فنون منوعة

آخر قصص العراقي عبد الستار ناصر .. شلال حزن وسخرية

عبدالستار ناصر
عبدالستار ناصر


يكتب القصصي العراقي الراحل عبد الستار ناصر بفيض عاطفي وسردي يتناول الاحداث والمشاعر والذكريات والآمال في شبه شلال من الحزن والسخرية.
المؤلف الذي توفي في هذا العام وفي مجموعته القصصية المعنونة (متى يختفي الاخر مني.. آخر قصص الراحل عبد الستار ناصر) يكتب باستطرادات سريعة وجمل قصيرة وينتقل بين حالة وأخرى من الواقع ومن الخيالي المتصور. جاءت المجموعة في 168 صفحة متوسطة القطع ضمت 17 قصة وصدر الكتاب عن (المؤسسة العربية للدراسات والنشر) في بيروت وعمان.
الروائية العراقية هدية حسين كتبت مقدمة المجموعة القصصية التي كتبها ناصر في كندا أحد المنافي العراقية العديدة فقالت "قصص هذه المجموعة كتبها عبد الستار ناصر بعد توقف دام أكثر من ثلاث سنوات إثر إصابته بجلطة في الدماغ... أثرت على تركيزه.
"كتبها في كندا ونشر مقدمتها في جريدة الصباح بعنوان (قصصي وأنا نتجول في كندا). كان محبطا خلال فترة الإنقطاع التي طالت أكثر مما يجب بالنسبة لكاتب عاشق للقصة بامتياز. وكنت دائماً أحثه على المحاولة حتى ولو كانت شخبطة في بداية الأمر... كان متوجسا وهو يعود للكتابة حتى أنه كان ينسى كتابة بعض الكلمات فيستعين بي...
"أحياناً يكون قد كتب الكلمة صحيحة لكنه غير متأكد من صحتها وأحيانا يتقدم حرف على حرف آخر... وهكذا بدأت المحاولة وتوالت القصص التي كنت أطبعها وارسلها إلى الصحف لأنه ظل منحازاً للورق ومعانداً في أن يبقى بعيداً عن عالم الإنترنت..."
في قصة (قبل الكابوس سعيد بموتي) يتحدث عن الأحلام بل الكوابيس التي تراوده فيقول "أنا رجل كثير الأحلام وبالدقة كثير الكوابيس. أدخل في بيت معتم وأخرج من العتمة يأخذني عنكبوت أشقر برأس أسود يشبك سيقانه حولي ثم يرميني في بيت آخر بين حفنة حشرات وزواحف تلسعني وتضحك..."
وفي المنام يرى زوجته في فراشه مع رجل آخر "شهقت وكدت أختنق صحوت من النوم وحمدت الله على أنني لم أتزوج بعد." ومرة حلم بأنه خروف يؤخذ إلى المسلخ وهو يعرف أنه ذاهب إلى الموت.
قصة (متى يختفي الآخر مني) لا تحتوي على انقسام في الشخصية "سكيتزوفرينيا" بل هي مراوحة بين الواقع وأحلام النهار أو فلنقل بين الواقع وبين واقع آخر يريده بطل القصة لنفسه فيبدو الامر كأن أكثر من شخص واحد يستوطن في هذه الشخصية المترجحة بين ما هو كائن وبين ما كان يود أن يكون.
يقول عبد الستار ناصر في هذه القصة "جئت بأمراضي جميعها عبرت بها القرن العشرين ودخلت القرن التالي وهي تمشي وتنام معي...إلى أين ومن أين؟ كأنني اكثر من واحد عندما أكون في بيروت أرى الاخر في الشام وحين أعبر الحدود الى أنقرة أجد جواز السفر يشير إلى عمان.
"أنظر إلى أختام الرحلات ولا أعرف حقا من الذي عافني في بغداد وجاء خلفي إلى القاهرة ؟ يبدو أنني أكثر من واحد ليس في هذا أدنى شك إنه اليقين الذي احتواني منذ اليفاعة والصبا. صحيح أنني أطوف أحيانا على حلم طري طازج أرى نفسي أمرح وأسرح وأذوب عشقا مع "شاكيرا" ومرة مع "شريهان" أو ألعب كما الأطفال (عريس وعروسة) والبقية لا تحتاج إلى تفسير. لكنها محض أحلام أصحو منها فلا أجد شريهان ولا شاكيرا.
"... أتساءل متى ارى الاخر مني؟  أعني كيف اري الآخرين الذين في داخلي والذين يرفضون الخروج ؟ يأتون في أحلامي كما السراب ... أهذا أنا أم الآخر الذي يختفي حين اظهر والذي يظهر حين ينام... عليل منذ طفولتي تلاحقني النكسات بينما الآخر الذي هو مني ما زال أنيقا مرتاح البال... أهذا أنا أم الآخر الذي يختفي حين أظهر والذي يظهر حين أختفي ...؟"
ويصل إلى نوع من مهادنة النفس ويبدو أن ذلك يحصل مع التقدم في العمر والضعف والإلتهاء بمتطلبات الجسد الصحية. هنا يصل إلى التخلص من الآخر قرب نهاية المطاف. يقول "لن يعذبني احد بعد اليوم ولن تلاحقني الهزائم والنكسات. لقد انتهيت تماما من الآخر الذي هو مني. رأيته. لم أفعل أي شيء. رأيته بقوة ولم أفعل أي شيء. إنني أعيش حياتي بهدوء أو ما تبقى منها..."
وفي قصة (مطر كالهمس) يكتب المؤلف باستطرادات سريعة وجمل قصيرة وينتقل بين حال وأخرى من الواقع ومن الخيالي المتصور يقول متحدثاً عن نفسه وعن حبيبته الميتة "خرجنا يومها نشم الندى في شارع البنات يسمونه سهوا (أبو نؤاس). أنظر اليها وأرى كيف ماتت في ذلك الباص وكيف تخليت عنها. وحدها ذهبت مع السائق وانتهى امرها.
"الحمد لله ها هي تضحك مع النسيم لا تدري ما هو مكتوب عليها في صفحة الوفيات المستقبل غامض مظلم وظالم أيضا شبعنا من الندى وعدنا هي نحو بيتها وأنا صوب ماخور رخيص وبعيد عن صديقي الذي يحتسي الخمرة حد الإغماء.. غريب هذا الماخور رخيص جداً يبدو أن الخمرة مغشوشة مع أنها تأتي مغلقة بقوة... وليس ثمة من يتلاعب بها.
"الأغرب أن اغنية (كذاب) تركض خلفي أينما وليت مع أنني افترض ما ليس بي. اشرب ببطء اشعر بسعادة مفرطة الساعة التاسعة ليلاً باب الماخور يفتح ويغلق على طريقة الكاوبوي لئلا يؤذي الزبائن بخاصة اأن صديقي دخل الماخور وجلس في زاوية قرب نافذة تطل على الشارع وأنا اجلس باتجاه معاكس أشرب مسرعاً لم أعد أشعر بالسعادة سأذهب الى مكان اخر لا أريد أن أكون الأحمق المغفل وأدفع حسابه مرة أخرى...".

التعليقات (1)
حسن عبدالله السرحان
السبت، 08-06-2019 09:41 م
رحم الله عبد الستار ناصر