مقابلات

بورغا: شعبية ماكرون 15% واليمين المتطرف أقرب للفوز بانتخابات فرنسا (فيديو)

فرانسوا بورغا أكد أن تصريحاته لـ"عربي21" ربما تزجّ به في السجون الفرنسية- عربي21
فرانسوا بورغا أكد أن تصريحاته لـ"عربي21" ربما تزجّ به في السجون الفرنسية- عربي21
قال المفكر السياسي الفرنسي البارز، الباحث الأول في "المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي"، فرانسوا بورغا، إنه من الصعب جدا أن ينجح الرئيس إيمانويل ماكرون في استعادة السيطرة على السياسة الفرنسية؛ فمن غير المتوقع إعادة انتخاب معسكره مرة أخرى.

وأضاف، في مقابلة مصورة مع "عربي21": "شعبية ماكرون الآن لا تتجاوز 15%، واحتمالات فوز جبهة اليسار أو جبهة اليمين المتشدد قوية جدا، وفي تقديري أن تحالف اليمين المتشدد هو الأقرب للفوز بالانتخابات التشريعية المرتقبة".

وفي 9 حزيران/ يونيو الجاري، أعلن ماكرون بشكل مفاجئ حل البرلمان والتوجه إلى انتخابات مبكرة، بعد الفوز الكاسح للتجمع الوطني اليميني المتطرف في الانتخابات البرلمانية الأوروبية، بحصوله على 31,37% من الأصوات، فيما حصل حزب "النهضة" الذي يتزعمه ماكرون على 14,60%.

ومؤخرا، قال ماكرون إنه لن يستقيل من منصبه مهما كانت النتيجة في الانتخابات العامة المبكرة التي أعلن عن إجرائها في 30 حزيران/ يونيو الجاري.


ونوّه بورغا إلى أن "العدو الرئيسي لليمين المتشدد (في فرنسا وأوروبا)، ثم لليمين، ثم لأجزاء من اليسار، بات حاليا هو العرب أولا ثم المسلمين، وذلك بعدما كان اليهود هم أعداء اليمين التقليدي قبل الحرب العالمية الثانية، خاصة قبل نهاية الاستعمار وقبل بداية حراك هجرة المسلمين من شمال أفريقيا إلى فرنسا".

وعلى صعيد آخر، رأى عالم السياسة الفرنسي أن موقف بلاده من العدوان الإسرائيلي على غزة "يشبه إلى حد كبير موقف القيادة العربية في المنطقة؛ فهو موقف غير مقبول، وغير عقلاني، وغير إنساني، وغير محترم بالمرة، حيث إنه يؤدي إلى الاستسلام إلى ميزان القوى والمصالح على المدى القصير".

وبسؤاله عن رؤيته للدور الذي تقوم به حركة حماس، أجاب: "ما أقوله الآن معكم ربما يجعلني أدخل السجن في فرنسا؛ فأنا أنظر إلى حماس باعتبارها حركة مقاومة، ولها شرعية تامة وأصيلة، وأرى أن موقف الغرب من دعم إسرائيل من أسوأ المواقف والسياسات المتناقضة، ولا أستطيع الصمت تجاه تلك الفظائع التي ترتكبها إسرائيل".

وتاليا نص المقابلة المصورة مع "عربي21":

كيف ترى قرار الرئيس الفرنسي بحل الجمعية الوطنية والدعوة لانتخابات مبكرة؟

هذا القرار فاجأ الجميع، سواء من المحللين أو المواطنين، وهناك عدد من الفرضيات المتوفرة لفهم خلفية القرار، الأولى هي أن الرئيس ماكرون -خوفا من اليمين المتشدد– يأمل في إعادة السيناريو السابق، من خلال تحالف معسكر الرئيس مع جزء من اليسار، وجزء من الوسط، بيد أن هذه الفرضية فشلت؛ لأن ماكرون لم يتوقع تحالف كل فئات اليسار، وتم هذا التحالف بالفعل، وبالتالي من الصعب الآن أن يستقطب أجزاء من اليسار للتصويت لصالحه.

الفرضية الثانية: أن ماكرون يتجاوز عن خسارة المعركة أمام اليمين المتشدد، ومن ثم يترك الحكومة لليمين المتشدد، وخلال فترة حكومة اليمين الممتدة لثلاث سنوات تظهر صعوبات السلطة، وبالتالي يجعل اليمين المتشدد يخسر الانتخابات الرئاسية، ويفوز معسكر الرئيس في الانتخابات الرئاسية 2027.

