نشرت
مجلة "
بوليتكو" مقالا لكل من بن كيث المحامي في لندن وتيد برومند، الزميل
في مركز تاتشر للحرية بمؤسسة التراث الأمريكية حول الدور الذي باتت تلعبه الشرطة الدولية
(انتربول) في تنفيذ المهام "القذرة" نيابة عن
روسيا.
ففي
الوقت الذي يجب أن تظل فيه المؤسسة الدولية لإنفاذ القانون "محايدة" إلا
أنها باتت تدعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وأضافا أن انتربول التي تعمل على ملاحقة
المطاردين والهاربين من العدالة "وقفت بشكل عملي مع الحرب الروسية في أوكرانيا".
وقالا إن الدول الأعضاء في انتربول تعهدت بالعمل معا على منع المجرمين الحقيقيين من
الهروب من العدالة، كما ويقوم نظامها على فرضية أن كل الأعضاء يتصرفون بحسن نية.
ومثل
بقية الدول الديكتاتورية الأعضاء في المنظمة باتت روسيا تسيء استخدامها لملاحقة أعداء
نظام بوتين. و"يجب وقف كل هذا ولدى الإنتربول كل الأدوات التي تحتاجها، بما في
ذلك تعليق عضوية روسيا في المنظمة".
وحاولت
الولايات المتحدة وبريطانيا العام الماضي تعليق عضوية روسيا ردا على غزوها لأوكرانيا،
لكن المنظمة قاومت وتذرعت بالحيادية وناقشت أنها تستطيع عمل المزيد وروسيا دولة مشاركة
فيها. وقالت: "طالما استطاعت شبكة انتربول مساعدة وإنقاذ طفل كان ضحية للانتهاك،
فمن واجبها الحفاظ على كل خطوط الاتصال مفتوحة".
وهذ
كلام غير صحيح لأن المنظمة أنشئت من أجل نشر المعلومات التي تساعد في اعتقال المجرمين
المشتبه بهم ومنع إساءة استخدام الدول الأعضاء لنظامها، وتظل مسؤولية المنظمة العليا
غير متعلقة باعتقال المجرمين.
وينص
دستور انتربول على ضرورة عملها بناء على الميثاق العالمي لحقوق الإنسان والذي يجسد
البراءة حتى تثبت الإدانة والحق في الملكية الشخصية. لكن الصين وروسيا غالبا ما أساءتا
استخدام انتربول لمضايقة وملاحقة نقادهما وتبرير سرقتهما للأرصدة المالية.
وتريد
انتربول تجنب أي شيء يقود لتعليق عضوية دولة من الأعضاء أو خروجها خشية أن يؤثر هذا
على تأثيرها العالمي. ولهذا السبب تتمسك بأنه لا يوجد هناك شيء في الدستور يدعو لتعليق
العضوية. هذا صحيح من الناحية الفنية، فالبند للتعليق ليس في دستور انتربول، لكنه في
البند 131 من بيانات القواعد والإجراءات للانتربول، والذي يمنح المنظمة سلطة تعليق
حصول دولة عضو على الحق في التعامل مع البيانات لثلاثة أشهر. وهناك أمر آخر يتعلق بقرار
من اللجنة التنفيذية التي قد تتفق على تعليق حصول دولة عضو على البيانات لمدة أطول.
وتسيطر على اللجنة التنفيذية الآن دول أعضاء مستبدة وتسيء استخدام انتربول، على حد
تعبير الكاتبين.
ويقول
الكاتبان إنه من المستبعد أن تصوت الإمارات العربية المتحدة والصين وتركيا لتعليق عضوية
رفيق لها في عمليات الانتهاك.
وطالما
كان دفاع انتربول عن عدم تحركها، وهو أمر يكرره الأمين العام لها، يورغين ستوك أن انتربول
منظمة قامت على
الحياد والتعاون السياسي ضد قانون الجرائم العادية، مثل القتل والاغتصاب
والسرقة. لكن ممارسة الحيادية لا يعني تجاهل الانتهاكات، فالمنظمة الدولية عادة ما
تسمح وبشكل منتظم باستخدام الاتهامات المشكوك بها بشأن الغش أو الاتهامات الزائفة بشأن
ارتكاب جرائم لمهاجمة المنافسين السياسيين أو التجاريين.
وناقش
ستوك بأنه لا توجد مقايضة بين تقديم "الدعم المتبادل" للشرطة وحيادية انتربول.
ولكن عندما تكون الشرطة مجرمة، فهناك بالتأكيد مقايضة. ولا تفرق أنظمة في روسيا والصين
بين الجرائم العادية والجرائم السياسية، وهو فرق تقوم عليه منظمة انتربول.
