كتاب عربي 21

نقص الأعلاف السبب الرئيس لفوران أسعار المنتجات الحيوانية المصرية

ممدوح الولي
تُزاحم زراعة الأعلاف المحاصيلَ الخاصة بالبشر- جيتي
تُزاحم زراعة الأعلاف المحاصيلَ الخاصة بالبشر- جيتي
منذ سنوات طويلة، تزاحم الثروة الحيوانية البشر على المساحة الزراعية المحدودة في مصر، حيث زاحم البرسيم (الغذاء الرئيس للماشية كمحصول شتوي) القمح والفول البلدي، حتى إنه في بعض السنوات كانت مساحة البرسيم أكبر من مساحة القمح، بسبب ارتفاع عائد الفدان للفلاح من البرسيم عن القمح والفول وبنجر السكر.

ونفس المزاحمة بالمحاصيل الصيفية، حيث تتنافس الذرة بأنواعها مع الأرز وعدد من أنواع الخضر، وتكون النتيجة غالبا في صالح الخضر التي تحقق للمزارع عوائد أعلى، خاصة الطماطم والباذنجان والكوسا.

ومع محدودية مساحة الأراضي الزراعية، تراجعت نسب الاكتفاء الذاتي سواء للمحاصيل المتجهة لغذاء البشر كالقمح والفول والعدس، أو المتجهة لغذاء الحيوان، خاصة الذرة وفول الصويا كمكونين رئيسين بصناعة الأعلاف لمختلف أنواع الثروة الحيوانية؛ من دواجن وأسماك وماشية، مما زاد من كميات واردات الحبوب المستخدمة للبشر وللحيوان.

مع محدودية مساحة الأراضي الزراعية، تراجعت نسب الاكتفاء الذاتي سواء للمحاصيل المتجهة لغذاء البشر كالقمح والفول والعدس، أو المتجهة لغذاء الحيوان، خاصة الذرة وفول الصويا كمكونين رئيسين بصناعة الأعلاف لمختلف أنواع الثروة الحيوانية؛ من دواجن وأسماك وماشية، مما زاد من كميات واردات الحبوب المستخدمة للبشر وللحيوان.

ومع مشكلة نقص العملات الأجنبية وتراجع سعر صرف الجنيه أمام الدولار، ارتفعت أسعار الحبوب، وكذلك كل المنتجات الحيوانية من ماشية ودواجن وأسماك وألبان وبيض، مما سبب حرجا للجنرال المصري الذي يستعد للاستمرار بمنصبه عبر الانتخابات المقبلة، رغم إعلانه في آب/ أغسطس 2016 عن مشروع قومي للغذاء، يتضمن إنشاء مزرعة ضخمة للإنتاج الحيواني تضم مليون رأس ماشية، لتوفير اللحوم والألبان بأسعار مناسبة بحلول حزيران/ يونيو 2018، وهو ما لم يتحقق حتى الآن. ومع زيادة استهلاك اللحوم بعيد الأضحى وقيام الكثيرين بذبح الأضاحي، راح النظام يكثف من واردات اللحوم من العديد من الدول، لتوفيرها بسعر أقل من السوق في المنافذ التابعة للدولة، إلا أن أسعارها الحكومية ما زالت أعلى من قدرة الطبقات الفقيرة.

احتياجات ضخمة للماشية والدواجن والأسماك

وتبدو ضخامة الاحتياجات الاستهلاكية المصرية من الأعلاف، بالنظر إلى وجود 8 ملايين رأس ماشية عام 2021 ما بين الأبقار والجاموس والأغنام والماعز والجمال والدواب، وبلوغ أعداد الطيور بمجال الدواجن 1.667 مليار طائر، نسبة 86 في المائة منها لدواجن التسمين، وكذلك استحواذ المزارع السمكية التي تحتاج للأعلاف بالتربية على نسبة 78 في المائة من الإنتاج المحلي للأسماك، وهي المزارع البالغة مساحتها 301 ألف فدان.