برأيك، هل سينجح ماكرون في استعادة السيطرة على السياسة الفرنسية؟

من الصعب جدا أن ينجح الرئيس في إعادة انتخاب معسكره؛ فشعبية الرئيس الآن لا تتجاوز 15%، واحتمالات فوز جبهة اليسار أو جبهة اليمين المتشدد قوية جدا، وفي تقديري أن تحالف اليمين هو الأقرب للفوز من تحالف اليسار.

بالإضافة إلى ذلك: اتفاق فئات من اليسار مع اليمين حول قضايا معينة مثل قضية فلسطين؛ فنجد مثلا الرئيس السابق فرنسوا أولاند قريب من معسكر اليمين الذي يدافع دفاعا أعمى عن إسرائيل، لذا أعتقد أننا نتجه نحو انتصار تحالف اليمين المتشدد.

ما هي العوامل التي ساهمت في زيادة شعبية الأحزاب اليمينية المتطرفة؟

أعتقد أن هناك أمور ما مرتبطة بالخلفية التاريخية للشعب الفرنسي، ومتعلقة بمواقف ونظرة المجتمع إلى الإرث الاستعماري الفرنسي.

الخط التقليدي الفاصل بين أهم القوى السياسية (اليمين واليسار) كان يتمثل في القضية الاقتصادية أو قضية توزيع الثروة بين الفقراء والأغنياء، والآن أصبح الخط الفاصل بين القوى السياسية هو قبول أو رفض نهاية الاستعمار.

جزء كبير من المجتمع الفرنسي الآن بكل أسف يرفض فكرة انتهاء فترة الاستعمار، ويرى أن الاستعمار لم ينتهِ بعد، ويرفض احترام أحفاد المستعمرين، بينما هناك جزء آخر له موقف مغاير.

ولو أن الخط الفاصل هو القضية الاقتصادية فقط لما عيّن الرئيس السابق فرانسوا أولاند، مانويل فالس رئيسا للوزراء، وهو محسوب على اليمين المتشدد.

الخط الفاصل الآن بين مَن ينظر إلى إنهاء الاستعمار باعتباره أمر واقع نحترمه ونعالج كل القضايا المرتبطة به، ومَن ينظر إليه نظرة مغايرة.

وإذا أخذنا قضية فلسطين على سبيل المثال كقضية سياسية أساسية في فرنسا، نجد أن معسكر الدفاع الأعمى عن إسرائيل هو الفائز؛ لأن هناك تغيير خطير جدا في اليمين واليسار؛ فحتى عام 2006 كان المعسكر اليساري منفتح على متطلبات الفلسطينيين، لكن عندما فازت حركة حماس في الانتخابات التشريعية عام 2006 بدأ اليسار في رفض دعم الفلسطينيين على أساس أن حماس "حركة إسلامية"، وهذه ذريعة ضعيفة جدا؛ لأنه في الوقت الذي يقول فيه "اليسار" إنه يريد الدفاع عن العلمانية، تجده يقبل الخطاب الإسرائيلي، والخطاب الإسرائيلي يتداخل فيه الدين مع السياسة بشكل أوضح وأكثر فجاجة من ربط الخطاب الفلسطيني بالدين الإسلامي، وبالتالي هناك تناقض واضح في الموقف الغربي من العلاقة بين الدين والسياسة، خاصة أن إسرائيل دولة دينية بامتياز وما هي إلا نتاج للمزاوجة بين الدين والسياسة، ويرى مواطنيها بأنهم "شعب الله المُختار"، وأن الله هو الذي منحهم تلك الأرض، حسب مزاعمهم، والسؤال هنا: لماذا لا يرفض الغرب هذا الموقف الديني الكامل من قِبل إسرائيل؟

كما تغير اليمين تغيرا خطيرا جدا؛ فقبل الحرب العالمية الثانية كان عدو اليمين التقليدي هم "اليهود"، ومع نهاية الاستعمار، وبداية حراك هجرة المسلمين من شمال أفريقيا إلى فرنسا، أصبح العدو الرئيسي لليمين المتشدد، ثم لليمين، ثم لأجزاء من اليسار هو العرب أولا، ثم المسلمين.

وأضرب مثلا هنا أن الجنرال فرانسيسكو فرانكو، الذي قاد إسبانيا طيلة40 عاما، رفض الاعتراف بإسرائيل، واتهم الجالية اليهودية بدعم الماسونية والشيوعية، وأقام علاقات وثيقة مع دول عربية وبلدان أمريكا اللاتينية من أجل الانضمام إلى منظومة الأمم المتحدة.

والحقيقة أن عدو اليمين أوسع من المسلمين؛ فمَن يأتي من أفريقيا مثلا وثقافته ليست إسلامية فهو عدو أيضا، أضف إليهم كل أحفاد المستعمرين؛ فأولئك جميعا أصبحوا عدوا رئيسيا لشرائح كبيرة من المجتمع الفرنسي في الوقت الراهن.

