أعلن حزب النور السلفي تدشينه لحملة واسعة أطلق عليها "نعم للدستور" لتعريف الشعب المصري بمحاسنه والتصدي للشبهات المثارة حوله في كافة المحافظات، من خلال عقد المؤتمرات والمهرجانات الجماهرية وتدشين حملة مماثلة على مواقع التواصل الاجتماعي. وكان الحزب قد شارك في لجنة الخمسين (عصابة الخمسين بحسب ناثان براون) التي عينت من قادة الانقلاب وأعدت دستورا ينهي "دستور الثورة"، وهو الدستور الذي انتخب الشعب واضعيه والذي حصل على رضا حوالي 64% من المستفتين المصريين.
وقد وضع الدستور الجديد على مقاس العسكر الذين يتحكمون في مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية للبلاد، وتضمن تحصينا لا نظير له للمؤسسة العسكرية ومنصب وزير الدفاع السيسي، إلا أن ذلك لم يقلق حزب النور إطلاقا وانصب جهده على المواد المتعلقة بالهوية باعتبارها معركته الأساسية في مواجهة الأزهر والكنيسة؛ فبحسب رئيس الحزب يونس مخيون حقق النور انتصارا بالحفاظ على المواد المتعلقة بالهوية والشريعة الإسلامية، وهو أمر لا غرابة فيه نظرا لطبيعتة حزب النور "الإحيائية".
أثارت مواقف حزب النور السلفي السياسية في مصر لغطا وجدلا واسعا في صفوف الإسلاميين والعلمانيين على السواء، فالذراع السياسية للدعوة السلفية في الاسكندرية الذي حصل على المركز الثاني في الانتخابات التشريعية التي أقيمت عقب ثورة 25 يناير تبنى سلوكا واقعيا فجّا وصف بالانتهازية حينا وبالبراغماتية حينا أخر. وقد جاء وقوفه إلى جانب الانقلاب العسكري مستغربا من حزب ديني تخلى عن شركائه الإسلاميين في "تحالف دعم الشرعية" الذي تشكّل عقب الانقلاب وضم معظم الأحزاب والقوى والفعاليات والشخصيات الإسلامية الرافضة للإنقلاب (تضم قائمة الأحزاب الإسلامية في التحالف كافة التوجهات الإيديولوجية الإسلامية وهي: حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين، حزب البناء والتنمية التابع للجماعة الإسلامية، وحزب العمل الجديد، وحزب الفضيلة، وحزب الإصلاح، وحزب التوحيد العربي، والحزب الإسلامي، وحزب الوطن، وحزب الوسط، وحزب الأصالة، وحزب الشعب)، ولم يكتف حزب النور بمفارقة الإسلاميين وإنما دخل في تحالفات مع واجهات الانقلاب العسكري المدنية العلمانية كحركة تمرد وجبهة الانقاذ (ائتلاف من الخاسرين يضم أكثر من 22 حركة وحزبا لا وزن لها انتخابيا، من أبرزها: حزب الدستور برئاسة محمد البرادعي، والتيار الشعبي المصري بزعامة حمدين صباحي وهو يساري في حلف ليبرالي، وحزب المصريين الأحرار، وحزب المؤتمر برئاسة عمرو موسى، وحزب التجمع، وحزب الوفد، والجمعية الوطنية للتغيير، والحزب العربي الناصري).
لا يبدو حزب النور السلفي مباليا بخسارة شركائه من الإسلاميين ولا يظهر قلقا من تخلي قواعده السلفية عن نهجه الداعم للانقلاب، فعلى الرغم من رفض أكثر من 60% من أعضائه للانقلاب بحسب الاستطلاع الداخلي الذي أجراه وانشقاق عدد من قياداته، إلا أنه لا يزال مصرا على صواب نهجه السياسي، لكن المؤكد أن حزب النور السلفي يحاول التكيّف مع المتغيرات ولا يرغب بالعودة إلى الهوامش وهو مخلص لنهجه الهوياتي الاحيائي كما ظهر جليا من خلال تمسكه بمواد الهوية والشريعة الإسلامية، فالحزب الممثل لتيار الدعوة السلفية بالاسكندرية لم يكن يوما معارضا للدولة في حقبة حكم مبارك ولن يكون معارضا للحكم في عهد العسكر. كما أن طبيعته الإيديولوجية المتصلبة عقديا تتوافر على نوع من الفصام والعلمنة تاريخيا، فهو يؤمن بكونه يمثل الفرقة الناجية والطائفة المنصورة الممتدة من أهل الحديث وإمامهم أحمد بن حنبل مرورا بابن تيمية وصولا لمحمد بن عبد الوهاب. ومن الناحية العقدية النظرية لا يؤمن حزب النور بالديمقراطية والتعددية وكافة منتجات الحداثة السياسية على صعيد الدولة والمجتمع، ويتعامل مع مجمل القضايا من منظور المصالح والمفاسد والضرورات والمحظورات، ومن هنا فقد جاءت فتاواه المؤيدة للانقلاب بذريعة حفظ الأنفس وتقليل المفاسد وتوفير الاستقرار لا من منظور الحق والعدل.
إن الرؤية العقدية والفقهية للحزب تستند إلى تراث سياسي سني محكوم بالنظر إلى مسألة الحكم من خلال التجربة التاريخية التي أفضت إلى التخلي عن منظومة الخلافة. وتستند هذه المنظومة في تأسيسها على "العقد والاختيار" وتنحاز إلى منظومة السلطنة التي تتأسس على "القهر والغلبة"، فالحزب يمتثل تماما للقواعد السياسية التي قررها فقهاء الأحكام السلطانية تاريخيا وفي مقدمتها القول بأن "من اشتدت وطأته وجبت طاعته" وقاعدة "سلطان غشوم خير من فتنة تدوم"، ولذلك يمكن القول أن الخوف من الفتنة والامتثال للقهر والقوة التي يمتلكها العسكر و"السلطان"/ السيسي هي المحركات والدوافع الأساسية للسلوك السياسي لحزب النور السلفي ومنظره الرئيسي ياسر برهامي.
لقد كشفت ثورة 25 يناير وانقلاب 3 يوليو عن تحولات كبيرة في رؤية الإسلاميين للثورة والدولة والمجتمع، وإذا كانت قوى الإسلام السياسي وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين قد دخلت في مسارات التغيّر والتحول عبر الانتقال من الأحادية إلى التعددية ومن السلطوية إلى الديمقراطية منذ زمن بعيد فإن قوى الإسلام السلفي تمر بطور من التحولات العميقة، فقد انحازت معظم التيارات السلفية إلى الشرعية ممثلة بالرئيس المنتخب محمد مرسي، وبقي حزب النور أمينا على حراسة تراث "أخلاق الطاعة" للمتغلب. بينما جاءت انتقادات كبار مشايخ السلفية في مصر أمثال: أبو اسحاق الحويني، وإسماعيل المقدم، ومحمد حسان، ومحمد حسين يعقوب، ومحمد عبد المقصود، وغيرهم، ومؤخرا عبد الرحمن عبد الخالق لتدشن عهدا جديدا للسلفية التاريخية والحديثة يتأسس على الحق والعدل وليس المصلحة والضرورة، وربما سنشهد نهاية قريبة لسلفية "أخلاق الطاعة" ممثلة بحزب النور، بانتظار بروز سلفية "أخلاق الحق والعدل".