ورغم زراعة 2.7 مليون فدان ذرة بأنواعها البيضاء والصفراء والرفيعة، وزراعة 1.55 مليون فدان برسيما بأنواعه، وزراعة 1.2 مليون فدان بأعلاف خضراء أخرى عام 2021، إلى جانب زراعة 49 ألف فدان فول صويا، فإن تلك المساحات التي شكلت نسبة 34 في المائة من المساحة المحصولية خلال ذلك العام، لم تكف الاحتياجات المحلية من الأعلاف، مما استمر معه الاستيراد لمكونات الأعلاف.

ففي العام الماضي، بلغت قيمة واردات الذرة 2.958 مليار دولار، وواردات فول الصويا 2.683 مليار دولار، إلى جانب 126 مليون دولار لمحضرات تغذية الحيوان و117 مليون دولار للكسب، بإجمالي 5.88 مليار دولار لواردات الأعلاف، رغم البطء الذي تم في الإفراج عن مكونات الأعلاف بسبب نقص الدولار، وهي المشكلة القائمة حتى الآن في ضوء التوجه الحكومي لخفض الواردات.

الذي تشير إليه بيانات الواردات بالربع الأول من العام الحالي، حيث انخفضت قيمة واردات الذرة بنسبة 52 في المائة بالمقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي، ونقص قيمة واردات فول الصويا بنسبة 63 في المائة، وتراجع قيمة محضرات تغذية الحيوان بنسبة 55 في المائة، وذلك بالرغم من تراجع أسعار كل من الذرة وفول الصويا دوليا بالربع الأول من العام الحالي، عما كانت عليه بالربع الأخير من العام الماضي.

واحد في المئة الاكتفاء الذاتي لفول الصويا

وتشير بيانات جهاز الإحصاء الحكومي إلى انخفاض نسبة الاكتفاء الذاتي من الذرة الشامية إلى 46 في المئة عام 2021، مقابل نسبة 65 في المئة عام 2014، إلا أن السوق لا يهتم بتلك النسبة، حيث يجمع جهاز الإحصاء بين نوعين من الذرة الشامية معا هما البيضاء والصفراء، بينما يهتم مستهلكو الأعلاف أكثر بالذرة الصفراء خاصة في صناعة الدواجن، التي تصل نسبة الاكتفاء الذاتي بها إلى ربع الاستهلاك تقريبا.

أما فول الصويا، فتتدنى نسبة الاكتفاء الذاتي به لأقل من الواحد في المئة بالسنوات الأخيرة. ففي عام 2021 تم إنتاج 36 ألف طن فقط، بينما بلغ الاستهلاك 4.1 مليون طن، ورغم زراعته في عشر محافظات، إلا أن زراعته تتركز في ثلاث محافظات فقط، وباقي المحافظات ذات مساحات محدودة.

وباستعراض المساحة المنزرعة به خلال السنوات العشرين الأخيرة، نجد أن مساحته البالغة 34 ألف فدان عام 2004 تراجعت في التالية، ثم عادت لترتفع عام 2010 إلى 36 ألف فدان ثم عاودت التراجع. وهكذا، استمر التذبذب بالمساحة لتبلغ أقصاها عام 2021 بمساحة 49 ألف فدان، بعد نظام الزراعة التعاقدية الذي يحدد سعر شراء للمحصول من المزارعين قبل الزراعة.

وهكذا، يتضح أن التوسع بمساحات زراعة الذرة الشامية الصفراء، بعد قيام اتحاد الدواجن بتحديد سعر تعاقدي مسبق يقوم بشراء المحصول به، وكذلك التوسع بمساحة فول الصويا بعد دخوله نظام الزراعة التعاقدية بوزارة الزراعة، مرهون بمدى تنافسية السعر المُحدد مع العوائد التي تحققها المحاصيل الصيفية المنافسة.

ففي عام 2020، بلغ صافي عائد الفدان أكثر من 20 ألف جنيه من الطماطم والباذنجان، وأكثر من 12 ألف جنيه من الكوسا، وثمانية آلاف جنيه من البطاطس، بينما كان صافي ربح الفدان من الذرة الشامية 3257 جنيها.