ويقول
بيل براودر، أشد الناقدين لبوتين والهدف الأكبر لروسيا التي تنتهك قوانين انتربول إنه
من خلال تجاهلها الفرق تنتهي المنظمة لتحولها إلى "ذراع يعمل لصالح نظام مجرم
وملاحقة أعدائه".
وطلب
الكرملين من انتربول وبشكل منتظم اعتقال براودر الذي كشف عن الفساد في روسيا، مع أن انتربول
رفضت الطلب.
وحياد
المنظمة الدولية وسط الحرب في أوكرانيا يعني رفضها عمل أي شيء يمكن أن يفهم منه دعمها
لطرف ضد طرف آخر. و"لا يعتبر هذا حيادا بل تعاميا، فالحياد الحقيقي يعني تطبيق
قوانين انتربول ضد الجميع بعيدا عن هوية أو ردة فعل الذين يخرقون القواعد".
ويعتقد
الكاتبان أن حيادية انتربول المشوشة لا تستهدف فقط ناشطين مثل براودر، بل والولايات
المتحدة، ففي عام 2018 طلبت الولايات المتحدة وحصلت على نشرة حمراء لاعتقال يفغيني
بريغوجين، مؤسس شركة فاغنر للتعهدات الأمنية.
وفي
عام 2020 عندما قام محامي بريغوجين بتقديم شكوى ضد البلاغ، تم سحب النشرة وعلى خلفية
"أنها ستترك تداعيات خطيرة على حيادية انتربول" وتؤدي للنظر إليها بأنها
"تقف مع دولة ضد أخرى". وتقوم حيادية انتربول على ما يقول ستوك "لو
كان هناك أي نشاط لدولة، فانتربول لن تقوم بنشاط"، لكن ماذا لو كانت الدولة هذه
ترتكب جرائم، فعدم تحرك انتربول يضعها في جانب الدول المجرمة مثل روسيا.
ولسوء
الحظ، فقد تراجعت إدارة بايدن عن طلب تعليق عضوية روسيا في المنظمة الدولية. وفي آب/أغسطس
نشرت وزارة الخارجية والنائب العام تقريرا بأنه لم يحدث أي انتهاكات لقوانين انتربول
عام 2019 رغم الأدلة التي تقول العكس. وهو أمر لا يصدق خوف الولايات المتحدة التي تدفع
أكبر مشاركة مالية من توجيه اتهامات مباشرة للدول المنتهكة لقواعدها والدفاع عنها رغم
ما ورد في تقرير وزارة الخارجية حول أوضاع حقوق الإنسان والذي يؤكد الواقع المستمر
في انتربول. ولكن نقاد انتربول عادة ما لا يوجهون النقد للهدف الصحيح، مثل دعوة
"وول ستريت جورنال" المنظمة للتعامل مع القضايا التي تقع خارج القضايا الإجرامية
العادية، وجمع المعلومات عن انتهاكات روسيا في أوكرانيا، وهي نشاطات يقيدها دستور المنظمة.
فالمسألة ليست فيما تفعله روسيا، فهي مخطئة ويجب محاسبتها، لكن انتربول ليس الأداة
الصحيحة للقيام بهذه المهمة.
فالمنظمة
تعاني من مشاكل في مواجهة الانتهاكات التي تقوم بها الدول الأعضاء لنظامها الداخلي،
ولو طلب منها التحقيق وملاحقة مجرمي الحرب فسيتم تسييس عملها. والخائفون من قيام روسيا بتسييس انتربول عليهم ألا يردوا بالطلب من المنظمة كسر قوانينها.
وهناك
طرق أخرى غير تسليم مهمة ملاحقة مجرمي الحرب للمنظمة، فالمجتمع الدولي قد ينشئ محكمة
خاصة لمحاكمة روسيا على فظائعها في أوكرانيا والمتعلقة بالإبادة والجرائم ضد الإنسانية
وجرائم الحرب. وربما تعاونت مع انتربول لملاحقة وتحديد مكان المجرمين الهاربين. وهذه
العملية قد أنشئت عام 2010 ووافق عليها المجلس العام لانتربول بهدف التأكيد على عدم
تحول المنظمة إلى حكم بين مزاعم متخاصمين في الحرب. وكان تصنيف البرلمان الأوروبي لروسيا
كدولة إرهابية خطوة في هذه العملية. وحتى يتم إنشاء محكمة جنائية دولية خاصة بأوكرانيا
فلدى انتربول الكثير لعمله، فهي بحاجة للامتناع عن قول نصف الحقيقة والتخلي عن قواعدها
المتحيزة حتى لو اعتقدت الصين وروسيا أنها تقف مع طرف.