ماذا لو نجح اليمين المتطرف في الانتخابات التشريعية الفرنسية باكتساح؟

الجانب الإيجابي لهذه الإشكالية هو أن كثير مما كان اليمين المتشدد يريد أن يفعله إذا وصل للحكم قد فعلته حكومة ماكرون منذ عام 2019، وانتقلت فرنسا من "إسلاموفوبيا المعارضة" إلى "إسلاموفوبيا الدولة" أو "إسلاموفوبيا الحكومة"؛ فطُبقت كل أطروحات إدانة المهاجرين، وإدانة النشطاء المسلمين، وجرّمت الحكومة كل فعل يقوم به المواطن الفرنسي من شأنه التمسك بالانتماء الديني، ومنعته من المشاركة في الحوار الوطني، وقامت الحكومة بحل جمعيات، وإغلاق مدارس، ونوادي رياضية، وحل جمعية الدفاع عن حقوق المسلمين.. فأسوأ ما كان يستطيع أن يفعله اليمين المتشدد قد فعلته الحكومة الحالية.

وعلى الصعيد التشريعي: هناك مشروع لليمين المتشدد يمنع الحجاب في الفضاء العام، وليس في المدارس فقط، وهذا ربما التحدي الرئيس.

أما أكثر ما أخاف منه في حال فوز اليمين المتشدد المتطرف بالانتخابات هو البُعد غير القانوني، أو البُعد الشعبوي، مثل التجاوزات العنصرية في الشارع؛ فما يغذي الإسلاموفوبيا الشعبوية هو انتصار اليمين المتطرف في الانتخابات.

هل تصاعد اليمين المتطرف في فرنسا وأوروبا ربما يقود إلى تطرف مُضاد؟

بالطبع هناك تخوف من هجمات إرهابية ذات خلفية إسلامية بصورة أو بأخرى، ورد فعل أعنف بكثير، ومنذ 15 سنة وفي نهاية كل محاضرة أقول: "ربما كل ما قلته خطأ" حتى لا يزداد الطين بلة في الغضب الشعبي. لذا، نتائج الانتخابات القادمة ستكون إشارة مهمة جدا في هذا الاتجاه وستوضح ما ستؤول إليه الأوضاع بالمستقبل.

كيف ترى تأثير اليمين المتطرف على السياسة الخارجية الفرنسية؟

من جانب ستستمر التقاليد الفرنسية في دعم الأنظمة الاستبدادية، ودعم إسرائيل، لن نجد فروقا كبيرة، غير أن اليمين المتشدد رفض إدانة بشار الأسد، وربما يقترب اليمين المتشدد من بشار الأسد، بينما كان اليمين التقليدي يرفض دعمه.

التغيير الثاني قد يكون تجاه أوكرانيا، فربما تتخلى فرنسا عن دعم أوكرانيا وتقترب من الرئيس الروسي بوتين.

والتغيير الثالث المهم: أن اليمين المتشدد يريد إضعاف المؤسسات الأوروبية، وهذا هو الفرق الرئيس بين ماكرون واليمين المتشدد، وبين اليمين المتشدد في الحكومة، واليمين المتشدد في المعارضة، اليمين المتشدد يريد إضعاف بل وإخراج فرنسا من الإطار القانوني الأوروبي.

إلى متى سيظل اليمين المتطرف مُسيطرا على مقاليد الحكم في فرنسا في حال وصوله إلى السلطة في الانتخابات المقبلة؟

الأمر ربما يعود إلى نسيج الخلفية الإقليمية لصعود اليمين المتشدد.

كيف ترى موقف فرنسا من العدوان الإسرائيلي على غزة؟

الموقف الفرنسي يشبه إلى حد كبير موقف القيادة العربية في المنطقة؛ فهو موقف غير مقبول، وغير عقلاني، وغير إنساني، وغير محترم بالمرة، حيث أنه يؤدي إلى الاستسلام إلى ميزان القوى والمصالح على المدى القصير.

وباريس تتبنى خطاب تجريم المسلمين، وتجريم حماس، وتجريم كل النشطاء الإسلاميين نتيجة تعاون إقليمي بين الغرب والقيادة العربية، وأتذكر في 2019 سنة انقلاب فرنسا إلى اليمين المتشدد كانت هناك شخصيات سعودية أو مصرية أو إماراتية تزور فرنسا وتقول للفرنسيين: "عليكم أن تقاوموا الإسلام السياسي" وليس الإرهابيين أو الأصوليين والمتشددين.

