في خضم الحرب المدمرة في
السودان، بدأ العديد من
النشطاء
الديمقراطيين الشباب، الذين كانوا في السابق من معارضي
الجيش، في دعم القوات المسلحة
السودانية بعد أن ارتكبت قوات الدعم السريع فظائع ضد المدنيين.
وهؤلاء النشطاء يرون أن الحرب ليست مجرد صراع على السلطة،
بل معركة من أجل بقاء السودان، حيث انضم بعضهم إلى الجيش للمساهمة في الدفاع عن سيادة
السودان ضد الميليشيا المدعومة من الخارج، وعلى الرغم من اختلافاتهم السياسية السابقة،
تجمعهم الرغبة في حماية مؤسسات الدولة السودانية.
اظهار أخبار متعلقة
وقالت مجلة "
فورين بوليسي"، في تقرير لها ترجمته
"عربي 21"، إنه بعد عامين من الحرب الكارثية في السودان، بدأت تلوح بارقة
أمل مع تحقيق القوات المسلحة السودانية تقدمًا كبيرًا، مشيرة إلى أنه خلال الأسابيع
الأخيرة، استعادت القوات المسلحة السودانية مساحات واسعة في ولايتي سنار والجزيرة،
واقتربت من العاصمة الخرطوم، حيث تمكنت من فك الحصار عن مقر قيادتها. وقد أدى تحرير
مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، من سيطرة قوات الدعم السريع إلى احتفالات واسعة
بين السودانيين، مما أعاد الأمل في العودة إلى ديارهم بعد سنوات من النزوح والمعاناة.
وأشارت المجلة إلى أنه بينما يعزو المراقبون الدوليون هذه
الانتصارات إلى الدعم الإقليمي، حيث تدعم مصر وقطر وإيران القوات المسلحة السودانية
فيما تساند الإمارات وتشاد قوات الدعم السريع، فإن هناك عاملًا حاسمًا لم يحظَ بالاهتمام
الكافي، وهو تعبئة النشطاء الديمقراطيين الشباب الذين كانوا في السابق من أشد المنتقدين
للجيش، والذين حمل بعضهم السلاح ضد قوات الدعم السريع، معتبرين الميليشيا أكبر تهديد لسيادة السودان ومستقبله.
وأضافت المجلة أن المجتمع الدولي، بقيادة الولايات المتحدة،
صور النزاع على أنه صراع بين فصيلين متساويين في المسؤولية، لكن على الرغم من ذلك،
لم تعد هذه السردية قابلة للاستمرار، كما أن القرار الأخير لإدارة جو بايدن بأن قوات
الدعم السريع قد ارتكبت أعمال إبادة جماعية، إلى جانب العقوبات التي فرضت على قادة
القوات المسلحة السودانية، بما في ذلك الجنرال عبد الفتاح البرهان، لا يعكسان الواقع
المعقد على الأرض.
وأردفت المجلة بأنه بالنسبة للنشطاء الشباب، تمثل القوات
المسلحة السودانية مؤسسات الدولة السودانية الشرعية — وإن كانت غير مثالية — فيما يُنظر
إلى قوات الدعم السريع على أنها ميليشيا مدعومة من الخارج مسؤولة عن الجرائم البشعة،
بما في ذلك أعمال النهب والقتل والعنف المنهجي، مشيرة إلى أنه في المراحل الأولى من
الحرب، أنشأت القوات المسلحة السودانية مراكز تجنيد وتدريب تطوعية في جميع أنحاء السودان
لمعالجة نقص القوى العاملة لديها، وبعدما كانت تعتمد على قوات الدعم السريع كقوة مشاة
قبل النزاع، واجهت القوات المسلحة السودانية فجوة كبيرة بعد تمرد قوات الدعم السريع.
وتابعت المجلة بأن المجموعات الثورية الشابة، التي كانت في
السابق من أقوى منتقدي القوات المسلحة السودانية، تدخلت لملء هذا الفراغ، وانحاز أغلبهم
إلى الجيش عندما بدأت قوات الدعم السريع في استهداف المدنيين والأقليات العرقية بشكل
علني.
ويُعد باسل عبد الحميد، مهندس كهرباء وعضو سابق في لجنة مقاومة
حي كلاكلا، مثالاً لهذا التحول، ففي العام 2019، كان عبد الحميد يحلم بسودان مؤسس على
العدالة والمساواة والفرص، وكان مشاركًا بشكل عميق في المبادرات الشعبية والاحتجاجات
ضد كل من الجيش والأحزاب السياسية المدنية، لكن اندلاع الحرب ووحشية قوات الدعم
السريع أديا إلى تغيير رؤيته للواقع، حيث غزت قوات الدعم السريع منزله، وأرهبت عائلته،
فقرر التطوع مع سلاح المدرعات في القوات المسلحة السودانية.
ولفتت المجلة إلى قصة محمد إبراهيم فاضل، خريج العلوم الفيزيائية،
الذي انضم إلى القوات المسلحة السودانية على الرغم من ميوله السياسية الإسلامية ومعارضته
السابقة لحكم العسكر، حيث تم اعتقاله أثناء الاحتجاجات ضد اتفاق تقاسم السلطة الذي
همش الإسلاميين، ورغم ذلك رأى فاضل أن قوات الدعم السريع تشكل التهديد الأكبر لاستقرار
السودان.
وهناك شاب آخر يدعى حسن عبد الرحمن، وهو طالب في درجة البكالوريوس
بالمحاسبة المالية، والذي شهد الفظائع التي ارتكبتها الميليشيات في غرب السودان، والتي
دفعته للتحالف مع القوات المسلحة السودانية باعتبارها المدافع الشرعي عن سيادة السودان.
وبينت المجلة أن هؤلاء المتطوعين الشباب يؤكدون أن مشاركتهم
في النزاع ليست مدفوعة بالربح السياسي، بل برغبة في حماية مؤسسات الدولة السودانية
وهزيمة قوات الدعم السريع.
اظهار أخبار متعلقة
وبحسب المجلة؛ لم يقتصر الأمر على النشطاء الذكور فقط، حيث
كان للنساء قوة مركزية في الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية، وكثير منهن يدعمن الآن القوات
المسلحة السودانية حتى وإن لم يحملن السلاح، مدللة على ذلك بقصة جوليا سليم، خريجة
جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا، والتي كانت مناصرة للتغيير الجذري والديمقراطية
في السودان، لكنها بعد الثورة فقدت الثقة في الأحزاب السياسية والجماعات التي تحالفت
مع حكومة الانقلاب واستمرت في دعم الجهود ضد انقلاب البرهان لاستعادة الديمقراطية،
مؤيدة للجيش السوداني من أجل الحفاظ على الدولة والوحدة الوطنية.
واختتمت المجلة تقريرها بالقول إنه بينما يؤطر المجتمع الدولي
الصراع باعتباره صراعًا على السلطة بين جنرالين متجاهلًا دور وتطلعات هؤلاء النشطاء
الشباب، إلا أن الحرب بالنسبة للشباب ليست مجرد صراع على السيطرة الإقليمية؛ وإنما
معركة من أجل وجود السودان نفسه، مشيرة إلى أن قصص هؤلاء الشبان تتحدى السرديات التبسيطية
وتبرز أهمية فهم الديناميكيات الشعبية التي تشكل مستقبل السودان.