ملفات وتقارير

استسلمت 4 مرات في أقل من 3 أعوام.. هل تخلت أرمينيا عن "قره باغ"؟

عائلة أحد قتلى الانفصاليين الأرمن في قره باغ أمام قبره- جيتي
عائلة أحد قتلى الانفصاليين الأرمن في قره باغ أمام قبره- جيتي
انتهت معركة اليوم الواحد في إقليم "قره باغ" برضوخ الانفصاليين الأرمن وإلقائهم السلاح، وفق خطة سلاح اقترحتها قوات حفظ السلام الروسية المنتشرة في الإقليم.

وانتهت الخميس أولى جولات التفاوض بشأن دمج إقليم قره باغ، التي استمرت أكثر من ساعتين، بين أذربيجان والانفصاليين في مدينة يفلاخ الواقعة على مسافة أكثر من 200 كيلومتر غرب باكو.

والأربعاء أعلنت روسيا عن مبادرة لوقف إطلاق النار، في أعقاب عملية عسكرية أذرية خاطفة أجبرت الانفصاليين على الاستسلام.

وأعلن الرئيس الأذري إلهام علييف، الأربعاء، "استعادة السيادة" على الإقليم بموجب اتفاق لوقف إطلاق النار، شملت بنوده موافقة الانفصاليين على إلقاء أسلحتهم وإجراء محادثات مع باكو.

إظهار أخبار متعلقة



وأكد علييف، أن القوات الأذرية دمرت خلال العملية العسكرية معظم قوات الانفصاليين وعتادهم العسكري، الذين باشروا الانسحاب وتسليم أسلحتهم بموجب الاتفاق المبرم.

وأشاد بـ"الحكمة السياسية" التي أظهرتها يريفان بعدم تدخّلها مباشرة لإسناد الانفصاليين الأرمن.

بدوره، ذكر حكمت حاجييف مستشار الرئيس الأذري، أن بلاده ترغب في إعادة الإدماج السلمي للأرمن في قره باغ، وتدعم أيضا عملية التطبيع بين أرمينيا وأذربيجان، متعهدا بتوفير ممر آمن للمقاتلين.

صدى الحرب

إلى ذلك، عمت مظاهر الفرح العاصمة الأذرية باكو بعد استعاده قره باغ، الإقليم الذي شهد صراعا مستمرا على مدى العقود الماضية، وشهد جرائم وانتهاكات واسعة ضد المسلمين على يد الانفصاليين الأرمن، كما تقول باكو.

في المقابل، كان الحال مغايرا في يريفان؛ حيث سادت حالة الغضب والسخط من حكومة رئيس الوزراء نيكول باشينيان، التي لم تتدخل في العملية العسكرية الأخيرة.

واحتشد متظاهرون في ساحة الجمهورية في العاصمة الأرمينية خارج مكتب باشينيان؛ احتجاجا على إدارته للأزمة، كما رددوا شعارات تتهمه بالخيانة وتطالبه بالاستقالة.

هل تخلت أرمينيا عن "قره باغ"؟

لم تتدخل الحكومة الأرمينية في المعركة الأخيرة في "قره باغ"، واكتفت ببيانات استنكار ودعوة المجتمع الدولي للتحرك لوقف هجوم القوات الأذرية.

وبدا واضحا أن يريفان تخلت عن دعم الانفصاليين الأرمن في أرض المعركة، كما أخلت مسؤوليتها من اتفاق الاستسلام.

وذكر رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، أن بلاده لم تكن طرفا في الاتفاق الذي أفضى لوقف إطلاق النار، ولا بالمباحثات التي تلته، مشيرا إلى أن حكومته علمت بهذه التقاصيل من خلال وسائل الإعلام.

واستغرب باشينيان من أن نص الاتفاق يشير إلى إخراج القوات المسلحة الأرمينية المتبقية في الإقليم، مضيفا: "بالنسبة لنا، هذا غير مفهوم.. صرحنا في أكثر من مناسبة أنه لا وجود عسكري لأرمينيا هناك منذ آب/أغسطس 2021".

وقال: "بما أن قوات حفظ السلام الروسية تقدمت باقتراح لوقف إطلاق النار وحل جيش القوات هناك، فهذا يعني أنهم مستعدون لتحمل المسؤولية الكاملة عن سلامة الأرمن قره باغ".

