ملفات وتقارير

الإسلاميون وحكومات الخليج: مَن يهدد مَن؟

ضاحي خلفان يخشى الإطاحة بأنظمة الحكم في الخليج على يد الإخوان
ضاحي خلفان يخشى الإطاحة بأنظمة الحكم في الخليج على يد الإخوان
بعد الانقلاب في مصر وإطلاق الملاحقات بحق جماعة الإخوان المسلمين، تصاعدت أصوات مناهضة في الخليج تتساءل: ومتى يحين دور الإخوان في الخليج؟

وإذا كانت دول الخليج عموماً لا تتعامل بتسامح مع الإخوان المسلمين، لكنها تعاملها ليس بسوية واحدة. فإذا كانت دولة مثل الإمارات لا تخفي موقفها الرسمي الرافض لوجود أي شكل من أشكال التنظيمات الإخوانية أو ما يدور في فلكها مع حملات أمنية بين الفترة والأخرى لضرب ما تقول إنها تنظيمات مرتبطة بالإخوان، تميل السعودية، وهي لا تقل تشككاً تجاه الإخوان المسلمين، إلى انتهاج سياسة بعدم المواجهة المباشرة داخل أراضيها ولكن مع إشارات مباشرة، وخصوصاً عبر الإعلام المرتبط بالعائلة الحاكمة، تحذر من خطر الإخوان على المملكة.

وفي محاولة لتفسير مخاوف حكام الخليج، وخصوصاً في السعودية، تقول دراسة لمركز ستراتفور الأمريكي: "للوهلة الأولى، أن تتولى حركة إسلامية السلطة في واحدة من أهم الدول العربية في المنطقة قد يبدو تطوراً ترحب به السعودية بحماسة، ذلك أن الإسلام فيها مكون رئيس لثقافة الدولة وهويتها السياسية. بالرغم من ذلك، فإن الرياض قلقة بشكل كبير بسبب ازدياد شعبية الحركة السياسية حول المنطقة، والعواقب التي تترتب على نهوض تشكيل جمهورية إسلامية يمكن أن تنزع الملكية المطلقة للعائلة الحاكمة السعودية".

وربما هذه هي المرة الأولى التي يجري فيها هذه الأيام الحديث علناً وبكل وضوح عن وجود الإخوان المسلمين في السعودية. ويمكن هنا استرجاع تصريحات سابقة لوزير الداخلية الراحل الأمير نايف بن عبد العزيز الذي عُرف بمواقفه المعلنة ضد الإخوان، ولكنه كان في المقابل يتناول شخصيات غير سعودية في هذا السياق.

ولعل الحكومة السعودية كانت حريصة في السابق على التقليل من شأن قوة الإخوان المسلمين في السعودية لكي لا تعطي انطباعاً بأنهم قوة تشكل تهديداً فعلياً للحكم. ولكن يبدو أن تمكّن الإسلاميين في عدد من بلدان الربيع العربي من الفوز بنسب متفاوتة في الانتخابات وبالتالي وصولهم إلى السلطة؛ دفع دول الخليج عموماً للتقدم خطوة. وهنا لم يعد الحديث عن مشكلات يتسبب بها الإخوان، بل عن "سعيهم" للإطاحة بالحكومات الخليجية.

وقد وصل الأمر بالإعلام في السعودية إلى الحديث عن صراع "الصقور" و"الحمائم" داخل الإخوان السعوديين، بل يجري الحديث (في الصحف السعودية) عن جيل جديد وجيل قديم، وهذا يعني إشارة رسمية إلى وجود تنظيمات للإخوان.

وهنا تتساءل المذيعة السعودية نادين البدير في مقال لها في صحية "الراي" الكويتية في 23 أيلول/ سبتمبر الماضي: " ماذا ينتظر النظام السعودي ليعلن الحرب المعلنة لا المبطنة (على الإخوان)؟ ومتى يعرف أن الصمت ليس دائماً حكمة؟".

وفي محاولة أخرى لتحريض السلطة في السعودية، خرج أستاذ القانون السعودي صالح السعدون ليتحدث عن أن نحو 90 في المئة من أساتذة الجامعات في السعودية هم من الإخوان، ليذهب إلى أن هذا هو سبب تدني مستوى التعليم في المملكة. وقد أثارت هذه "النظرية" عاصفة من السخرية على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث وُصف بأنه "عكاشة السعودي" في إشارة إلى توفيق عكاشة مالك قناة "الفراعين" المصرية.

ولم يقتصر الأمر على الهجوم الإعلامي، بل وصل الأمر بصحيفة "الوطن" السعودية في 2/10/2013 إلى حد اتهام "الإخوان" بتدبير مخطط لاغتيال رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عبد اللطيف آل الشيخ عبر محاولة دهسه بسيارة، بحسب قول الصحيفة. وهو ما دفع الهيئة لنفي هذه المعلومات جملة وتفصيلاً.

لكن المراقبين في المحصلة يعبّرون عن اعتقادهم بأن هذا التحريض قد يكون مقدمة لتكرار ما حدث في مصر. كما يذكّر هذا التحريض الإعلامي بالحملة الأمنية التي نفذتها السلطات في الإمارات ضد أعضاء جمعية الإصلاح بحجة ارتباط الجمعية بالإخوان المسلمين. فقبل هذه الحملة التي شملت اعتقال نحو 125 من المثقفين والمحامين وأساتذة الجامعات، بينهم رئيس الجمعية سلطان بن كايد القاسم (ابن عم لحاكم إمارة رأس الخيمة)، دأب قائد شرطة دبي الفريق ضاحي خلفان على مهاجمة (وشتم) الإخوان المسلمين بعد وصولهم للحكم في مصر، كما وصل به الأمر إلى حد السخرية من الثورات العربية ليسميها "ثورات الفسيخ" وأنها مجرد مؤامرة أمريكية.