انخفاض الإنتاج بمصانع أعلاف الماشية

ولم تكتف الحكومة واتحاد منتجي الدواجن بالزراعة التعاقدية مع الذرة وفول الصويا، بل قامت هيئة السلع التموينية الحكومية باستيراد كميات من الذرة الصفراء، وقامت بعرضها للبيع من خلال البورصة السلعية، لمصانع الأعلاف الصغيرة والمتوسطة بشرط بيعها للمنتجين الصغار للدواجن، وإبلاغ البورصة السلعية بأسماء المشترين بالكميات.

لكن الشكوى من جانب كبار المنتجين ما زالت مستمرة بسبب بطء الإفراج عن الذرة وفول الصويا من الموانئ، واستمرار السوق الموازية لسعر صرف الدولار، مما يرفع من حساب تكلفة الواردات، الذي يتم تحميله على مصانع الأعلاف، حيث تتكون صناعة الأعلاف من نسبة 60 في المائة من الذرة، و30 في المائة من فول الصويا، ونسبة 10 في المائة للإضافات.

لم يقم إعلام الصوت الواحد أو برلمان الأجهزة السيادية بإثارة هذه المشكلة المستمرة منذ عام 2016، من باب تخفيف المعاناة عن الطبقات الفقيرة، مما جعل البعض يردد بأن ذلك أمر مقصود لصالح لوبي المستوردين، من خلال صعوبات التراخيص وأسعار الغاز الطبيعي المرتفعة ومشاكل توفير الخامات.

وكشفت بيانات جهاز الإحصاء عن عمل مصانع الأعلاف للماشية بنسبة قليلة من طاقتها الإنتاجية، حيث بلغت نسبة الطاقة الفعلية للتشغيل 23 في المائة عام 2021، وهي نفس النسبة في العام السابق، وخلال السنوات الخمس السابقة كانت أعلى نسبة تشغيل 25 في المائة بالعام 2018.

وهكذا بلغت الطاقات العاطلة في مصانع أعلاف الماشية من الطاقة الكلية لها في عام 2021، نسبة 99 في المائة بمصانع محافظة الأقصر، و96 في المائة بمحافظة الفيوم، و94 في المائة بالشرقية، و92 في المائة بكل من محافظتي مطروح والوادي الجديد، و88 في المائة بالإسماعيلية و87 في المائة بدمياط. وعلى الجانب الآخر انخفضت الطاقات العاطلة بمصانع أعلاف المنيا إلى 10 في المائة فقط، والمنوفية إلى 27 في المائة، والإسكندرية إلى 33 في المائة.

ورغم ذلك، لم يقم إعلام الصوت الواحد أو برلمان الأجهزة السيادية بإثارة هذه المشكلة المستمرة منذ عام 2016، من باب تخفيف المعاناة عن الطبقات الفقيرة، مما جعل البعض يردد بأن ذلك أمر مقصود لصالح لوبي المستوردين، من خلال صعوبات التراخيص وأسعار الغاز الطبيعي المرتفعة ومشاكل توفير الخامات.

twitter.com/mamdouh_alwaly
التعليقات (1)
صلاح الدين قادم
الإثنين، 26-06-2023 04:42 ص
دولة قوامها 105 مليون أي لا تفتقر الأيدي العاملة الرخيصة معدومة الحقوق تمامًا، يجري فيها نهر النيل أطول نهر بالعالم، تمتلك مخزون ضخم للغاية من المياه الجوفية، أصبحت لا تكتفي حتى بغذائها بعد أن كانت سلة غذاء العالم؟ عن أي حضارة يفتخر بها المصري إذن وهو يتسول غذاءه ويقترض لسداد فاتورة عشاءه. هنا سؤال حسرة وليس شمانة، هل انعدمت نخوة الشعب المصري وأصبح لا يرى حتى هذه المهانة من حاكمه الصهيوني الذي لا هم له إلا مزيد من الجوع والعطش والمرض والحرمان، يمكن القول أن الثورة للكرامة تتطلب مستوى أعلى قليلا من المهارات والصفات الشخصية، لكن أتحتاج ثورة الجياع مثقفين ومتحضرين؟ بل قد لا تحتاج أن تكون بشر من الأساس حتى تقوم بثورة جياع. وعليه أضيف على مقولة القذافي الخالدة، من أنتم، أين أنتم يا مصريين؟