قال رئيس
تحرير موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، ديفيد
هيرست، إنه يشك في أن يتم
في يوم من الأيام جلب
نتنياهو وغالانت وجميع من شاركوا في ارتكاب هذه الإبادة
الجماعية إلى العدالة في حياتهم.
وتابع في مقاله المنشور على الموقع، أنه لعقود قادمة، وأد نتنياهو أي فرصة أمام
اليهود الإسرائيليين يتمكنون من خلالها من العيش بسلام مع جيرانهم العرب.
وأكد هيرست أن ما يجري اليوم، أسوأ من النكبة في عام 1948 عندما تم تحويل 700 ألف
فلسطيني إلى لاجئين، وذلك لأن ما حدث في دير ياسين أو في الطنطورة يحدث كل ليلة
في شمال غزة.
ورغم أن
تكنولوجيا القتل اختلفت، إلا أن نية عدم ترك أحياء في المكان فلم تتغير.
وتابع: "لا يدخل إلى المكان طعام ولا ماء ولا رعاية طبية، وما بقي من نظام رعاية
صحية بعد عام من القصف يتم الآن تفكيكه بشكل منتظم، كما أنه يتم قصف المدارس، ويتم
تحويل شمال غزة إلى مكان لا يصلح للمعيشة".
وتاليا المقال كاملا:
في التاسع عشر
من تشرين الثاني/ نوفمبر 1995، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا
السابقة لائحة الاتهام بحق الزعيم الصربي راتكو ملاديتش.
ورد في
اللائحة أنه ما بين الثاني عشر والثالث عشر من تموز/ يوليو 1995 تقريباً، وصل
راتكو ملاديتش إلى بوتوكاري، التي لاذ بها آلاف المسلمين من الرجال والنساء
والأطفال المسلمين داخل وحول المقر العسكري للأمم المتحدة ، وكان مصحوباً بمساعديه
العسكريين وبطاقم تلفزيوني.
صور الجنرال
البوسنوي الصربي نفسه وهو يقول للمسلمين إنه سوف يتم نقلهم بأمان إلى خارج
سريبرينتشا. ارتقى ملاديتش حافلة مكتظة باللاجئين المرعوبين وألقى فيهم خطاباً.
"مساء
الخير. منذ وقت طويل وأنتم تسمعون الحكايات عني، وها أنتم اليوم تنظرون إلي (قاطعه
السائق). أنت اخرس. أنت وظيفتك أن تقود الحافلة.
"أنا
الجنرال ملاديتش. يوجد من بينكم أشخاص بنية أجسامهم جيدة. كلكم في أمان. وكلم سوف
يتم نقلكم إلى كلاداني. نتمنى لكم رحلة آمنة. أنتم في سن الخدمة العسكرية، فلا
تذهبوا إلى الجبهة تارة أخرى. لا تسامح بعد اليوم. ها أنا الآن أمنحكم حياتكم هدية
مني".
في بوتوكاري
تم فصل الرجال والفتيان عن النساء، واقتيدوا إلى براتوناك حيث أطلق الجنود
البوسنيون الصرب الرصاص عليهم.
في ذلك
التاريخ أو قريباً منه، بحسب ما ذكرت لائحة الاتهام، تم سريعاً إعدام المسلمين من
الرجاء والنساء الذين لجأوا إلى مقر الأمم المتحدة وتركت جثثهم ملقاة في الحقول
وداخل مباني المقر.
بعد ما يقرب
من ثلاثة عقود، يحدث نفس الشيء – إن لم يكن أسوأ – بشكل يومي داخل مخيم جباليا
للاجئين في شمال غزة.
عمليات القتل
منظمة بنفس الأسلوب.
يتم فصل
الرجال عن النساء ثم يتم اقتيادهم إلى مصير غامض، بعضهم لن يُرى بعد ذلك أبداً،
فالجثث منتشرة في شوارع جباليا.
تعج الشوارع
بالأدلة على الإعدامات السريعة، فجثث الرجال والنساء والأطفال التي اجتزت رؤوسها
ملقاة في مداخل المباني.
إلا أن الفرق
بينها وبين حقول القتل في سريبرينتشا هو أنها كلها موثقة بمقاطع مصورة.
في هذه
الأثناء يتم تصوير أحد الجنود الإسرائيليين وهو يوزع الحلوى على الأطفال وهم
ينتظرون نقلهم.
ما يجري في
شمال غزة اليوم يختلف نوعياً عن أي رعب تعرضت له غزة في العام الماضي.
أسوأ من
النكبة
ما يجري أمام
أعيننا أسوأ من النكبة في عام 1948 عندما تم تحويل 700 ألف فلسطيني إلى لاجئين،
وذلك لأن ما حدث في دير ياسين أو في الطنطورة يحدث كل ليلة في شمال غزة.