وكان باشينيان أكد الثلاثاء الماضي، عقب بدء العملية العسكرية، "أن أرمينيا لن تشارك في الصراع، رغم أنهم يحاولون جرها إليه".

وخلال مراحل الصراع بين أذربيجان وأرمينيا على "قره باغ"، كانت يريفان تعتمد بشكل كبير على الدعم الغربي سواء من فرنسا أو الشرقي من روسيا، لكن في السنين الأخيرة خصوصا بعد حرب 2020، خفتت الأصوات المنادية بأرمنية الإقليم، وباتت استعادة باكو السيطرة عليه واقع حال.

تقول صحيفة "فزغلياد" الروسية؛ إن  حكومة يريفان استسلمت أربع مرات خلال الصراع، الأولى عام 2020، عندما تعرض الأرمن لضربة قاسية في الحرب، حيث انشغلت السلطات في يريفان بأي شيء سوى تعزيز قدراتها الدفاعية أو حتى الدبلوماسية، كما أن رئيس الوزراء تصرف طوال هذا الوقت كما لو أن قره باغ ضاعت بالفعل".

والثانية "عندما تنصل باشينيان من إعلان التعبئة العامة وتعزيز الدفاع وإعطاء الحدث حجمه الحقيقي، والثالثة كانت منع يريفان القوات المسلحة الأرمنية من مساعدة الأرمن في قره باغ، أما الرابعة، فهي اعتراف باشينيان فعليا بسيادة أذربيجان على الإقليم، في المفاوضات التي جرت خريف عام 2022 في براغ"، وفق الصحيفة.

الدعم الغربي

تضيف الصحيفة الروسية، "أن باكو كانت على علم كامل بكيفية تصرف يريفان في حالة الحرب، خصوصا أن الأرمن أصيبوا بالإحباط الشديد بسبب أحداث عام 2020، حيث عانوا من صدمة عاطفية رهيبة".

وتابعت: "على مدى السنوات الثلاثين الماضية، تغير المجتمع الأرمني بشكل جذري؛ فأولئك الذين يريدون الدفاع عن قره باغ وحتى أرمينيا نفسها بمدفع رشاش في أيديهم، لم يتم العثور عليهم بأعداد ملحوظة".

وأردفت: "لقد اعتاد المجتمع الأرمني على حقيقة مفادها، أن هناك من سيساعدهم بالتأكيد عند اندلاع الحرب، وهذا ما كانت تفتخر به يريفان طويلا، لكن بعد 2020، أصبح من الواضح أنه سيتعين على الأرمن، ولو لمرة واحدة، القيام بشيء ما بمفردهم إذا أرادوا على الأقل الحفاظ على الوضع الراهن".

وكشفت الصحيفة، "أن رئيس الأركان العامة الإيرانية، الجنرال محمد باقري، اتصل ليل الأربعاء، بهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الأرمينية، وكان حينها وزير الدفاع الروسي في طهران، لكن الجنرالات الأرمن رفضوا التحدث مع الإيرانيين، تنفيذا لأوامر باشينيان، بمعنى آخر، رفضوا يد الإنقاذ ليس فقط من روسيا، بل من إيران أيضا".

العلاقة مع روسيا

وعلى مدى السنوات الماضية، كانت أرمينيا تتمتع بدعم روسي غير محدود، خصوصا في الجانب الأمني، إذ تمتلك عضوية في منظمة معاهدة الأمن الجماعي الروسي، إلى جانب دول سوفيتية سابقة أخرى، حيث تعد يريفان هذه المعاهدة ضرورية لأمنها القومي، بالإضافة لمقعدها في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي.

وسادت حالة من الفتور العلاقة الأرمينية الروسية، بعد حرب قره باغ الثانية عام 2020, وبدا ذلك واضحا في تصريحات رئيس الوزراء الأرميني مطلع الشهر الجاري، عندما وصف اعتماد بلاده على روسيا فقط لضمان أمنها خطأ استراتيجيا.

وقال باشينيان في مقابلة مع صحيفة "لا ريبوبليكا" الإيطالية؛ إن روسيا أخفقت في ضمان أمن أرمينيا بمواجهة أذربيجان في قرة باغ، كما أنها لم تساعد بما يكفي بالرغم من الاتفاق الدفاعي بين البلدين.

