لم تعد والدة الأسير معتصم رداد (31 عاما) قادرة على حبس دموعها أكثر، رغم طلبه منها ألا تبكي على حاله، فابنها الذي طالما فرحت برؤيته شابا رياضيا مقبلا على الحياة، أضحى في يوم الأسير الفلسطيني (الذي يصادف الخميس) يصارع آلام
السرطان بجسد هزيل، وهو مقيّد في
السجون الإسرائيلية.
ويقبع رداد في سجن "هداريم" الإسرائيلي (شمال)، ويقضي حكما بالسجن 20 عاما، بعد أن اعتقل خلال اشتباك مسلح مع القوات الإسرائيلية عام 2006، استشهد خلاله اثنان من رفاقه، بينما وقع هو بالأسر.
عاهد، شقيق الأسير معتصم، يصف حالة شقيقه بعد أن نال المرض من قوته وجسده، قائلا: "وضع معتصم الصحي صعب للغاية، فهو بات ينتظر الموت في كل لحظة، بعد أن نالت الآلام من كل جسده، إلى جانب أنه يعاني من فقر بالدم، وآلام في المفاصل، وضعف في دقات القلب والنظر، وإصابته في أغلب الأحيان بإغماءات متكررة".
وبدأت آثار المرض تظهر على معتصم حسب شقيقه، قبل ست سنوات، بعد إصابته بالتهاب بسيط في أمعائه، وفق تشخيص أطباء السجن، إلا أن "الالتهاب اشتد، واشتدت معه آلام معتصم، في ظل
إهمال طبي كامل ومتعمد من قبل مصلحة السجون الإسرائيلية تجاهه، حتى بدأ السرطان ينهش جسده منذ عام 2010".
ويشير عاهد، إلى أن الأطباء داخل السجن قرروا إجراء عدة عمليات لمعتصم لخطورة وضعه، إلا أنهم لم يجروا له أي عملية، وأضاف: "الاحتلال يريد تصفية أخي وإعدامه ببطء، من خلال سياسة الإهمال الطبي المتعمدة بحقه".
ويتابع: "قبل أسبوعين زارته والدتي، حيث كان جسمه هزيلا جدا، وأخبرها أنه يرفض إجراء العملية التي قررت له مؤخرا لاستئصال جزء من أمعائه، وأنه لن يقبل بإجرائها إلا خارج السجن، أو أن يستشهد داخله، بسبب ما وجده من إهمال طبي، ومماطلات بإجراء العمليات التي قررت سابقا، ما أدى لتدهور وضعه الصحي بشكل كبير، إضافة لكونه لا يثق بأطباء السجون، ولا يعرف طبيعة الأدوية التي يتلقاها".
ويلفت إلى أن محامي معتصم طلب إفراجا مبكرا عنه، إلا أن الادعاء الإسرائيلي يقدم تقارير طبية مزيفة عن حالته خلال جلسات المحاكم، ولا تتضمن الفحوص الطبية المهمة التي تبين وضعه بشكل دقيق، بل وترفض مصلحة السجون إدخال أطباء مختصين من خارج السجن لعلاجه، وتشخيص وضعه، بحسب عاهد.
وعن معنويات شقيقه يوضح رداد: "على الرغم من تدهور وضعه، فهو يتمتع بروح معنوية عالية، ويرفض أن يبدي انكساره أمام سجانيه".
ويقبع في السجون الإسرائيلية بالتزامن مع يوم الأسير الفلسطيني ما يقرب من خمسة آلاف أسير فلسطيني، بينهم 1200 أسير مصاب بأمراض مزمنة، 24 منهم يعانون من مرض السرطان، ولا يقدم لهم سوى المسكنات، بحسب إحصاءات رسمية فلسطينية.
ويوم الأسير الفلسطيني هو اليوم الذي يحييه الشعب الفلسطيني في الـ 17 نيسان/ أبريل من كل عام، تكريما للأسرى الفلسطينيين، وبدأ الفلسطينيون بإحياء هذه الذكرى منذ التاريخ نفسه عام 1974، وهو اليوم الذي أطلق فيه سراح أول أسير فلسطيني محمود بكر حجازي، في أول عملية لتبادل الأسرى بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي.
عائلة الأسير يسري المصري من قطاع غزة، باتت تتوقع هي الأخرى سماع نبأ وفاة ابنها الأسير والمصاب بسرطان الغدة الدرقية منذ العام الماضي، في ظل تدهور خطير وسريع على صحته نتيجة عدم تقديم العلاج المناسب له والإهمال الطبي بحقه، بحسب العائلة.
واعتقلت القوات الإسرائيلية يسري المصري من منزله في المحافظة الوسطى في غزة عام 2003، ووجهت له تهمة المشاركة في عمليات المقاومة ضد الاحتلال، والانتماء لحركة الجهاد الإسلامي، وحكم عليه آنذاك بالسجن 20 عاما.
يقول ياسر شقيق يسري: "ظهرت أعراض المرض على يسري بعد 10 سنوات من اعتقاله، وبعد أن اشتكى من ألم في رقبته، وفي بداية الأمر قال له أطباء السجن إنها أورام بسيطة وستذهب مع المسكنات، لكنها ازدادت، وانتشرت في جسده، فأجريت له عملية لاستئصال الغدة الدرقية".