فهناك تقاطع وقواسم مشتركة بين خطاب الغرب والخطاب السياسي السائد في منطقة الشرق الأوسط مثل خطاب السيسي وخطاب حكومة بلد الحرمين الشريفين.. هذا الخطاب يرفض القيم الإنسانية مهما كانت تسمية هذه القيم، كحقوق الإنسان بالمصطلح الغربي، أو القيم الإسلامية بالتسمية الإسلامية؛ فالقاسم المشترك بينهم جميعا أنهم يستسلمون إلى ميزان القوى الحالية، ولا يحترمون قيمهم التي يزعمونها.

بينما المستقبل في هذه المنطقة يعتمد على قدرة الغربيين وقدرة العرب على إصلاح الحكومات والسياسات وتحسين المواقف، كي يحترموا قيمهم بصدق ومهما كانت تسمية هذه القيم.

كيف ترى الدور الذي تقوم به حركة حماس في دعم القضية الفلسطينية، وهل تتعرض شخصيا لانتقادات جراء موقفك من القضية الفلسطينية ودعم التعايش مع المسلمين؟

ما أقوله الآن من خلال هذا الميكروفون ربما يجعلني أدخل السجن في فرنسا. القول بأن حركة حماس حركة مقاومة يعرضك للضغوط القانونية الفرنسية، وللحبس لمدة أيام أو أسابيع، ومع ذلك كتبت على معظم المنصات منذ زمن: أن احترامي لقيادة حماس أعلى بكثير من احترامي للقيادة الإسرائيلية، وتعرضت بسبب ذلك لملايين الشتائم على الشبكات الاجتماعية.

عندما أتحدث عن حماس، لا أقصد الظاهرة الرمزية؛ فقد زرت فلسطين عدة مرات، والتقيت قادة لحركة حماس، وقمت بتحليل الوضع بدقة لأبعاد ما حدث في 2006 عندما قامت كل من أوروبا، وإسرائيل، والسلطة الفلسطينية بضرب حماس؛ بسبب فوزها في الانتخابات التشريعية، التي أقيمت تحت إشراف مؤسسة الاتحاد الأوروبي، هذا ما يجعلني أنظر إلى حركة حماس باعتبارها حركة مقاومة، ولها شرعية تامة وأصيلة.

وأنا انظر إلى موقف بعض الأنظمة الأوروبية، كالنرويج، وأيرلندا، وإسبانيا، الذين اعترفوا بدولة فلسطين، بشكل إيجابي غير أنهم يدينون حماس، وأعتقد أن أسوأ ما في الموقف عندما تساوي بين موقف المستعمِر والمستعمَر، كأن تساوي حماس بالمستوطنين، والحقيقة أن هناك طرف إسرائيلي بدأ بالعنف، وآخر له حق الشرعية في الرد.

وإجمالا، موقف الغرب من دعم إسرائيل هو من أسوأ المواقف والسياسات المتناقضة، ودفاعي عن القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني المكلوم هو في حقيقة الأمر دفاع عن سمعة الغرب ودفاع عن حقوق الفرنسيين والغربيين بشكل ما أو بآخر، وأنا لا أستطيع الصمت تجاه تلك الفظائع التي ترتكبها إسرائيل.

ما أبعاد قيام السلطات الفرنسية مؤخرا بتشكيل لجنة للتحقيق في "وجود الإسلام السياسي في فرنسا"؟

أسلوب الحكومة الفرنسية يشبه موقف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وموقف الإماراتيين، وبالطبع الإشكالية مختلفة؛ ففي فرنسا يُمنع المواطنون المسلمون من المشاركة في الحوار القومي الوطني، أما الأنظمة العربية الاستبدادية في الإمارات والسعودية تقوم بتجريم وسحق المعارضة في البلاد.

مرة أخرى: هذا الخطاب خطير جدا، ومرفوض؛ فهو ضد قيم فرنسا العالمية، وجاء في إطار إقليمي، وجزء كبير من المسؤولية يقع على عاتق فرنسا، وجزء على عاتق الجانب العربي.

لماذا غادر عشرات الآلاف من الفرنسيين المسلمين البلاد خلال السنوات الماضية، كما أشارت تقارير صحفية؟

مَن هاجروا من فرنسا ليسوا مواطنين عاديين، بل هم المهندسين والأطباء وليس العمال؛ فالجانب الأسوأ من هذه الهجرة هي خسارة أفضل الكوادر والعقول من المسلمين الفرنسيين، وهذا نتيجة منطقية لسياسة فرنسا التي تدعم الإسلاموفوبيا، والتي بدأت على هامش المجتمع قبل 25 سنة تقريبا، وأصبحت -مع الأسف- هي سياسة الدولة، وإن شاء الله نغير الموقف من خلال التحالف بين الذين يدافعون عن الحقوق العالمية من الجانبين العربي والأوروبي.
التعليقات (0)