وأضاف أنه يعتقد أن روسيا في طريقها للانسحاب من دورها في منطقة جنوب القوقاز، مبينا أن يريفان تحاول تنويع ترتيباتها الأمنية، في إشارة لعلاقاتها مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

وأوضح أن البنية الأمنية لأرمينيا مرتبطة بالكامل مع روسيا، خصوصا فيما يتعلق بالأسلحة والذخائر، والآن روسيا نفسها تحتاج إلى الأسلحة والعتاد والذخيرة، بسبب حرب أوكرانيا، ولهذا لن تستطيع الالتزام بتعهداتها ليريفان.

ولم تكن تصريحات باشينيان فقط هي المؤشر على تدهور العلاقة، فقد أثار إعلان يريفان عزمها تنفيذ مناورات عسكرية مع الولايات المتحدة الشهر الجاري، قلق موسكو من تحركات حليفها القديم.

وذكر المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، أن هذه الأنباء تثير القلق، سيما في الوضع الراهن، لذلك سنحلل هذه الأحداث بعمق ونراقب الموقف.

ومطلع أيلول/سبتمبر الجاري، استدعت أرمينيا فجأة ممثلها الدائم لدى منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وأرسلته سفيرا لدى هولندا، ومندوبا عنها في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي.

وخلال العملية العسكرية التي انتهت الأربعاء، اتهمت يريفان موسكو بعدم الوفاء بتعهداتها تجاه قضية "قره باغ".

في المقابل، وصفت روسيا الاتهامات الأرمينية ضدها بأنها مرفوضة ولا أساس لها من الصحة، مؤكدة أن أذربيجان تتخذ إجراءات على أراضيها، في إشارة إلى إقليم "قره باغ".

وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف؛ إن روسيا تأخذ بعين الاعتبار الاتفاقيات الثلاثية المبرمة في عامي 2021 و2022 بينها وبين أذربيجان وأرمينيا حول إقليم "قره باغ".

إظهار أخبار متعلقة



وأوضح أن "هناك قضية مهمة من حيث الأرشيف"، وهي اعتراف رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، بأراضي أذربيجان كما كانت عليه عام 1991، وهذا يعني أن الجانب الأرميني يعترف بقره باغ على أنه جزء لا يتجزأ من الأراضي الأذرية".

وأشار إلى أن روسيا لا تقبل مثل هذا اللوم الموجه ضدها من قبل أرمينيا، لا سيما بعد قرارات يريفان المتعلقة باعترافها رسميًا بقره باغ كجزء من أذربيجان.

ويتسق الغضب الحكومي في أرمينيا من الموقف الروسي مع الحراك على الأرض، حيث أغلق متظاهرون الثلاثاء الماضي مبنى السفارة الروسية في يريفان. 

وأوضحت السفارة في بيان أنها أرسلت مذكرة إلى وزارة الخارجية الأرمينية من أجل مواجهة الأزمة المفاجئة قائلة: "لقد انتبهنا إلى الدعوات المنتشرة على الإنترنت لتنظيم وقفة احتجاجية بالقرب من مبنى السفارة الروسية في أرمينيا، وبعد ظهورهم، تم غلق البعثة الدبلوماسية، جزئيا أولا، ثم كليا".

ماذا بعد قره باغ؟
وتتخوف أرمينيا ومن يدعمها من أن يمتد طموح أذربيجان إلى أبعد من إقليم "قره باغ"، خصوصا مع الخلاف حول ممر "زنغزور"، الذي يصل تركيا بأذربيجان مرورا بالحدود الأرمينية والإيرانية.

تقول صحيفة "فزغلياد" الروسية؛ "إن باكو إذا أرادت الآن اختراق الممر إلى ناختشيفان، فسوف تنجح، ما يهدد الدولة الأرمينية كلها ويفقدها مزيدا من الأراضي، مثل "زنغزور وسيونيك ومناطق تاريخية أخرى، لاسيما أن سيطرة أذربيجان على قره باغ سيكون له عواقب وخيمة على أرمينيا وجنوب القوقاز بأكمله".

وسبق أن قال الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، بأن بلاده ستسيطر بالقوة على أراضي ممر "زنغزور" في حال لم تعط أرمينيا لباكو ما تريده الأخيرة.

