أشارت صحيفة هآرتس الإسرائيلية الى أن نتائج مؤتمر جنيف متعلقة بقدر كبير بالتعاون بين روسيا وواشنطن، وبينهما وبين السعودية، قطر وايران.
وأكد الكاتب تسفي برئيل في مقاله بالصحيفة الاثنين أن لجميع تلك الدول المذكورة مصالح خاصة بها في سوريا، وبوسعها على الأقل أن تهدد وتضغط على الطرفين للوصول إلى اتفاقات، ولكنها لا يمكنها أن تقرر بدلا منهما.
وفيما يلي نص المقال:
طُلب من منظمي مؤتمر جنيف الثاني أن يجدوا قاعة لها مدخلان منفصلان، كي يتمكن وقد النظام السوري ووفد المعارضة من الدخول دون أن ينشب لا سمح الله اتصال جسدي بينهما. وبالفعل، فلم يحصل اي اتصال جسدي – لا مصافحة ولا تحية.
اللقاء الثلاثي الذي أداره الوسيط القديم عن الأمم المتحدة، الأخضر الابراهيمي كان ينبغي أن يتم يوم الجمعة، ولكن خلافات على الإجراءات وعلى جدول الاعمال أجلته الى السبت. وفي ذات الجلسة الاولى لم يصل الطرفان الى بحث جوهري. والقى الابراهيمي امام الوفدين خطاب تشجيع وتأكل البحث الجوهري الى السبت. وبين الجلستين لم يوفر أي من الطرفين النقد واللذع للطرف الاخر. وللحظة حام أيضا في الهواء تهديد وزير الخارجية السوري وليد المعلم لمغادرة المؤتمر اذا لم يتحقق توافق على الامور الاجرائية في المباحثات.
ورغم ذلك، فإن هذا هو المؤتمر الهام الأول الذي يجلس فيه جنبا الى جنب الطرفان المتخاصمان، اللذان يفترض ان يتوصلا الى اتفاق ما على وقف القتال وبدء مسيرة نقل السلطة. وكل طرف يأتي مشحونا بشحنات الكراهية والمقت تجاه الطرف الاخر، وكل طرف لا يزال مقتنعا بانه يمكنه أن يتغلب على الطرف الاخر بواسطة العنف. مهمة الابراهيمي تشبه حياكة نسيج حساس باسلاك شائكة.
أما المداولات الجوهرية فستجري هذا الأسبوع على مستويين. في القسم العملي الفوري، التطلع هو للوصول الى وقف للنار والموافقة على فتح قناة للمساعدة الانسانية على الاقل للمحاصرين في مركز مدينة حمص. ولكن هنا ايضا توجد هوة بين الطرفين. فالنظام يطلب أن تتضمن المساعدات وقف للعنف – أي وقف النار من جانب ميليشيات المعارضة، والنقاش في الارهاب. أما المعارضة بالمقابل، فتطالب بالبحث بالتوازي سواء في الخطوات الانسانية ام في نقل الحكم واقامة حكومة مؤقتة.
كما سيسعى الابراهيمي الى تحقيق اتفاق على خطوات لبناء الثقة تمهد الاجواء للبحث في المسائل الاساسية، وعلى رأسها اقامة حكومة انتقالية. وهنا بالذات قد يقع الانفجار بسبب الخلافات بين صفوف المعارضة. فاحد الاطراف الكبرى في المعارضة، المجلس الوطني، انسحب من اطار الائتلاف الوطني قبل المؤتمر. وعلل المجلس خطوته في أن مجرد المشاركة في المؤتمر بينما لا يزال الاسد يسيطر يتعارض والمبادىء التي يقاتل في سبيلها السوريون.
وحتى بين المندوبين الذين وصلوا إلى المؤتمر لا يوجد توافق على جدول الاعمال وعلى شكل ادارة المفاوضات. ويبدو ان زعيم المعارضة، احمد الجربا مستعد لان يبحث في اقامة حكومة انتقالية شرط أن تكون هذه ذات صلاحيات حقيقية وبالاساس الا يكون الاسد جزء منها أو يؤثر عليها. ويعتمد الجربا على موقف الولايات المتحدة التي اوضت بانه لن يكون للاسد مكان في الحكم الانتقالي.
ومن الجهة الأخرى ستصر سوريا على ألا تكون أي شروط مسبقة لاقامة الحكومة المؤقتة وان "الشعب يقرر" مكانة الاسد. بمعنى أنه حتى الانتخابات التي ستجرى اذا ما جرت سيواصل الاسد كونه الرئيس، كما أن مسألة تنافسه للانتخابات القادمة لا ينبغي أن تكون جزء من المباحثات. ويستند موقف سوريا الى تأييد روسيا وايران رغم أن الدولتين أعلنتا بانهما غير ملتزمتان بزعيم ما بل بـ "ارادة الشعب السوري".
واتفق الطرفان على اللقاء على أساس مبادىء جنيف 1 في حزيران 2012. ولكن الصعوبة الكبرى تكمن في التفسيرات لتلك المبادىء. فلم يقل أي منها أنه يجب عزل الاسد بل يجب اقامة حكومة مؤقتة ذات صلاحيات. وتفسر واشنطن بند نقل الحكم بانه يستوجب رحيل الاسد. أما روسيا التي تركت يوم الخميس المؤتمر فتعتقد بان هذا تفسير خاطيء.
عمليا، ليس مهما أي التفسيرين هو الصحيح وذلك لأن الطرفين الخصمين يتوجب أن يتفقا او لا يتفقا على تفسير مقبول يتيح التقدم في المحادثات او يؤدي الى انهيارها. ويبدو في هذه المرحلة أن تطلع الابراهيمي للوصول الى اتفاق في هذه المسألة الجوهرية حتى نهاية الاسبوع القادم بعيد عن الواقعية. ولكن حتى في الخطوات الاولية التي يرغب في تحقيقها توجد عراقيل كثيرة على الارض. فالمعارضة تدعي بانها تحققت موافقة الميليشيات المقاتلة في اطار الجيش السوري الحر للاستجابة لكل طلب يتحقق في موضوع وقف اطلاق النار. ولكن الى جانب هذه الميليشيات تعمل منظمات لا تنسق مواقفها مع الجيش السوري الحر، وبالاساس لا يوجد اي تأكيد على ان نشطاء القاعدة سيلتزمون بهذه الاتفاقات. وفضلا عن ذلك فان الجيش السوري الحر لم يؤكد بعد علنا موافقته. ومن جهة اخرى، يمكن لجيش النظام ان يضمن طاعة قواته، ولكن لا ضمانة الا يواصل القادة في الميدان اطلاق النار بمبادرتهم.
وأخيرا فان نتائج المؤتمر متعلقة بقدر كبير بالتعاون بين روسيا وواشنطن، وبينهما وبين السعودية، قطر وايران – التي كلها مشاركة في الدعم، التمويل والتسليح للطرفين المتخاصمين. لجميعها مصالح خاصة بها في سوريا وكذا بالنسبة لمكانتها في الشرق الاوسط. بوسعها على الاقل ان تهدد وتضغط على الطرفين للوصول الى اتفاقات، ولكنها لا يمكنها ان تقرر بدلا منهما.