ويشير ياسر إلى أن مصلحة السجون تعمدت إهمال أخيه طبيا بعد العملية، حيث لم تجر له عمليات تنظيف وتعقيم لمكان الجرح، وبعد أن ساءت حالته قرر الأطباء المباشرة بالعلاج الكيمياوي له، وإجراء عملية استئصال لأورام أخرى، إلا أن شيئاً منها لم يتم، بعد أن طلب المحامي الإفراج المبكر عن يسري.
ولفت ياسر إلى أن شقيقه أكد لمحاميه أن "الأطباء في السجن يتعاملون معه بشكل غير إنساني، وأنهم يمارسون دور المحققين معه، في ظل انتشار كبير وسريع للأورام في جميع أنحاء جسده".
ومؤخرا، لم تعد إدارة سجن "إيشل" (جنوب إسرائيل) تستقبل يسري في عيادة السجن، أو مستشفيات السجون، بل تكتفي بإعطائه المسكنات العادية وهو في زنزانته، كما قال شقيقه.
من جانبها، أوضحت أمينة الطويل، المتحدثة باسم مركز الأسرى للدراسات (غير حكومي) أن "الاحتلال الإسرائيلي يتعمد قتل الأسرى المرضى من خلال إهمالهم طبيا، وعدم تقديم العلاج المناسب لهم، والاكتفاء بإعطائهم بعض المسكنات، التي لا تجدي نفعا مع آلامهم وأمراضهم الخطيرة".
وقالت الطويل: "ما يجري مع مرضى السرطان داخل سجون الاحتلال هو بمثابة حكم بالإعدام عليهم".
وأشارت إلى أن "هناك خمسة أسرى أصيبوا مؤخرا بمرض ضمور العضلات، وهم يعانون أوضاعا صحية تفوق خطر السرطان".
مدير مركز "أحرار" لدراسات الأسرى وحقوق الإنسان، فؤاد الخفش، أشار من جانبه إلى وجود عاملين أساسيين لتزايد مرضى السرطان في السجون الإسرائيلية وتدهور أوضاعهم، أولهما هو "الكشف المتأخر للمرض، وعدم وجود فحوصات دورية للأسرى داخل السجون، وغالبا ما يعرض الأسير على مستشفيات وأطباء غير مختصين، ويكتفون بإعطائه المسكنات، ما يؤدي لتفاقم مرضه".
واستشهد الخفش بحالة الأسير ميسرة أبو حمدية، الذي توفي العام الماضي بمرض السرطان داخل السجون الإسرائيلية، وقال: "عانى أبو حمدية من آلام في حلقه، وتوجه أكثر من مرة لعيادات السجن، وكانوا يصفون له أدوية لا علاقة لها بمرضه، وحين تم نقله للمستشفى كان قد مر على مرضه عام كامل، تفاقم خلاله المرض بشكل كبير".
أما العامل الثاني لتزايد مرضى السرطان من الأسرى، بحسب الخفش، فيتعلق بالجانب النفسي للأسير الذي يصاب بهذا المرض داخل السجن، في ظل أوضاع نفسية سيئة، حيث يتمكن المرض من الأسير بشكل سريع، "فهو لا أمل له داخل السجن، ولا يجد أحدا من أهله قربه، بل تمارس ضده سياسة إهمال طبي، وتعذيب نفسي وجسدي خلال مرضه".
ولفت الخفش إلى أنه تمت المطالبة قبل سنوات بزيادة الفحوصات الدورية للأسرى، لكن لم تتم متابعة الأمر، مضيفا أنه "حتى لو نطالب الآن بإجراء تحقيق دولي، أو إرسال وفد من الاتحاد الأوروبي، فإسرائيل ترفض بشكل كامل إدخال أي طرف من الخارج للسجون لإجراء تحقيقات، والوقوف على مجمل الأوضاع هناك".
وفيما يتعلق بتدوين العلاجات والأدوية المقدمة للأسير المريض وتوثيقها، أشار الخفش إلى وجود ملف طبي لكل أسير، وقد طالبت المؤسسات الحقوقية مرارا الجهات الرسمية الفلسطينية باتباع خطوات قانونية، للحصول على الملفات الطبية الكاملة لبعض الأسرى الذين توفوا داخل السجون بسبب الإهمال الطبي، للوقوف على الأدوية التي قدمت لهم، لكن لم يحدث أي شيء.
وتابع: "هناك على سبيل المثال أدلة دامغة ضد الاحتلال بقتل الأسير عرفات جرادات العام الماضي، خلال التحقيق معه بعد ستة أيام فقط على اعتقاله، لكن لم يتم استخدام هذه الأدلة لمحاسبة الاحتلال ومحاكمته على هذه الجرائم".
وتوفي في السجون الإسرائيلية اثنان من الأسرى بعد إصابتهم بمرض السرطان، هما الأسير حسن الترابي (22 عاما)، والأسير ميسرة أبو حمدية (63 عاما)، كما توفي الأسير أشرف أبو ذريع (29 عاما) العام الماضي بعد إصابته بضمور العضلات.
يشار إلى أنه لم يتسن الحصول على تعقيب فوري من قبل مصلحة السجون الإسرائيلية، بخصوص ما جاء في التقرير بشأن الأسيرين رداد والمصري، فضلا عن تصريحات المسؤولين الحقوقيين.