قضايا وآراء

عام على حرب بوتين المجنونة في أوكرانيا

أميرة أبو الفتوح
وعد بوتين شعبه بحرب خاطفة في أوكرانيا- جيتي
وعد بوتين شعبه بحرب خاطفة في أوكرانيا- جيتي
حاول قيصر روسيا الجديد "فلاديمير بوتين"، في خطابه الشعبوي الأخير بمناسبة مرور عام على غزوه لأوكرانيا، أن يتقمص شخصية الكاهن الأعظم أو البطريرك الأرثوذكسي، ويُعطي دروساً في الأخلاق ويُلقي مواعظ دينية، وأنه من أجل المسيحية وقيمها النبيلة خاض حربه ضد أوكرانيا؛ لأن الغرب يحاول هدم القيم الأرثوذكسية والفضيلة ويوجه الأطفال نحو الشذوذ ويعمل على هدم الأسر وتدمير أخلاق المجتمع الروسي، فالغربيون يجبرون رجال الدين على إجراء عقود زواج للمثليين!!

وكأن قيصر روسيا الجديد قد خاض حربه المجنونة من أجل الدفاع عن الشرف والفضيلة، وبذلك يكون الغزو الروسي لأوكرانيا هو أول حرب في العالم تقوم من أجل هذا الهدف "السامي"، ويكون للبطريرك بوتين الأسبقية والريادة بين زعماء العالم على مر التاريخ في هذا الشأن!

دائما ما يلجأ الحكام الطغاة لمثل هذه الخطابات الشعبوية التي تستدعي الدين لتبرير جرائمهم لإرهاب شعوبهم والسيطرة عليهم، فوضع الحاكم في موضع الألوهية معناه ألا يجوز معارضته أو محاسبته، وإلا فأنت تعترض على المشيئة الإلهية، وهي فكرة قديمة اخترعتها الإمبراطورية الرومانية، ولا زالت سارية حتى الآن في كل الأنظمة الفاشية وخاصة في محيطنا العربي البائس بحكامه الطغاة..

دائما ما يلجأ الحكام الطغاة لمثل هذه الخطابات الشعبوية التي تستدعي الدين لتبرير جرائمهم لإرهاب شعوبهم والسيطرة عليهم، فوضع الحاكم في موضع الألوهية معناه ألا يجوز معارضته أو محاسبته، وإلا فأنت تعترض على المشيئة الإلهية

نسي أو تناسى بطريرك روسيا الجديد (بوتين)، ما قاله قيصر روسيا الجديد (بوتين)، في بداية غزوه لأوكرانيا وتبريره أمام العالم وخاصة الشعب الروسي، الذي أراد بوتين استمالته له لكسب تعاطفه وتأييده، بدغدغة عواطفه، تارة بإثارة النزعات العرقية والقومية في وجدانه، وتارة أخرى باستعراض تاريخه القديم وتذكيره بحضارته العظيمة، بقوله إن زعيم الثورة البلشفية ومؤسس الاتحاد السوفييتي "فلاديمير لينين"، تسبب في تقسيم البلاد عبر الهيكل الاتحادي الذي أسسه على أنقاض الإمبراطورية الروسية، كما تسبب بضياع أراض روسية تحولت إلى دول منفصلة مع مرور الوقت، وأنه أخطأ حينما منح الأوكرانيين استقلالاً داخل الاتحاد السوفييتي وتخلى عن أراضي روسيا التي يسكنها الشعب الروسي لأوكرانيا، وأن من استولى على السلطة في أوكرانيا هم النازيون الجدد، الذين كان أجدادهم وآباؤهم يحاربون مع هتلر ويقتلون الروس!!

ثم حينما لم يحقق ما كان يصبو إليه بعدما وقعت قدماه في وحل المستنقع الأوكراني ودخل المصيدة الأمريكية، عاد وبرر غزوه لأوكرانيا بأنه يصنع عالماً جديداً متعدد الأقطاب، محاولاً استقطاب الصين والهند إلى صفه. ولكنه فوجئ بموقف كل من بكين ونيودلهي، في قمة منظمة شنغهاي في أيلول/ سبتمبر من العام الماضي، حيث وجه كل من قادة الصين والهند انتقادات علنية لبوتين وأبدوا انزعاجهم من حربه العبثية في أوكرانيا، فلم يجد أمامه غير الشيطان ليبرر غزوه، فقال إنه يحارب الشيطان!

وهكذا يحاول دب الكرملين العجوز اختلاق الذرائع لغزوه لأوكرانيا، التي كان يسميها في البداية وحتى فترة قريبة عملية عسكرية خاصة، فلقد كان يحسبها نزهة يقضي فيها سويعات ويأتي بالغنيمة (أوكرانيا) ويبتلعها في مضغة واحدة ويعيدها للإمبراطورية الروسية كما كانت إبان فترة القياصرة، التي يريد أن يعيد أمجادها ويتوج على عرشها، لذلك فقد البلطجي عقله وبدأ يلوح علناً باستخدام سلاحه النووي، مؤكداً -وهي رسالة موجهة إلى واشنطن بالأساس- أن هزيمة موسكو قد تكلف العالم حرباً نووية!

