمع والفساد وكبت الحريات ومطالبة بإسقاط النظام الذي استخدم ضدها الأسلحة الثقيلة وقوات الشبيحة بحسب منظميها، في حين أعلنت الحكومة السورية أن هذه الحوادث من تنفيذ متشددين وإرهابيين بتمويل خارجي من شأنهم زعزعة الأمن القومي وإقامة إمارة إسلامية في بعض أجزاء البلاد.
وقد نتج عن قمع هذا الحراك الشعبي الآلاف من الضحايا والجرحى والمعتقلين، بالإضافة إلى الخسائر في صفوف القوات المسلحة، في المقابل، قام الأسد بعدة إجراءات إصلاحية لامتصاص غضب الشارع والمجتمع الدولي بعضها لم يُطبق على أرض الواقع.
وبدت الاحتجاجات في سورية التي لم تصل بعد إلى النقطة الحرجة التي أدّت إلى سقوط الحكم في تونس ومصر و ليببا واليمن، واقعة بين إجراءات تصالحية ومؤتمرات غير قابلة للتطبيق وبين الحملة الأمنية العنيفة على المحتجين.
ونتيجة لمشاركة الجيش السوري في ضبط الأمن في البلاد، أقدم عناصر من الجيش على الانشقاق عن قيادته في دمشق والانضمام إلى الجيش السوري الحر، وذهب بعضهم إلى الدول المجاورة مثل تركيا ولبنان والعراق والأردن تجنبا للمشاركة في حملات الجيش، ووفقا لأرقام غير رسمية فإن إجماليَّ عدد المنشقين يَبلغ نحو 40 ألف جندي.
هل الجيش الذي كان مصدر استقرار طيلة السنوات السابقة، دخل الحرب مكرها لمواجهة المقاتلين المنشقين عنه والمقاتلين العابرين للحدود، هل تحولت سوريا، شأنها في ذلك شان ليبيا ومصر، إلى ساحة لحروب الوكالات، وإلى ساحة مناكفات بين دول المنطقة؟ هل "داعش" "وولاية الفقيه" هي "البديل الديمقراطي والإنساني" للنظام.؟!!
سوريا التي خسرت نصف قرن من التنمية عادت أدراجها، في حرب البسوس وداعس والغبراء، إلى عصور الظلام، والعرب الذين ألقوا بالعراق في أحضان إيران، يلقون بسوريا في أحضان المجهول.
هل يدير السوريون ظهورهم للجميع ويبدؤون في صياغة مشروعهم الوطني المستقل: مع بشار أو بدونه؟!