لقد اختلفت
تكنولوجيا القتل، أما نية عدم ترك أحياء في المكان فلم تتغير.
يتم اليوم فرض
حصار تام.
لا يدخل إلى
المكان طعام ولا ماء ولا رعاية طبية، وما بقي من نظام رعاية صحية بعد عام من القصف
يتم الآن تفكيكه بشكل منتظم، كما يتم قصف المدارس، ويتم تحويل شمال غزة إلى مكان
لا يصلح للمعيشة.
وكما في
سريبرينتشا، يتم شحن الضحايا المدنيين إلى "مناطق آمنة" ثم يجري قتلهم.
وكل هذا يتم
بشكل منظم.
كتب رئيس
وكالة غوث اللاجئين (الأونروا) فيليب لازاراني يقول: "رائحة الموت في كل
مكان، فالجثث متروكة، ملقاة في الطرقات أو تحت الأنقاض. بينما عمليات إخلاء الجثث
وتقديم المساعدة الإنسانية مرفوضة".
أكثر من
ثمانية آلاف مسلم من الرجال والفتيان تم قتلهم في سريبرينتشا.
هناك ما يصل
إلى 400 ألف فلسطيني في شمال غزة، يموت العشرات منهم كل ليلة بنيران القصف، وهجمات
المسيرات، أو بالإعدامات السريعة عن قرب.
وهذا الأمر
مستمر منذ ثلاثة أسابيع، ولا يوجد أي ضغط دولي على بنيامين نتنياهو حتى يتوقف. لم
تصدر أي بيانات إدانة من قبل أي زعيم غربي.
تتضمن
القضيتان المنظورتان من قبل محكمة الجنايات الدولية ومحكمة العدل الدولية بعضاً من
أفدح المزاعم في العصر الحديث حول ارتكاب انتهاكات للقانون الدولي، مثل الإبادة
الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب. ومع ذلك، فهما معطلتان.
لقد مرت خمسة أشهر منذ أن طلب مدعي المحكمة الجنائية الدولية كريم خان إصدار مذكرة اعتقال بحق
نتنياهو ووزيره يوآف غالانت. أما قادة حماس المطلوبون بتهمة ارتكاب جرائم حرب،
إسماعيل هنية ويحيى السنوار فقد توفيا، وكذلك بحسب ما تقوله إسرائيل محمد الضيف.
وذلك يترك فقط
المسؤولين الإسرائيليين في مواجهة مذكرات التوقيف، ومع ذلك فإنه لم يصدر منها شيء على
الإطلاق، وذلك مع أن معدل فترة الانتظار التي تستغرقها موافقة قضاة غرفة ما قبل
المحاكمة على طلب إصدار مذكرات التوقيف من قبل المدعي العام هي شهران.
ينص نظام روما
على أن الغاية من المحكمة ليس فقط محاكمة من يتهمون بارتكاب جرائم حرب، ولكن أيضا الحيلولة دون الاستمرار في ارتكاب تلك الجرائم.
ولكن، وعلى
مدى خمسة أشهر، ظلت هذه المحكمة مشلولة بينما استمر ارتكاب جرائم الحرب بشكل يومي.
"أتموا
المهمة"
بدلاً من أن
يواجه مذكرة توقيف، ها هو نتنياهو ينحني شكراً لما يلقاه من تصفيق.
فمحلياً،
اعتبر موت السنوار دليل صحة سياسته في تحدي الرئيس الأمريكي جو بايدن، مسلحه
وحاميه الرئيسي، والذي طلب منه وقف الحرب قبل عدة أشهر.
قال آميت
سيغال، المعلق في قناة التلفزيون الإسرائيلية رقم 12، إن "النجاح" في
قتل السنوار كان بفضل عدم استماع إسرائيل لأي أحد طوال عام كامل واستمرارها في
استراتيجيتها العسكرية، متجنبة وقف إطلاق النار بالرغم من الضغط الدولي.
وفي الخارج،
شعرة تفصل بين المعسكرين التقليديين ليسار الوسط ويمينه حول فلسطين.
يقول بايدن
شيئاً، ولكنه – وكما يعلم الجميع – يستمر في تسليح إسرائيل بكل ما تحتاج إليه. وما
يميز ترامب عنه فقط هو أنه يعبر عما يجول بخاطره.
كلا الطرفين
مذعنان تماماً من خلال صمتهما. بل إن كير ستارمر ومن على شاكلته وأنطوني بلينكن
ومن على شاكلته في هذا العالم أسوأ من وزير الخارجية الأمريكي الأسبق مايك بومبيو
ومن صهر تراب ومستشاره جاريد كوشنر.