بوتين لم يكن يعتقد أن أوكرانيا قادرة على الصمود أمام قواته العسكرية عاماً كاملاً، فكل التقارير الاستخباراتية المقدمة له كانت تؤكد أنه خلال أيام قليلة ستسقط كييف كما سقطت من قبل شبه جزيرة القرم، وسيُسحق الجيش الأوكراني وتدمر مقدراته تماماً، ومن ثمة القضاء على من يُسمون بـ"النازيين الجدد"،

مما لا شك فيه أن بوتين لم يكن يعتقد أن أوكرانيا قادرة على الصمود أمام قواته العسكرية عاماً كاملاً، فكل التقارير الاستخباراتية المقدمة له كانت تؤكد أنه خلال أيام قليلة ستسقط كييف كما سقطت من قبل شبه جزيرة القرم، وسيُسحق الجيش الأوكراني وتدمر مقدراته تماماً، ومن ثمة القضاء على من يُسمون بـ"النازيين الجدد"، كما يحلو للقيادة السياسية في روسيا والإعلام الروسي أن يطلقوا على القادة السياسيين والعسكريين في أوكرانيا، وأن أمريكا والغرب لن يفعلا شيئاً أكثر من الإدانة وبعض العقوبات التي سيستطيع تجاوزها كما حدث بعد احتلاله للقرم.

ولكنه فوجئ بقوة الجيش الأوكراني ومقاومة جنوده وشراستهم في القتال، حتى أنه استطاع أن يتفوق على الجيش الروسي وتمكن من استعادة مناطق كثيرة كانت قد احتلتها روسيا. لقد استطاع الجيش الأوكراني أن يصمد صموداً أسطورياً عاماً كاملاً، وها هو بعدما دخلت الحرب عامها الثاني لا يزال واقفاً حامياً لبوابات المدن الأوكرانية. كما فوجئ بوتين بحجم المساعدات العسكرية الضخمة التي تقدمها الولايات المتحدة والغرب لأوكرانيا، ولم يكن يتوقع ذلك الكم الهائل من العقوبات غير المسبوقة التي وقعت على روسيا وشلّت اقتصادها..

قبل خطاب بوتين البائس بأيام زار الرئيس الأمريكي "جو بايدن" أوكرانيا، دعماً لها وتأييداً للرئيس الأوكراني "فولوديمير زيلينسكي"، وألقى خطاباً قوياً في العاصمة كييف، أكد فيه أن بوتين "كان مخطئاً تماما، لقد اعتقد أن أوكرانيا ضعيفة والغرب منقسم"، كما أكد "التزام أمريكا بديمقراطية أوكرانيا ووحدة أراضيها مهما استغرق الأمر".

وربما زيارة بايدن لأوكرانيا وإلقاؤه خطابا في كييف التي كان القيصر الجديد (بوتين) يحلم باحتلالها وضمها لإمبراطوريته الروسية الجديدة، ثم زيارة بايدن لبولندا بعد ذلك واجتماعه بقادة "مجموعة بوخارست"، وهي الدول التسع التي كانت تحت سيطرة الاتحاد السوفييتي سابقاً وكانت تدور في فلكه، وطمأنته لها بأن علاقتها بالولايات المتحدة علاقة مقدسة مؤكداً التزام حكومته بالدفاع عن كل شبر من الناتو، استفز بوتين وأفقده اتزانه مما استدعاه للرد على بايدن فوراً بتعليق مشاركة موسكو في معاهدة "نيو ستارت"، التي تلتزم فيها كل من روسيا وأمريكا بضبط الترسانة النووية في البلدين. ولإظهار مزيد من القوة الوهمية، أعطى بوتين أوامره لوزارة الدفاع والوكالة النووية الحكومية "روساتوم"، بالتأهب لإجراء تجارب نووية، وهي بالطبع إشارة لإمكانية استخدامه السلاح النووي لترهيب الغرب، وقال بعنجهية وغطرسة: "من المستحيل هزيمة روسيا في ساحة المعركة"..

تدرك أمريكا والغرب عامة أن التضييق على بوتين وحشره في زاوية الهزيمة قد يجعله يلجأ بالفعل إلى استخدام السلاح النووي كخيار وحيد أمامه للهروب من عار وذل الهزيمة أمام العالم وشعبه على وجه الخصوص

تدرك أمريكا والغرب عامة أن التضييق على بوتين وحشره في زاوية الهزيمة قد يجعله يلجأ بالفعل إلى استخدام السلاح النووي كخيار وحيد أمامه للهروب من عار وذل الهزيمة أمام العالم وشعبه على وجه الخصوص، ولهذا حذر ثعلب السياسة، السياسي المخضرم "هنري كيسينجر"، وزير خارجية الولايات المتحدة الأسبق، من الإصرار على هزيمة بوتين، ودعا إلى حل النزاع الروسي الأوكراني بالطرق الدبلوماسية لتجنب حرب نووية عالمية..

كما دعا الأمين العام للأمم المتحدة، "أنطونيو غوتيريش"، العالم "للتراجع عن حافة الهاوية"، قائلاً: "إن التهديد بالأسلحة النووية غير مقبول على الإطلاق".

فهل أوصل دب الكرملين العجوز بمغامرته الفاشلة في أوكرانيا؛ العالم إلى حافة الهاوية؟ وهل من سبيل للخروج منها؟!

السبيل الوحيد في تقديري، هو أن يثور الشعب الروسي ضد الطاغية بوتين الذي قهره وكبت حريته وأدخله في دوامة حرب عبثية فاشلة لم يجنِ منها سوى الفقر والخراب، فهل يفعلها الشعب الروسي ويخلص العالم من مقامر يحاول جر العالم لحرب عالمية نووية؟!

twitter.com/amiraaboelfetou
التعليقات (1)
ناقد لا حاقد
الإثنين، 20-03-2023 02:22 م
مقال ممتاز يتحدث عن حقائق لا غبار عليها ....بوتين مجرم فاشل و قاتل و قد انهزم في اول اسبوع له لم يتمكن في هزيمة اوكرانيا