في سابقة بالمغرب اعتبرها كثيرون تعكس تحولا في موقف الدولة اتجاه التيار السلفي بالمغرب، أم الشيخ السلفي المعروف محمد الفيزازي الملك
محمد السادس، كما ألقى أول خطبة جمعة يقدمها أحد رموز التيار السلفي بين يدي ملك
المغرب، وهو الحدث الذي خلف ردود فعل كثيرة مستحسنة للخطوة كما حظي الحدث بمتابعة إعلامية واجتماعية جد واسعة.
الحدث الذي وصفته إحدى الصحف الأجنبية بأنه "خبر لا يصدق لكنه حقيقي" تم بمسجد طارق بن زياد بمدينة طنجة شمال المغرب الجمعة الماضية، خاصة أن الشيخ السلفي حكم ظلما بثلاثين سنة سجنا بقانون مكافحة الإرهاب رقم 03.03 الذي اعتمد مباشرة بعد أحداث 16 أيار/ مايو 2003 الإجرامية التي عرفتها مدينة الدار البيضاء وسط المغرب، وذلك قبل أن يتم الإفراج عنه بعفو ملكي رفقة عدد من السلفيين بالمغرب سنة 2011 بعد قضاء تسع سنوات وراء القضبان.
عن الحدث المثير، أجمع مهتمون بملف
السلفية بالمغرب في تصريحات لـ "عربي21" على أن الحدث غير عادي وبالغ الدلالة ومتعدد الرسائل التي تفيد بأن الدولة تقدم بهذه الخطوة إشارة واضحة في الانفتاح على السلفيين والتواصل معهم، خاصة من قام منهم بمراجعات فكرية أضحت معها مواقفهم أقل تشددا وأكثر وسطية واعتدالا ومنهم الفيزازي نفسه، كما لم يستبعد ذات المختصون أن يكون للخطوة ما بعدها من حل ومصالحه مع السلفيين بالمغرب خاصة من يزالون منهم قابعين بسجون المملكة حتى اليوم.
وقال الشيخ السلفي عبد الوهاب رفيقي المعروف بأبي حفص لـ"عربي 21" بالقول "بالنسبة إلي الحدث يعد إشارة بليغة الدلالة ومنعطف في مسار علاقة الدولة بالسلفيين ولعله مؤشر على مرحلة جديدة، بينهم كما أنه يعد استجابة لمبادرات عدة نودي بها من داخل السجن كما خارجه من أجل مصالحة اجتماعية شاملة لملف السلفيين".
وأضاف أبو حفص رفيق الفيزازي في السجن والمحنة في التصريح ذاته، أن الحدث يعكس تحولا في موقف الدولة والسلفيين اتجاه بعضهما، وهي تؤكد على أن منهج الوسطية والاعتدال هو المنهج الذي ينبغي أن يسلكه الجميع، معتبرا أن "الوقت الآن مناسب جداً للإفراج عن باقي المظلومين بالسجون".
من جهته صرح الشيخ محمد الفيزازي لـ"عربي 21"، بأن الحدث شكل له أمنية وأنه غير عادي، وأسر للموقع أن الملك اختار أن يصلي في ذلك المسجد ولم يغير رغبته بعدما علم أن الفيزازي هو الخطيب به، وهو ما عده الفيزازي شرف كبير له وهو أعظم رد للاعتبار بعد كل ما حاقه من ظلم.
الفيزازي الذي قال إنه لا يمثل السلفيين بالمغرب، اعتبر أن الرسائل التي يرسلها الملك من خلال خطوته، تعني أن الملك يريد أن يقول بأن المغرب يتسع لكل أبنائه وأن الملكية مظلة للجميع مهما اختلفت مواقفهم وآراؤهم، كما أنها حسب الفيزازي رسالة لجهات مازالت تتبنى التشدد والفكر العنيف، بأنه مع إيمانهم بالثوابت الوطنية وبروح التوافق فإن الملك لا مانع لديه من الصفح والعفو لمن أراد العفو، وهي رسالة يراها الفيزازي، موجهة للاستئصاليين ومن يعملون على إقصاء الإسلاميين بأنه لا للإقصاء وأن المغرب لكل المغاربة.
من جهتها اعتبرت سناء كريم الإعلامية المتخصصة في ملف السلفية بالمغرب، أن الخطوة تعد جد متقدمة في مسار تعاطي الدولة مع السلفيين، خاصة أمام الركود الذي عرفه هذا الملف في الأشهر الأخيرة تضيف سناء كريم، كما أن الدولة حسب المتحدثة كان بإمكانها اختيار مسجد آخر أو الإتيان بخطيب آخر لمسجد طارق بن زياد بطنجة، وهو ما أكد لها استثنائية الحدث وقوة رسائله.
وتابعت سناء كريم الكاتبة القارة بموقع "صدى" التابع لمؤسسة كارينجي الأمريكية للسلام في تصريح للموقع أن السلفيين أنفسهم فوجؤ بالخطوة وصفتا إياها بالخطوة الجيدة وأنها رسالة اتجاه أصحاب المراجعات كما سبقهم لذلك الشيخ محمد الفيزازي. كما أن رسالة الدولة تفيد أنها راغبة في التواصل مع المشايخ الذين أعلنو المرجعات خاصة ما يعرف بملف "السلفية الجهادية" الذي قالت كريم إنه مصطلح أمني إعلامي بالأساس.
وتطرق الفزازي في خطبته أمام الملك محمد السادس، إلى شرح قوله تعالى: "لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف"، مبرزا أن الله سبحانه في هذه السورة القصيرة المبنى، العظيمة المعنى، يذكر قريشا، وهم قبيلة النبي (صلى الله عليه وسلم)، بما مهّده لهم سبحانه من أسباب الطمأنينة والاستقرار، وبما جلبه لهم من احتياجهم إلى الطعام والشراب، وأرشدهم إليه من اتخاذ ما يمهد لذلك من الأسباب.
وأشار في هذا الصدد، إلى أنه ما من نعمة أعظم من نعمة أمن الإنسان على نفسه، وعرضه، وماله، ووطنه، إذ في ظل الأمن تستقيم العبادة والمعاملة، وفي غيابه وفقدانه تتعذران، فلا إيمان بلا أمن، ولا أمن بلا إيمان، إذ بالخوف والفتن لا يقوى الإنسان على الثبات على عقيدة، ولا على ممارسة عبادة أو معاملة.
ويسجل كثيرون بهذا الصدد أن المحامي مصطفى الرميد وزير العدل والحريات الحالي المنتمي لحزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية، متزعم الائتلاف الحكومي ساهم في الإفراج عن الفزازي، وكان من أبرز المدافعين عن الإفراج عن الشيوخ السلفيين، الذين سجنوا على خلفية قضايا الإرهاب، كما يعد من أبرز المحامين الذين تبنى ملفاتهم في وقت تهرب وتتصل منهم كثيرون.