في جولته
الحادية عشر إلى المنطقة، قال بلينكن لنتنياهو إن ثمة انطباعاً بأن الخطة التي
وضعها الجنرالات المتقاعدون لإجبار سكان شمال غزة على الخروج من خلال التجويع يتم
حالياً تنفيذها. فما كان من نتنياهو إلا أن ربت على كتفه، وكذب عليه بكل بساطة كما
لم يزل يفعل مع بايدن مراراً وتكراراً.
انطباع
بارتكاب مجزرة؟ أو ليس هذا ما ننشر أخباره يومياً؟
يتم القتل
الآن في غزة لأن نتنياهو يعلم أن بايدن على بعد أسبوعين من الانتخابات الرئاسية
وأنه لم يعد لديه من رأس المال السياسي ما يمكنه من وقفه عند حده.
سواء اعترفوا
بذلك على الملأ أم لا، فقد أقنعهم نتنياهو جميعاً بأنه يغير مسار هذه الحرب في غزة
ولبنان وأنه ينبغي أن يسمح له بأن "يكمل المهمة".
ولكن ماذا
يعني ذلك؟ ومتى وأين تكتمل المهمة؟
بالنسبة
للصهاينة المتدينين في حزب القوة اليهودية، تنتهي الحرب بطرد جميع الفلسطينيين
وبالاستيلاء التام على غزة من قبل المستوطنين.
وللتأكيد على
"قوتهم"، نُظم مؤتمر يوم الاثنين على بعد 3 كيلومترات من الحدود مع غزة
وعلى مسمع من أصوات القصف، حضر إليه عدد لا بأس به من أعضاء الكنيست من حزب
الليكود.
كثيرون ممن
شاركوا في المؤتمر كانوا يحملون ملصقات تحتفي بمائير كاهانا، الحاخام الذي ولد في
الولايات المتحدة وأدين بالإرهاب، والذي قال إنه ينبغي إجبار جميع الفلسطينيين على
الخروج من إسرائيل.
ادعت زعيمة
المستوطنين، المتشددة دانييلا ويس، بأن منظمتها، والمسماة ناهالا، أبرمت صفقة
قيمتها "ملايين الدولارات" لعمل وحدات سكنية مؤقتة تمهيداً لإقامة
مستوطنة في القطاع، وقالت: "سوف تشاهدون كيف سيذهب اليهود إلى غزة وكيف
سيختفي العرب من غزة".
مشاهدة غزة
وهي تحترق
يقلل من أهمية
مثل هذه التجمعات أنصار إسرائيل في بريطانيا، كالسواعد الملونة، لا يعكسون حقيقة
الدولة التي ما زالوا يطلقون عليها عبارة "إسرائيل الحقيقية"، حيث يقولون
إن معظم الإسرائيليين يرفضون خطة إعادة احتلال غزة.
إلا أن معظم
الإسرائيليين يشهدون خطة إخلاء غزة ولا يفعلون شيئاً للحيلولة دون ذلك. إن ذلك كله
نوع من خداع الذات.
إن الأخطر من
وجود وزير الأمن الإسرائيلي إيتمار بن غفير في المؤتمر الذي راح اليهود يرقصون
فيه احتفالاً بانهيار غزة، هو أعضاء الكنيست من حزب الليكود الذين حضروا للمشاركة
فيه.
ينفي نتنياهو
وجود خطة لديه لإخلاء غزة، ولكن عضو الكنيست تالي غوتليف تعرف جيداً زعيم حزبها،
فقد قالت في تصريح لموقع ميدل إيست آي: "ليس لدي أدنى شك في أنه يدعم
الاستيطان في غزة لأن ذلك من شأنه أن يجلب المزيد من الأمن ليس فقط للمناطق
المحيطة بغزة ولكن لكل إسرائيل".
تدعم غوتليف
بالكامل ما يجري في شمال غزة، وتقول: "لقد سمح الناس في شمال غزة لمقاتلي
حماس بالعبور يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر. لا أشعر بالشفقة تجاههم. والشفقة الوحيدة التي
نملكها هي منحهم الفرصة للمغادرة. يجب عليهم أن يغادروا ويتجهوا إلى الجنوب".
لقد غدت
مشاهدة غزة وهي تحترق رياضة لها جمهورها، فها هم الإسرائيليون يتجمعون في سياراتهم
عند نقطة مميزة للمراقبة.
لم يسبق أن
بلغت الهوة في الفهم بين الغزاة وضحاياهم هذا الاتساع، ولم يسبق أن كان
الإسرائيليون بهذه الغفلة عن القوى التي يثيرونها في نفوس العرب، بغض النظر عن
الخلفية أو العشيرة أو المعتقد.
ولا أدل على
ذلك من الآراء التي يعبر عنها الناس في القطرين العربيين اللذين وقعا معاهدات سلام
مع إسرائيل، مصر والأردن.