فقد برز خلفان كمعبّر عما يجول في خاطر حكام الإمارات، والخليج بشكل عام، وشارك في حملة على الانترنت للهجوم على الإخوان والسلطة المنتخبة في مصر، بدأها بتقديم "التعازي للشعب المصري" بعد فوز الرئيس محمد مرسي بانتخابات رئاسة الجمهورية في حزيران/ يونيو 2012.

واتهم خلفان الإخوان المسلمين بالسعي إلى الإطاحة بأنظمة الحكم في الخليج. بل ووصل به الأمر إلى حد اتهام "الكثير من قيادات الإخوان (بأنهم) ذهبوا إلى أمريكا والتقوا مسؤولين في البيت الأبيض قبل الثورات التي أشعلت دول الغرب الإفريقي شرارتها" وفق قوله.

وبشكل عام، فإن دول الخليج تحظر أنشطة الإخوان المسلمين رسمياً، باستثناء الكويت. لكن حتى الإخوان الكويتيون يواجهون مشكلات في دول الخليج الأخرى. فعلى ىسبيل المثال، قام الأمير الوليد بن طلال بإبعاد الشيخ طارق سويدان عن إدارة قناة الرسالة بسبب موقفه الرافض للانقلاب في مصر. وفي وقت لاحق، أعلن السويدان أنه منع من دخول السعودية لأداء الحج. كما أعلنت الإمارات أنها ستمنع إخوان الخليج من دخول أراضيها.

وفي حين أن المؤيدين لسلطات الحكم في الخليج يضعون جميع الرافضين للانقلاب في مصر في خانة الإخوان المسلمين، كان هناك شيوخ مرتبطون بالمؤسسات الدينية الرسمية في السعودية عبروا عن مواقف رافضة للانقلاب بطريقة أو بأخرى.

وتعمل الحملة المناوئة للإخوان في دول الخليج على التركيز على ثلاث جوانب/ اتهامات: أن هذه الدول استضافت عناصر الإخوان الذين فروا من قمع جمال عبد الناصر في مصر منذ الخمسينيات من القرن الماضي وتذكيرهم بـ"الفضل" عليهم، وأن هؤلاء عملوا خلال فترة وجودهم على نشر فكرهم بين أبناء البلد الذي يتواجدون فيه ثم محاولة التغلغل داخل مؤسسات الدولة للسيطرة على الحكم. أما "الاتهام" الثالث، وهو الأخطر، فيقول، بحسب زعم كتاب ومسؤولين في دول الخليج، أن جميع المجموعات "الإرهابية" خرجت من تحت عباءة الإخوان المسلمين.

لكن مقالاً قديماً للكاتب الأمريكي غراهام فولر، جاء رداً على تصريحات سابقة للأمير (الراحل) نايف، يرى أن "المتابعين لهذه القضايا (..) يعرفون أن الإخوان أكثر اعتدالاً وأكثر حداثة من السلفيين والوهابيين"، في إشارة إلى الاتجاه الديني السائد في السعودية والمعتمد رسمياً. ويضيف فولر: "لا أحد من الإخوان تورط في العنف، وإن وجد من تورط فعددهم محدود جداً لا يكاد يذكر". ويقول أيضاً: "يمكن القول على الوجه الأعم إن الإخوان ليسوا متطرفين وليس العنف من مبادئهم. بالمقارنة مع جماعات ومنظمات أخرى".

وبينما تعمل دول الخليج، وخصوصاً الإمارات والسعودية، على  دعم الانقلاب في مصر مالياً وسياسياً وإعلامياً والعمل على تشويه صورة الإخوان المسلمين، نرى صحيفة "الجزيرة" السعودية تتساءل بحماسة كبيرة عمن "سيسقط أولا": حكم حركة النهضة في تونس ام حركة حماس في غزة.

وهنا يبرز سؤال: إذا كانت مشكلة هذه الدول مع نشر فكر الإخوان في أراضيها، فلماذا تتخذ مواقف، بل وتسعى بشكل فعلي لإفشال تجارب حكم لأحزاب من خلفيات الإسلامية في دول مثل تونس وفلسطين وحتى تركيا؟ بل ولماذا دعمت هذه الدول الانقلاب في مصر على حكم الرئيس المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين؟

في هذا السياق تقول دراسة مركز ستراتفور: "من وجهة النظر السعودية، سيساعد أي انفتاح ديمقراطي جماعة الإخوان المسلمين فقط، وسيساعدها على جعل مذهبهم السياسي الإسلامي شرعياً في حين سيتم التشكيك في الملكية".

وتضيف الدراسة: "كانت السعودية مرتبكة للغاية لسقوط المستبدين في تونس ومصر وليبيا.  فهذه الأنظمة كانت قوية البنية ومع ذلك خضعت للضغوط المحلية، الأمر الذي زاد من قلق العائلة الحاكمة السعودية على نفسها وعلى الممالك العربية الصديقة لها".

ويقول مراقبون إن وجود حركة إسلامية تتبنى نموذجاً معتدلاً وتتمكن من بناء تجربة ناجحة سيعني وجود بديل ممكن ويلقى راوجاً لدى الناس، لا سيما بالنسبة للسعودية التي تقول إنها تحكم بأحكام الإسلام.

وتخلص دراسة ستفراتفور إلى القول: "تتحدى نهضة الإسلاميين السياسية الادعاء التاريخي السعودي بأنَّ نظامهم السياسي المدعوم بالعلماء هو نموذج رسمي للسلطة".

0
التعليقات (0)