بين من يجد متنفّسه في المعرض الدولي للكتاب، للقاء النّاشرين، وبين من يُناقش غلاء أسعار الكتب الورقية، ومن يجدّ ضالّته السنوية للانغماس، بحثا عن عناوين جديدة، يأتي المعرض الدولي للكتاب، المقام بمدينة
الرباط، العاصمة
المغربية، في دورته الـ29، محقّقا لآمال البعض ومخيّبا لآخرين.
المعرض الدولي للنشر والكتاب، المُنطلق بتاريخ 10 أيار/ مايو الجاري، سيمتد إلى غاية الـ19 من الشهر ذاته، ويقترح برنامجا ثقافيا يضم 241 فقرة تحتوي جديد الإصدارات ومتابعة للقضايا المطروحة، إضافة إلى فضاءات العارضين القادمين من دول مختلفة.
مشهد غير مألوف
طوابير طويلة، وانتظار لساعات، للحصول على توقيع نسخهم من أعمال الكاتب السعودي، أسامة المسلم، هو مشهد وُصف بكونه "غير مألوف"، أعجب البعض، فيما حصل على انتقاد آخرين، خاصة على مختلف منصات التواصل الاجتماعي، حيث فُتح نقاش مستفيض، عن واقع "القراءة" وحال الكتب في الوطن العربي، في السنوات الأخيرة.
الكاتب المُتخصّّص في "تيمة" الخيال والعجائبية التاريخي، فتح شهيّة شباب كُثر للقراءة، ولحضور
معرض الكتاب بالرباط، السبت، قادمين من مختلف المدن المغربية، فرحين، مصفّقين، وكذلك حصلت حالات إغماء، والبعض أتى محمّلا بالهدايا لكاتبه الذي يصفه بـ"المفضّل".
ولنقاش "الظاهرة" المُستحدثة على واقع القراءة، كتب محمد جبرون، وهو مفكر ومؤرخ مغربي. تدور أعماله حول تطور الفكر السياسي الإسلامي، وتاريخ المغرب الأقصى والأندلس: "أنا كاتب غير ناجح أو لنقلها بصراحة فاشل!!!".
وأوضح جبرون، عبر حسابه على منصة التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "لاحظت اكتظاظا غير عادي خارج خيام المعرض وعلى طول الممر، وأنا الخارج للتو من "حفل" توقيع سلسلتي التاريخية التي أدعي أنها ناجحة ولم أوقع غير نسخ معدودة…".
وأضاف: "سألت صديقا ناشرا كان بجانبي: ما الأمر عزيزي؟ سألته وعلامات الضجر بادية على وجهي من جعجعة المعرض بدون طحين"، مردفا: "أخبرني صديقي أن الأمر يتعلق بكاتب سعودي يوقع أعماله بالجناح القريب منا. بادرته بالسؤال من يكون هذا الكاتب النجم؟ أخطأ صديقي في ذكر اسمه، فألقت بي حيرتي خارج الرواق، ورمى بي الفضول بعنف نحو جموع الشباب، في محاولة للتعرف على هذا النجم".
واسترسل: "خرجت لشارع المعرض الغاص بالناس، الذي لم يسبق له أن عرف حجيجا من هذا النوع، خرجت متلهفا لمعرفة هذا النجم. سألت طفلات كبيرات: ما اسم الكاتب الذي ترغبن في الظفر بتوقيعه؟ أجابتني طفلة تدرس في التاسعة إعدادي: اسمه أسامة مسلم. -أنا مع نفسي: أسامة مسلم؟ لا أعرفه، وأنا الكاتب؟؟؟".
وأضاف: "أدعي معرفة معظم الكتاب العرب وخاصة المشاهير، لكن من يكون هذا الذي جمع أبناءنا حوله من كل المدن وتحت الشمس لساعات؟ وكيف وصل هذا الساحر إلى قلوب أولادنا؟ - سألت جماعة من التلميذات وبعض التلاميذ أسئلة طفل يحاول معرفة السر: كيف عرفتم أسامة؟ وكيف وصلتكم دعوته لحفل التوقيع؟".
اظهار أخبار متعلقة
"أجابني أبنائي ببساطة ووضوح: عمو تعرفت عليه من خلال يوتيوبر مغربي (يحدثني تلميذ). أجابتني تلميذة أخرى: تعرفت عليه بواسطة الإنستغرام. أجابتني أخرى: التيك توك يا عمو"، يتابع جبرون، مضيفا: "أسقط في يدي وأنا أستمع لهؤلاء البنات الواقفات تحت الشمس. لساعات. أيقنت أن مناداتي بالمثقف والمفكر والكاتب فيها كثير من الزور. إذا لم أصل إلى قلوب وتقول هؤلاء، إذا لم يتعرفوا علي لا أستحق هذه الألقاب…".
بدوره، يقول الترابي عبد الله، أحد الوجوه الإعلامية للشاشة المغربية، عبر منشور له على منصة التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "في نظري لا يجب أن نتعامل مع الأمر بنخبوية وتعالٍ، بل أن نفرح له ونشجعه".
وأضاف الإعلامي، بالقول: "كل من يحب القراءة والكتاب، لم يبدأ مباشرة بدوستويفسكي ومارسيل بروست، ولا بمحمود درويش ونجيب محفوظ، بل هناك تسلسل في الذوق وكتاب يجرك لآخر، وأديب يأخذك من يدك ويسلمك لأديب آخر".
وتابع: "جيلي ابتدأ القراءة في صغره بروايات رجل المستحيل والمغامرون الخمسة وملف المستقبل، وهي ليست ذات قيمة أدبية كبيرة، بل هي فاتحة الباب لعالم أكبر وأوسع، وأورثت بعضا منا حب الكتاب والمطالعة والفضول الأدبي، وكذلك الحال بالنسبة للأجيال الآخرى وضمنها الأجيال الصغيرة الحالية.. المهم هو أنهم يقراو، أما آش كيقراو، خليوهم يعومو بحرهم!".
900 ناشر
وبلغة الأرقام، قالت لطيفة مفتقر، وهي مديرة الكتاب والخزانات والمحفوظات ومندوبة المعرض الدولي للنشر والكتاب، عبر ندوة صحافية، إنها "تلقّت أزيد من 900 ناشر من مختلف أنحاء العالم"، مبرزة أن "الجديد في الدورة الحالية يتمثل في مشاركة أربعين عارضا يشارك لأول مرة في فعاليات هذه التظاهرة الثقافية الدولية، وإن واستقطابهم يأتي في إطار تجديد صورة المعرض".
وأضافت بأن "الرصيد الوثائقي للمعرض يتجاوز 100 ألف عنوان يتصدره حقل العلوم الإنسانية والآداب واللغات وباقي الحقول المعرفية الأخرى، إضافة إلى برنامج ثقافي يضم 241 فقرة تحتوي جديد الإصدارات ومتابعة للقضايا المطروحة خاصة فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي وتحديات المناخ".
اظهار أخبار متعلقة
وبعدما احتفت الدورة السابقة من المعرض بالكاتبة المغربية فاطمة المرنيسي، أعلنت مفتقر عن الاحتفاء هذا العام بتجربة الكاتب المغربي الراحل إدمون مليح العمران حيث سيتم تخصيص فضاء خاص لذلك.
تجدر الإشارة إلى أن رئيس الحكومة المغربي، عزيز أخنوش، قد افتتح المعرض، رسميا، الخميس الماضي، بحضور وزير الشباب والثقافة والتواصل، محمد المهدي بنسعيد، ومدير مكتب منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) للمغرب، العربي إريك فالت.