خلال الخمسة عشر شهرا المريرة من حرب غزة كانت غالبية وسائل الإعلام، العربية والعالمية، مُنشغلة بمجريات الحرب «الإسرائيلية» ضد المدنيين العزل، وتحاول جاهدة نقل بعض الحقيقة، ولكن غالبية تلك الوسائل الإعلامية تغاضت «مرغمة» عمّا يجري في
الضفة الغربية لانشغالها بنقل بعض المجازر الصهيونية في قطاع غزة!
وتُشكّل الضفة أكثر من 20 بالمائة من مساحة فلسطين، وتضمّ الجزء الشرقي من مدينة القدس، ومدن الخليل، ونابلس، وجنين، وطولكرم، ورام الله، وبيت لحم وأريحا، وطوباس وتقع تحت سيطرة السلطة الفلسطينية برئاسة الرئيس محمود عباس!
والهجمات «الإسرائيلية» بالطائرات المسيّرة والصواريخ والاقتحامات مستمرّة ضد الضفة وبقسوة كبيرة، وقد أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية، في الثالث من الشهر الجاري، عن سقوط (905) شهداء في الضفة بينهم (182) طفلا منذ السابع من أكتوبر 2023!
ويبدو أن الجهد العسكري «الإسرائيلي»، بعد غزة، توجّه للضفة، وقد وَثّقت «هيئة مقاومة الاستيطان» (2161) اعتداء صهيونيا خلال يناير الماضي في الضفة!
والتركيز «الإسرائيلي» على «
جنين، وطولكرم، وطوباس» ومخيّماتها دليل على خطّة استيطانية جديدة، وبالذات مع تهجير غالبية السكان!
وقد ركّز
الاحتلال في مجازره بوضوح على جنين، ومجازره هناك لا تقلّ بشاعة عن تلك التي وقعت في غزة إلا من حيث عدد الشهداء وحجم التدمير!
ونفّذت «إسرائيل» في جنين في الأول من هذا الشهر، أكبر عملية تفجير لمربّعات سكنية منذ العام 2002 وطالت (20) منزلا، ولهذا لم يَبْق في جنين سوى (70) عائلة دون أي تواصل مع الخارج، فيما أُجبر نحو 48 بالمائة من سكان مخيّم طولكرم على النزوح، منذ «طوفان الأقصى»!
ولم يكن موقف أهالي الضفة أقل بطولة وبسالة من الغزّيين، وشهدت الضفة خلال الشهر الأول من العام الحالي تصعيدا نادرا من
المقاومة الشعبية، وكانت حصيلتها، وفقا لمركز معلومات فلسطين «معطي»، مقتل ستة جنود «إسرائيليين» وجرح (40) آخرين!
ووثّق المركز (522) عملاً مقاوماً وشعبياً، وكذلك (50) اشتباكاً مسلّحاً و(20) عملية إطلاق نار، و(94) عملية زرع عبوات ناسفة، وإعطاب سبع آليات عسكرية.
وبخصوص المظاهرات وأعمال المقاومة الشعبية، قال المركز إنها بلغت (346) عملاً، فيما تَصدّت المقاومة لنحو (45) اعتداءً من المستوطنين!
وتواصل المسيّرات الصهيونية قصفها للمدنيين في جنين، وبمعدّل شهيدين يوميا خلال الأسبوعين الماضيين، بالإضافة إلى عشرات الجرحى، ودمّرت أكثر من (150) منزلا بشكل كلّي!
ويبدو أن التعطّش الصهيوني للدماء لا يمكن إشباعه بسهولة، فبعد مذابحها في غزة عادت «إسرائيل» لنقل تجاربها الإرهابية إلى مدن فلسطينية أخرى، وكأنّ قتلها لأكثر من (50) ألف مدني غَزّيّ لم يَرْو إرهابها وعطشها من دماء الفلسطينيين!
ومع ازدياد هذه الهجمات حذّرت الرئاسة الفلسطينية من انفجار لا يمكن السيطرة عليه، وخصوصا مع إصرار «إسرائيل» على توغّلها البرّيّ في الضفة، وتفجيرها لأحياء كاملة في المخيّمات وتهجيرها للمدنيين العزل، وكأنها تنفّذ خطّة استيطانية جديدة ومدروسة!
وطالب الرئيس عباس، يوم الثاني من شباط/فبراير الحالي، بعقد جلسة طارئة وعاجلة لمجلس الأمن الدولي، لوقف «العدوان الإسرائيلي المتواصل على الشعب الفلسطيني»!
وأعتقد أن الأيام القليلة المقبلة، وبالذات مع زيارة
نتنياهو الحالية لواشنطن، والدعم المذهل الذي أظهره الرئيس ترامب «لإسرائيل»، ستكون الفيصل في معرفة المخطّطات «الإسرائيلية» الجديدة بالمنطقة، والتي تحاول من خلالها «تغيير» شَكْل الشرق الأوسط!
إن «إسرائيل» تحاول، وبخطط متنوّعة ومتجدّدة، كسر إرادة الشعب الفلسطيني وقهره، وقلب حياتهم إلى جحيم مستمرّ، ورُعْب مُمِيت لتحقيق أهدافها التوسعية!
المخطّطات الصهيونية مصيرها الفشل لأن إيمان الفلسطينيين أكبر من مؤامراتهم الخبيثة، والنصر سيتحقّق لفلسطين وأهلها ولو بعد حين!
الشرق القطرية