وكانت منطقة "زنغزور" تتبع لأذربيجان ويسكنها مسلمون أتراك، قبل أن يضمها الاتحاد السوفيتي إلى أرمينيا في عشرينيات القرن الماضي، الأمر الذي تسبب في فقدان أذربيجان اتصالها مع مقاطعة ناختشيفان الأذرية المتمتعة بالحكم الذاتي، ومع تركيا من بعدها.

ومع إثبات باكو قدرتها على فرض رؤيتها في القوة، وعدم وفاء أرمينيا بوعودها، فإن الخيار العسكري لحل بقية الملفات العالقة يبدو مطروحا على الطاولة في العلاقة بين البلدين.

ومنذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2020, عندما وقع البلدان اتفاق السلام، تنصلت يريفان من البند الرابع الذي تصر باكو على تنفيذه، ويتعلق بإدخال قوات حفظ السلام الروسية إلى قره باغ مع الانسحاب المتزامن لقوات الانفصاليين من هناك".

مصير حكومة باشينيان

أثارت سيطرة أذربيجان على "قره باغ" عاصفة خفتت خلال الفترة الماضية، فكلما سمع الأرمينيون بالإقليم، وجهوا النقد لرئيس حكومتهم الذي يتهمونه بالتخلي عن "قره باغ"، فضلا عن فشله بالمحافظة على الوضع القائم هناك.

وطوال ثلاث سنوات، حاولت المعارضة عدة مرات دفع باشينيان للتخلي عن السلطة، وحملته مسؤولية الهزيمة العسكرية خلال حرب خريف 2020 في إقليم قره باغ.

ودعت المعارضة إلى احتجاجات في ساحة الجمهورية وسط العاصمة للمطالبة باستقالة باشينيان، حيث أطلق زعيم حزب "أرمينيا الأم" المعارض أندرانيك تيفانيان على وسط العاصمة، منزله الذي لن يغادره حتى تحقق المظاهرات أهدافها.

وحدثت صدامات بين المحتجين وقوات الأمن، التي فرضت طوقا حول مكاتب باشينيان، لصد محاولات المتظاهرين اقتحامها، كما استخدم عناصر الأمن قنابل صوتية ومسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين المطالبين باستقالة باشينيان الذي وصفوه "بالخائن".

وذكرت أجهزة الأمن الأرمينية، أن هناك خطرا جديّا بوقوع اضطرابات شاملة في البلاد، متعهدة باتخاذ إجراءات للحفاظ على الانتظام الدستوري، كما طلبت من المواطنين "عدم الخضوع للاستفزازات المتعددة.

من جهته، ندد رئيس الوزراء بالدعوات للانقلاب على الحكومة، وقال: "علينا ألا نسمح لأطراف معينة وقوى معينة بتوجيه ضربة للدولة الأرمينية"، مبينا أن "هناك بالفعل دعوات تأتي من جهات مختلفة لتنفيذ انقلاب" في أرمينيا.

إظهار أخبار متعلقة



وقالت صحيفة "فزغلياد" الروسية؛ إن مجتمع الخبراء يرجح إقالة رئيس الوزراء، لكن تغيير القيادة لن يحدث نتيجة للاحتجاجات، بل نتيجة للانتخابات المقبلة؛ لأنه من غير المرجح أن ينجح المتظاهرون في إقالة الحكومة.

وأضافت أن باشينيان لن يتمكن من الفوز في الانتخابات المقبلة، خصوصا أن التظاهرات تثبت معارضة شريحة واسعة من السكان للحكومة.

وتشير الصحيفة إلى أن استمرار الاحتجاجات وتنظيمها أكثر سيدفع لحدوث تغييرات سياسية في البلاد، خصوصا أن احتفاظ باشينيان بمنصبه سيؤدي لمزيد من زعزعة الاستقرار في أرمينيا، بحسب ستانيسلاف تكاتشينكو، أستاذ قسم الدراسات الأوروبية، في جامعة سانت بطرسبرغ.

وأضاف أن بقاء رئيس الحكومة سيسبب اضطرابات في أرمينيا، قد تصل في أسوأ الأحوال للحرب الأهلية، مع استعداد القيادة لاستخدام القوة لإنهاء الاحتجاجات، مبينا أن أرمينيا التي عرفناها من قبل، لن تكون موجودة بطريقة أو بأخرى.
التعليقات (0)