قال البروفيسور، والمؤرخ اليهودي المعروف آفي شلايم إن "أمريكا تعطي إسرائيل المال والسلاح والنصيحة، فتأخذ إسرائيل المال والسلاح؛ وبوقاحة ترفض النصيحة". جاء ذلك في مقال نشره في صحيفة "نيويورك تايمز" بعنوان "على إسرائيل أن تتعلم شيئا من الأدب".
بدأ الكاتب مقالته بالإشارة إلى ما قاله وزير الدفاع الإسرائيلي
موشيه يعلون لصحيفة يديعوت أحرنوت في 14 كانون ثاني/ يناير: "وزير الخارجية
جون كيري الذي وصل إلى هنا مصمما، ويعمل بهوس غير مفهوم وبنوع من الرسالية، لا يستطيع أن يعلمني شيئا عن الصراع مع الفلسطينيين".
ويعلق الكاتب على كلام يعلون قائلا: "حتى بالمقاييس الإسرائيلية، فكلام يعلون هذا يعتبر وقحا للغاية، فجريمة كيري أنه يحاول التوسط في محادثات السلام الإسرائيلية- الفلسطينية التي بدأت في تموز/يوليو الماضي، وأن يحدد 9 أشهر للتوصل إلى حل. إن مثل هذا الكلام يسيء حتى للوقاحة".
ثم يقول "تكشف هذه الحادثة طبيعة العلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وتشير إلى أنها علاقة ذات طريق ذي اتجاه واحد، حيث تقوم أمريكا بالدبلوماسية الصعبة، والدور الإسرائيلي هو فقط العرقلة والشكوى ومكافأة كرم العم سام بنكران الجميل والازدراء".
ويضيف أنه "طالما أكد الزعماء الإسرائيليون على أهمية الاعتماد على النفس في مسألة أمن إسرائيل، إلا أن الحقيقة هي أن إسرائيل لا تستطيع البقاء لمدة طويلة بدون الدعم الأمريكي، فمنذ عام 1949 قدمت أمريكا دعما اقتصاديا لإسرائيل يصل إلى 118 مليار دولار، ولا تزال تقدم ما معدله 3 مليارات دولار سنويا، وأمريكا هي المُسلح الرئيس لإسرائيل، والضامن الرسمي لتفوقها العسكري النوعي على جيرانها العرب".
أما في المجال الدبلوماسي "فتعتمد إسرائيل على أمريكا لحمايتها من تداعيات انتهاكاتها المعتادة للقانون الدولي. فقد حكمت محكمة العدل الدولية بعدم قانونية "الجدارالأمني" الذي تقوم إسرائيل ببنائه في الضفة الغربية، كما أن جميع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية تنتهك اتفاقية جنيف الرابعة، إلا أن إسرائيل لا تزال توسّع المستوطنات".
ويشير شلايم إلى أن الولايات المتحدة استخدمت "منذ عام 1978 سنة توقيع اتفاقية كامب ديفيد بوساطة الرئيس جيمي كارتر، الفيتو في مجلس الأمن لصالح إسرائيل 42 مرة. وأفظع إساءة لاستخدام حق الفيتو كانت في شباط/ كانون ثاني 2011 ضد قرار يشجب التوسع الإستيطاني بعد أن حظي بدعم 14 عضوا في مجلس الأمن".
ويضيف الكاتب "بعض الأمريكيين، وبخاصة المحافظين الجدد، يؤيدون تقديم أكبر دعم ممكن لإسرائيل لاعتقادهم بأن مصلحة أمريكا ومصلحة إسرائيل في الشرق الأوسط واحدة. وقد يجادل البعض بأن احتلال الضفة الغربية يخدم أمن إسرائيل، حتى وإن كان ذلك يتنافى مع الديمقراطية ويجعل إسرائيل منبوذة دوليا".
ويظهر التناقض بين قول المحافظين الجدد وبين مصالح الولايات المتحدة "لكن ليس هناك أية حجة تثبت أن احتلال اسرائيل للضفة الغربية يخدم المصالح الأمريكية، بل على العكس ينمي الإحتلال مشاعر الكراهية لأمريكا في العالم الإسلامي، ويعرقل تطوير علاقات طيبة مع الدول العربية ،كما أخبر الجنرال ديفيد بتريوس لجنة مجلس الشيوخ عام 2010. لذلك فإن حلا للصراع الإسرائيلي الفلسطيني يشكل مصلحة أمريكية مهمة إن لم تكن ضرورية".
رغم كل ذلك "تحاول أمريكا الظهور بمظهر الوسيط الأمين، ومع ذلك يظل الجميع ينظرون إليها كمحامي إسرائيل، فـ "عملية السلام" التي دعمتها أمريكا منذ عام 1991 كانت مجرد تمثيلية: حيث كانت كلها عملية سلام، ولم تكن سلاما، وفي نفس الوقت منحت إسرائيل الغطاء لتستمر في مشروعها الاستعماري في الضفة الغربية".
و يضيف "تقدمت الرباعية المؤلفة من أمريكا وروسيا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي بخارطة طريق جيدة تنص على قيام دولة فلسطينية مع نهاية عام 2005، ولكن الرباعية لا تستطيع التصرف دون ضغط من أمريكا على إسرائيل، ومن التجربة فإن تلك الخارطة لم تكن سوى لعبة أمريكية ذكية لتضييع الوقت".
ويقر شلايم بأن جهود كيري محكوم عليها بالفشل رغم أن جهوده تستحق الثناء "فيعلون الكاره لكيري وحزبه الموبوء بالصقور ملتزمون بالوضع الجيوسياسي الراهن في الضفة الغربية، وهدفهم الحقيقي هو إنهاء محادثات السلام وإلقاء اللوم على الفلسطينيين في ذلك".
ويقول شلايم "في دولة طبيعية فإن استهتار وزير الدفاع بعلاقة ثنائية مهمة كهذه كان سيؤدي به إلى الطرد، ولكن إسرائيل ليست دولة طبيعية، والسبب أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لم يتخلَّ عن وزير دفاعه لأن ما قاله يعلون هو بالضبط ما يعتقده نتنياهو. المشكلة الحقيقية ليست في سوء أدب يعلون ولكن في محاولتهما فرض سياسات على شريكهما الأكبر مثل منع قيام دولة فلسطينية، مواجهة إيران، حماية الاحتكار النووي الإسرائيلي، وإبقاء الهيمنة على المنطقة بالقوة العسكرية، وهذا ما يتعارض تماما مع المصالح الأمنية الأمريكية".
ويرى الكاتب أن "المشكلة الجوهرية في الدعم الأمريكي لإسرائيل هو أنه دعم غير مشروط ،وبالتالي لا تدفع إسرائيل ثمنا لتصرفها بأحادية في عالم متعدد الأقطاب، ولا لانتهاكها الصريح للقانون الدولي، ولا لتعديها الممنهج على حقوق الإنسان الفلسطيني".
ويختم بالقول "الدعم الأعمى للدولة اليهودية لا يخدم السلام، ولن تستطيع أمريكا تحقيق شئ في الشرق الأوسط حتى تجعل دعمها المادي والعسكري مشروطا بحسن السلوك، والأهم من ذلك احترام إسرائيل للنصح الأمريكي".