الخلل الكبير الذي يؤجل اندلاع ثورة مستحقة في شمال
اليمن ضد الجماعة التي اغتصبت الحكم بالقوة، وتقود البلاد إلى المزيد من الفقر
والانقسامات والتخلف، يعود إلى اعتياد المجتمع على غياب الدولة أو عدم مراهنته على
ما يمكن أن تفعله من أجله، وما يمكن أن تمثله بالنسبة لكينونته ووجوده ومستقبله.
نحن نعيش في مجتمع ما قبل الدولة وما قبل الثقة
بأهميتها وضرورتها، ولذلك وجدت "الجماعة الانتقامية" سهولة في السيطرة
على جزء كبير من البلد، وعملت باسترخاء ووقاحة على مصادرته ونهبه، وهي تعرف أن
المجتمع لم يكن يعوّل على السلطات السابقة كلها.
ورغم أن البدائل البدائية التي يوفرها المجتمع اليمني
لنفسه تساعده في الحفاظ على التكافل والأمن، وعلى وجوده واستدامة كيانه كمجتمع،
إلا أن استمرار عدم الاحتياج للدولة وتسليم الأمر في كل العهود والمراحل لـ"الحاصل"، هو البلاء والكارثة الحقيقية.
شعب يعيش موظفوه من دون مرتبات، لا بد أنه شعب ما قبل
الدولة بامتياز، وهنا يكمن الخلل الذي يستدعي من جميع اليمنيين أن يلتفتوا إلى
حاجتهم للدولة العادلة والنظام الحديث، والجمهورية التي تكفل لهم
الكرامة والمساواة
والعدالة، وتوفر لهم الحقوق التي تتمتع بها الشعوب الأخرى.
أما الاستمرار في عدم التعويل على الدولة واعتبارها
كيانا مستقلا عن المجتمع، فإنه يطيل أمد الكارثة الحاصلة، ولن تقوم لليمنيين قائمة ما
لم يؤمنوا أن الدولة دولتهم جميعا، وأن لهم الحق في استعادة النظام الحديث، على
أنقاض أسوأ جماعة تخريب ونهب عرفها التاريخ القريب لبلدهم.
فلا تعتبوا على بقية الجهات في جنوب وشرق وغرب اليمن، إذا بحث أهلها لأنفسهم عن حلول تقيهم وباء الجماعة التي لا تشبع من النهب والظلم،
ولن تشبع أو ينتهي عصرها الأسود الكئيب، إلا إذا شعر كل يمني أنه معني بدولته، وأن
له الحق في أن تكون دولة حديثة تمثل الشعب، وتتطلع إلى مستقبل أبنائه بدلا من
النظر إلى الماضي والتعلق بالخرافات، أو الدوران حول أشخاص لئام وجهلة يتاجرون
بالدين والمذهب، ويجعلون منه سلاحا فتاكا يُشهرونه ضد المجتمع، الذي يتحمل أذاهم
وخبثهم منذ سنوات، ويصرون على أن يحكموه بالقهر والذل والجوع، وأن يعيدوه إلى عهود
بائدة وملعونة بكل رموزها، وملعون كل من يحن إليها، وإلى ما كان فيها من عبودية
وتخلف وتجهيل ممنهج.
إن علاج اليمني الوحيد اليوم، يكمن في التعويل على بناء
دولة تحميه، وتعزّه وتحافظ على كرامته، وإذا كانت هذه الدولة مغيبة أو مختطفة، فعليه
أن يستعيدها، وألا يسمح بتكرار ما حدث ويحدث؛ لأن الدولة لا تكون لجماعة، ولا
لخرافة يستعبدون بها غالبية الشعب، بل إنها لا تكون إلا معبّرة عن مجتمعها وممثلة
لمصالحه وحارسة لآماله وفاتحة لسبل الرقي والتطور والتنمية والرخاء.
فاستعيدوا دولتكم ترحمكم وتعزكم وتشمخ بكم وتشمخون
بها.