مرتضى منصور
سياسي مصري وصف ثورة عام 2011 بأنها "أسوأ يوم في تاريخ مصر". كان
كارهاً للإخوان المسلمين ومن أشد داعمي الانقلاب العسكري الذي نفذه السيسي، فهو
ليس إسلامياً على الإطلاق.
ولكنه كتب عن
موت يحيى السنوار قائلاً: " استشهاد المناضل الفلسطيني يحيي السنوار علي يد
الصهاينة المجرمين وإصابته في وجهه يؤكد أنه جندي جسور واجه الموت بشجاعة دفاعا عن
وطنه المحتل ولم يهرب ولم يكن مختبئا في نفق كما كان يدعي الصهاينة العرب”.
وأضاف:
"لم يفر إلى باريس أو لندن حيث نضال بعض الأثرياء العرب في صالات القمار
والملاهي الليلية ينفقون ملايين الدولارات على نزواتهم وأطفال شعب فلسطين الشقيق
لا يجدون شربة ماء، بل ظل في وطنة المحتل يقاوم حتى استشهد".
كان حمدين
صباحي، الناصري، من أشد منتقدي الرئيس المصري الراحل محمد مرسي.
ولكنه كتب
مخاطباً زعيم حماس المتوفى: "صورة استشهادك تلقم المرجفين حجرا، فقد استشهدت
مثل كل أهل غزة الأبطال، لا متخفيا في الأنفاق ولا محاطا بأسراهم، كنت مع رجالك في
مواجهة العدو. دمك الزكي مدد ملهم للمقاومة حتى تحرير فلسطين. طبت حيا في الدنيا
والآخرة".
وهي الحالة
ذاتها في الأردن.
لم تتحقق
العدالة
تدفقت سيول
المهنئين في الأردن على عائلتي المقاتلين اللذين شنا هجوماً عبر الحدود جنوبي
البحر الميت، نجم عنه جرح جنديين إسرائيليين.
حمل الناس على
أكتافهم والد أحد الرجلين، عامر قواس، أثناء مظاهرة نُظمت في عمان. وفي تصريح له،
قال ناصر قواس إن دم ابنه ليس أثمن من دماء الشعب الفلسطيني.
لقد نسي
الجميع الرجل الذي أطلق اسمه على كتائب القسام.
لقد كان ذلك
هو الداعية السوري عز الدين القسام الذي قضى نحبه في انتفاضة ضد المستعمرين
الأوروبيين في بلاد الشام أثناء فترة الانتداب في عام 1936. بعد ستة وخمسين عاماً
من استشهاده أنشأت حركة حماس جناحها العسكري، مطلقة عليه اسمه، وهو الجناح الذي
قاتل حروباً ضد إسرائيل تفوق من حيث طول مدتها كل حروب الجيوش العربية مجتمعة.
بقتلها يحيى
السنوار أوجدت إسرائيل أسطورة للمقاومة فاقت في قوة تأثيرها في عقول الفلسطينيين
والعرب القسام نفسه.
وكما أشار
محقاً في ذلك المعلق فادي قرعان، فإنه كلما زاد عدد الأرواح التي تزهقها إسرائيل، مثل
روح شعبان الدلو، الذي قضى نحبه وهو يحترق حياً في ساحة المستشفى، أو روح حنان أبو
سلامي، المرأة التي تبلغ من العمر 59 سنة، والتي قتلها الجنود الإسرائيليون بينما
كانت تقطف محصول الزيتون من أشجار لها في الضفة الغربية، ظهر مئات ألوف آخرون
من القساميين والسنواريين وانضموا إلى المقاومة.
يظن نتنياهو
أنه يكسب هذه الحرب من خلال دفنه لأعدائه تحت الركام. بل إنه يدفن بذلك أي فرصة
أمام اليهود الإسرائيليين لعقود قادمة لكي يتمكنوا من العيش في سلام مع جيرانهم
العرب.
مثل كاراديتش
وملاديتش ذات يوم أمام المحكمة، وها هما الآن يقضيان عقوبة بالسجن المؤبد في لاهاي
وفي بارخيرست.
تبنت الجمعية
العامة للأمم المتحدة هذا العام قراراً باعتبار الحادي عشر من يوليو (تموز)
"يوماً دولياً للتدبر وتذكر الإبادة الجماعية في سريبرينتسا في عام
1995"، وقضت بأن تكون تلك مناسبة سنوية.
أشك في أن يتم
في يوم من الأيام جلب نتنياهو وغالانت وجميع من شاركوا في ارتكاب هذه الإبادة
الجماعية إلى العدالة في حياتهم.
أما في الحياة
الآخرة فذلك شأن آخر.
ميدل إيست آي