مع تفاقم المعاناة الإنسانية المركبة التي يعيشها
قطاع غزة المحاصر منذ 17 عاما على التوالي، تبث بين الفترة والأخرى العديد من الرسائل، من أجل تذكير العالم بهذه المأساة الإنسانية، لكن الرسائل هذه المرة خرجت من قلب
الجدران المدمرة بفعل العدوان الإسرائيلي المتكرر.
الفنان التشكيلي أيمن صلاح
الحصري (35 عاما) من مدينة غزة، يعيش قرب المنطقة التي شهدت دمارا كبيرا بفعل الطائرات الحربية الإسرائيلية التي ألقت بصواريخها على منازل المواطنين في شارع الوحدة بغزة خلال معركة "سيف القدس" عام 2021، وتسببت في مجازر بشعة أدت إلى استشهاد عشرات الفلسطينيين وتدمير عشرات المنازل والشقق السكنية على رأس ساكنيها.
أحرف الأمل وجدران مدمرة
بسبب هذه المعاناة التي يعيشها القطاع المحاصر، ينشغل الفنان التشكيلي الحصري الذي عاش وما زال مثل باقي سكان القطاع ألم الدمار الذي شاهده عن قرب، في محاولات لتسليط الضوء على هذه المأساة الإنسانية، عبر تسخير حروفه ومخطوطاته الفنية الزاهية.
وعن هدف هذه المبادرة بالرسم والكتابة على الجدران المدمرة بفعل آلة حرب الاحتلال، قال الحصري: "هذه محاولة من قلب غزة لإرسال رسائل أمل للعالم؛ أننا من وسط الموت والدمار، ينبع لدينا الأمل بسلام حقيقي ومستقبل أجمل وأفضل لشعبنا المحاصر".
وأضاف في حديث خاص لـ"
عربي21": "من وسط هذا الدمار، يبزغ الأمل بوطن حر مستقل، بلا احتلال ولا حروب ولا دمار ولا جرائم إسرائيلية بحق شعبنا الفلسطيني"، منوها إلى أنه تعمد الإبقاء على معالم الدمار، "كي أكتب عليها أحرف الأمل بألوان زاهية تنبض بالحياة والأمل".
وذكر الفنان التشكيلي، أن "القطاع يعيش تحت حصار إسرائيلي مستمر منذ أعوام؛ تسبب في تردي الأوضاع الإنسانية في مختلف مجالات الحياة.. أردت من خلال هذه المبادرة أن أسلط الضوء أيضا على معاناة السكان الذين دمرت بيوتهم خلال العدوانات الإسرائيلية المتتالية على القطاع، وإلى الآن لم يتم إعادة إعمارها بسبب الاحتلال".
وقال: "قمت برسم هذه الأحرف واللوحات بشكل جمالي وباستخدام ألوان طلاء زاهية على العديد من البيوت والجدران المهدمة، ودمجت تلك الألوان الجميلة مع لوحة الدمار المؤلمة، لكسر جمودها والحديث عن حلم الإنسان الفلسطيني بالعيش بحرية وسلام".
حصار مدمر وأمل بالأفضل
وأقر الحصري، بأن "هذه اللوحات الفنية عمليا، لا نستطيع من خلالها أن نغير هذا الواقع الصعب؛ وإصلاح البيوت المدمرة، لكننا نحاول أن نبث الأمل برسم هذه اللوحات مختلفة الألوان والأشكال"، مضيفا: "نحن في القطاع لا نحب الحروب ولا نريدها، بل نحب الحياة بألوانها الجميلة المختلفة، نريد حياة بلا احتلال".
ويشهد القطاع الذي يمتد على مساحة 360 كلم مربع، بطول 41 كلم، وعرض يتراوح بين 6 و12 كلم، ترديا صعبا في مجمل الأوضاع الحياتية؛ الإنسانية والاقتصادية والمعيشية وحتى الصحية، نتيجة الحصار الإسرائيلي المشدد، واستمرار الإجراءات العقابية التي فرضتها السلطة الفلسطينية، ما تسبب في تفاقم الفقر والبطالة واستمرار مشكلة انقطاع التيار الكهربائي التي تزيد من معاناة مختلف الفئات ومنع الاحتلال من إدخال العديد من المواد الضرورية والأساسية للقطاع.
ومما ساهم في زيادة معاناة سكان القطاع البالغ عددهم أكثر من مليوني نسمة، العدوانات الإسرائيلية المتعددة ضد القطاع، إضافة إلى إعاقة عملية إعادة إعمار ما دمره الاحتلال، من خلال تحكم الاحتلال بكل ما يدخل ويخرج من القطاع.
وتسبب القصف الإسرائيلي العنيف على مختلف مناطق القطاع خلال الحروب الإسرائيلية، في استشهاد آلاف المواطنين، وارتكاب جيش الاحتلال عشرات المجازر بحق عائلات فلسطينية بأكملها، وتدمير آلاف المنازل والأبراج والشقق السكنية والطرق الرئيسية والأماكن العامة وشبكات المياه والاتصالات والإنترنت.
وأدى أيضا إلى تدمير العديد من المؤسسات الحكومية والمصانع والمصالح التجارية المختلفة التي تعاني أصلا من الحصار، وتشريد عشرات الآلاف من بيوتهم، وترك المئات من الصواريخ والقذائف والقنابل التي لم تنفجر، ما يشكل خطرا على حياة المواطنين.