حول العالم

كيف تحفظ أمريكا منتجات الجبنة لأشهر بدون تبريد؟

تُقدَّر مساحة شبكة الكهوف لتخزين الجبنة في ولاية ميسوري بـ 3.2 ملايين قدم مربّع – نيويورك بوست
تُقدَّر مساحة شبكة الكهوف لتخزين الجبنة في ولاية ميسوري بـ 3.2 ملايين قدم مربّع – نيويورك بوست
تحت الأرض في ولاية ميسوري الأمريكية، تختبئ كهوف ضخمة تُخزّن فيها ملايين الأرطال من الجبنة، وهذه الكهوف، التي كانت في الأصل مناجم للحجر الجيري، أصبحت اليوم واحدة من أغرب المنشآت التخزينية في الولايات المتحدة والتي تمتد على مساحة 3.2 ملايين قدم مربع.

اظهار أخبار متعلقة


وتواجه الشركات في الولايات المتحدة تحديًا كبيرًا التي تجد صعوبة في تصريف فائض هائل من الجبنة يقدر بنحو 600 مليون كيلوغرام، والذي يمكنه ملء 250 ملعب كرة قدم بسمك نصف متر، وهذا الفائض ليس مجرد نتيجة للزيادة في الإنتاج، بل هو جزء من مشكلة أعمق نشأت منذ عقود.


وبحسب تقرير لصحيفة "nypost" ، فأن هذه الكهوف والتي كانت في الأصل مناجم أو محاجر للحجر الجيري – تحوّلت إلى مرافق تخزين ضخمة بفضل مزيج من الظروف الجيولوجية والاقتصادية، ولكن لماذا تمتدّ هذه السرديّة الغريبة لتخزين الجبنة تحت الأرض؟ وما هي الأسباب الخفيّة؟ وما الذي يجري حقا تحت الأرض؟!.


من فائض الألبان إلى كهوف الجبنة
تبدأ القصة أساسا في سبعينيات القرن الماضي، حينما واجَهت الصناعة الزراعية الأمريكية تحدّيات في قطاع الألبان، من بينها ارتفاع أسعار الحليب بنسبة كبيرة، والتدخّل الحكومي لتثبيت الأوضاع، وفي عام 1977، منح الرئيس جيمي كارتر دعماً كبيراً لصناعة الألبان، ما أدى إلى تنشيط الإنتاج، لكنه بالتالي جرّ معه فائضًا كبيرًا من الحليب والجبنة.

بحلول أوائل الثمانينيات، امتلكت الحكومة الأمريكية كميات ضخمة من الجبنة، تقدر بنحو 500 مليون رطل تقريبًا ( 227 مليون كيلوغرام)، وتمّ استخدام برنامج يُعرف بـ “الجبنة الحكومية” (Government Cheese) لتوزيعها على الأسر ذات الدخل المنخفض، تحت إدارة الرئيس رونالد ريجان، لكنّ العمليات لم تتوقّف عند ذلك، ومع الوقت، واستمرار الإنتاج وارتفاع المخزون، برزت الحاجة إلى تخزين هذه الكميات بطريقة آمنة، ما قاد إلى استخدام الكهوف تحت الأرض


ما هي كهوف التخزين؟ ولماذا تحت الأرض؟
شبكة الكهوف تحت الأرض تُشكّل مساحة تُقدَّر بـ 3.2 ملايين قدم مربّع، وكانت في الأصل منجما للحجر الجيري قبل أن تتحوّل إلى مخازن تحت الأرض – ارتفاع الأسقف فيها كبير، ما يسمح بدخول الشاحنات والمعدات، السبب في تحويلها إلى مرافق تخزين بسيط إلى حدّ ما، البيئة تحت الأرض مستقرة نسبيا من حيث الحرارة والرطوبة، ما يجعلها مناسبة لتخزين المنتجات الغذائية مثل الجبنة لفترات طويلة، وتمتاز الكهوف بأسقف عالية تُمكّن الشاحنات من الدخول، والمساحات تصل إلى ملايين الأقدام المربعة

ومع أن بعض الأميركيين يظنون أنّ الحكومة لاتزال تمتلك “كهوف جبنة” ضخمة تحت Springfield، فإن الواقع بحسب المصدر أنّ المرفق يُستخدم بالدرجة الأولى من قبل شركات خاصة، وليس الحكومة مباشرة.


ماذا يُخزّن هناك اليوم؟
اليوم، تُستخدم هذه الكهوف العملاقة كمنشآت تخزين رئيسية ضمن سلسلة التوريد الغذائية في الولايات المتحدة، حيث تُخزَّن فيها منتجات مختلفة، أبرزها الجبنة التي تنتجها شركات كبيرة مثل Kraft Heinz وDairy Farmers of America.


وعلى عكس الشائعات التي تصفها بأنها "قبوّ جبنة حكومي"، فإن الحقيقة أن هذه الكهوف منشآت تجارية ضخمة، تشارك في عملية إنتاج وتوزيع الجبن، وتشكل جزءًا أساسيًا من البنية التحتية لسلسلة التوريد الوطنية، ولم يعد الهدف مجرد تخزين فائض الإنتاج، بل أصبح إدارة المخزون بذكاء، والحفاظ على بيئة مناسبة للمنتجات، وتقليل تكاليف التبريد والتخزين العلني، مما يجعل الكهوف خيارًا طبيعيًا وفعّالًا.

اظهار أخبار متعلقة


كما أن الجبن ليس وحده ما يُخزَّن هناك، فالكهوف تحتضن أيضا منتجات غذائية أخرى، من اللحوم المجمدة إلى المشروبات، لتتحوّل هذه المنشآت إلى ما يشبه مدينة تحت الأرض، تتنفس هواءً باردًا ثابتًا، وتخدم الاقتصاد الأمريكي بهدوء وصمت، ومع ذلك، هناك بعد بيئي واقتصادي مقلق؛ فإنتاج فائض ضخم لا يجد طريقه إلى الاستهلاك المباشر، ثم إنفاق موارد هائلة لتخزينه، يعكس خللاً في معادلة العرض والطلب، ويظهر تأثير سياسات الدعم الزراعي التي جعلت الإنتاج هدفًا بحد ذاته، لا وسيلة للتوازن.

هل يغير ترامب المعادلة؟
في ظل جملة من التحديات، يبرز السؤال، هل سيغير الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المعادلة من خلال معركة الرسوم الجمركية؟، فربما يسعى ترامب إلى فرض الجبنة الأمريكية على العالم بالقوة كما فعل مع العديد من المنتجات الأخرى، ليضمن تصديرها بأسعار تنافسية، إلا أن هذا الأمر سيظل موضوعًا معقدًا، مع التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجه صناعة الألبان الأميركية في الأسواق العالمية.
التعليقات (0)