تأكيد رئيس الوزراء، د. عبدالله النسور، (في لقائه مع الكتّاب أول من أمس) على عدم تغيير المقاربة الأردنية تجاه سورية، يأتي في سياق عودة أصوات محسوبة على النخبة السياسية المحافظة القريبة من خط الدولة، ومعها التيار الموالي للنظام السوري في عمان، تدعو إلى ضرورة ترميم العلاقات مع نظام بشار الأسد خلال الفترة المقبلة، بدعوى أنّ المؤشرات تشي بإمكانية نجاته واستمراره في الحكم، ما يعني أنّ مصلحة الأردن الوطنية تتمثل في علاقات غير متوترة معه!
يسند هذا "الصوت" دعواه بتوظيف جملة من المتغيرات الإقليمية والدولية للاستنتاج بأنّ الأسد باقٍ؛ بعد أن أثبتت الإدارة الأميركية عدم "جاهزيتها" لتوجيه ضربة للنظام السوري، والمرونة التي أبداها "هو" في موضوع الأسلحة الكيماوية، والصفقة المتوقعة بين إيران والولايات المتحدة، وصعود الدور الروسي في المنطقة.
ويضيف هذا الصوت بأنّ صعود "القاعدة" يمثّل خطراً إقليمياً، يهدد مصالح الأردن والمنطقة والغرب على السواء. كما أنّ سيناريو سقوط الأسد اليوم سيؤدي إلى فوضى داخلية وحرب أهلية لا تخدم الأردن، مع وجود "مراجعة" إقليمية ودولية بشأن الموقف من سورية، تجعل من خطر "القاعدة" أولويةً على الصراع مع الأسد، ما يعني أنّ الأخير نجح في استدراج مفهوم "الحرب على الإرهاب" إلى بلاده، وإقناع المجتمع الدولي بأنّ البديل عن سقوطه هي "مجموعات متطرفة" تمثّل خليطاً ما بين السلفيين و"القاعدة".
في الوقت نفسه، تبدو المعارضة السورية في حالة مزرية؛ منقسمة بين مساحات نفوذ دولية وإقليمية، وما بين معارضة سياسية في الخارج، وإسلامية داخلية مسلّحة بدأت تعلن في الآونة الأخيرة عن حقّها في التمثيل السياسي، وتشكّك في مدى "شرعية" تمثيل الخارج لها.
مثل هذه الظروف والحيثيات هي التي دعت أصدقاءنا المحافظين، ومعهم التيار اليميني، في عمّان، إلى المطالبة بـ"استدارة" رسمية تجاه ما يحدث في دمشق، بل وبدأت بنسج أخبار لا أساس لها من الصحة، بوجود "توجهات" لدى "مطبخ القرار" تتمثل بداية بتعيين شخصية سياسية تصفّي الأجواء مع النظام السوري، بعد أن تجاوز حافة الهاوية!
من سوء حظ هذه الفرضيات أنّها تزامنت مع إعلان أصدقاء سورية، والأردن منهم، بصريح العبارة أنّه لا دور للأسد في رسم مستقبل سورية. واشترطت المعارضة السورية لحضور مؤتمر "جنيف2"، في حال عقده، أن يكون هدفه إنهاء حكم الأسد، وهو "شرط" يمثّل، كما تعرفون، "المعضلة" الرئيسة في المؤتمر، وفي الحوار الأميركي-الروسي حول مستقبل سورية.
التوجه نحو حلّ سياسي لا يعني بالضرورة بقاء الأسد؛ بل الصفقة الدولية والإقليمية ستكون على الأغلب مرتبطة بتقرير المرحلة الانتقالية مع إخراج الأسد من اللعبة، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة عبر نزع صلاحياته وسلطاته.
أمّا رهان الأصدقاء على إعادة تأهيل الأسد دولياً وإقليمياً ليكون "شريكاً في الحرب على الإرهاب"، بدلاً من القضاء عليه، فهو سيناريو خيالي. ففي الوقت الذي ساعدت فيه "داعش" (قاعدة سورية) الأسد كثيراً في إرباك الأجندة الدولية، إلاّ أنّ رأسه ما يزال شرطاً للحل السياسي الدولي التوافقي، وهي صفقة أكثر واقعية حتى لدى حلفائه؛ إصلاحيو إيران أو الروس، إذا ضمنوا حصتهم من الكعكة!
ذلك سياسياً. أما عسكرياً، فإنّ قدرة أحد الأطراف على الحسم ميدانياً هي بمثابة وهم كبير؛ فإما حل سياسي من شروطه إسقاط الأسد، ومرحلة انتقالية معقدة، وإما استمرار لصراع عسكري، مع ما يحمله من تداعيات أخطر؛ مثل تقسيم سورية والفوضى والحرب الأهلية. وفي كل الحالات لا أظن أن هذا انتصاراً للأسد، وإذا كان يعبّر عن نوع من العبقرية فهي كارثية عدمية، عنوانها الوحيد "الأسد أو نحرق البلد"!